الحمار أكل الدستور

.. بهذه العبارة الفكاهية عبر كاتب مسرحية (غربة) محمد الماغوط عن الإشكالية الجوهرية التي يعيشها عالمنا العربي منذ أكثر من نصف قرن، وهي أننا نعيش في دول لا يحكمها الدستور، وإنما طغاة كالأنعام بل أضل يأكلون الدستور متى شاؤوا، يعيشون وحاشيتهم فوق أي قانون ولا يخضعون لأي محاسبة. هذه الإشكالية بالذات حولت الدول العربية إلى مزارع للطغاة يعيث فيها الفساد والفقر والجهل، وهي السبب الرئيس للثورات التي اندلعت في عالمنا العربي منذ بداية 2011

لم تكن المشكلة في سورية في الدستور ليكون الحل في تعديل الدستور، يقول الدستور السوري الحالي في مادته الثالثة والثلاثين: “الحرية حق مقدس، وتكفل الدول للمواطنين حريتهم الشخصية، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.” وفي مادته الخامسة والثلاثين: “للحياة الخاصة حرمة يحميها القانون، والمساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر من الجهة القضائية المختصة، وفي الأحوال المبينة في القانون.” وفي مادته الحادية والأربعين: “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة.” وفي مادته الرابعة والأربعين: “للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق.” وفي مادته الثالثة والخمسين: “لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.

المشكلة التي أدت إلى قيام الثورة السورية هي أن سورية لا تُحكم بالدستور، وإنما بثلّة من المجرمين دستورهم مكون من بند واحد هو البقاء في السلطة مهما كلف ذلك من مجازر ومن دون أي قعر أخلاقي أو إنساني أو ديني أو وطني.

هذا هو الدستور الحقيقي الذي يحكم سورية منذ خمسة عقود ومكانه ليس على الأوراق، وإنما في رؤوس الإجرام التي قامت الثورة للإطاحة بها وعلى رأسها مجرم العصر بشار الأسد، تلك الرؤوس التي يسعى الروس والإيرانيون إلى الإبقاء عليها، ويريدون بالتواطؤ مع ديمستورا إلهاءنا بتعديل دستوري لا يقدم ولا يؤخر شيئاً بوجودها.

لقد دفع السوريون أنهاراً من الدم ثمناً لقرار أممي يجعل الحل السياسي في سورية مقروناً بهيئة حكم انتقالية يتوافق عليها الطرفان ممَّا يعني حكماً استبعاد المجرمين المسؤولين عن الحرب التي شنها النظام ضد السوريين وعلى رأسهم بشار، وإذا رضي من يمثلون الثورة من المعارضة أن يتنازلوا عن هذا المطلب بسبب ضغط هذه الدولة أو تلك فعلى الشارع الثوري أن يرفع صوته عالياً بالحق الذي كلف حتى اليوم نصف مليون شهيد ومليوني جريح وعشرة ملايين مهجر، الحق الذي يقول: لا حل ولاسلام ولا استقرار في سورية من غير عدالة، ولا عدالة من غير استبعاد نظام الأسد من الحل ومحاكمته.

آن الأوان ليجمع الثوار أصواتهم ويتابعوا ثورتهم بأساليب متجددة وعزيمة متوقدة ترتقي إلى مستوى التضحيات العظيمة التي قدمها السوريون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين