ولهن مثل الذي عليهن

الشيخ : أحمد النعسان


الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:

لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي والذي قبله ما يجب على المرأة نحو زوجها من وجوب الإحصان والإعفاف, وقد حذَّرها النبي صلى الله عليه وسلم ورهَّبها من التقصير في هذا الجانب, وما هذا التحذير والترهيب إلا من أجل ضمان الآخرة, هذا للمرأة أولاً, وثانياً حتى لا تخفق في حياتها الزوجية وتكون فاشلة, وثالثاً: حتى تحافظ على معقل الأسرة من التفكك والضياع, لأن الأسرة هي نواة المجتمع, بصلاحها يكون صلاح المجتمع, وبفسادها يكون فساد المجتمع.

ولهنَّ مثل الذي عليهنَّ:
أيها الإخوة: يجب علينا أن نعلم نحن كذلك بأن الواجب الذي على المرأة نحو زوجها, هو حقٌّ لها عند زوجها, وذلك لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. فإن كان من الواجب على المرأة أن تُحَصِّن زوجها, فإنه كذلك من الواجب على الزوج أن يُحَصِّن زوجته, قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}. كل واحد منهما يصون الآخر ويُعفَّه ويحصِّنه ويستره عن الحرام.
وإن إعفاف الزوج لزوجته من المعاشرة بالمعروف التي أمره الله عز وجل بها, بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.

فإن كان يحرم على الزوجة أن تُقصِّر في حقِّ زوجها, فإنه كذلك يحرم على الزوج أن يُقَصِّر في حق زوجته, لأن تقصير أحدِهما في حقِّ الآخر إضرار به, وليس من المعاشرة بالمعروف.

في بُضع أحدكم صدقة:
أيها الإخوة الكرام: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّن للمرأة بأن حُسن تبعُّلها وإعفافها وتحصينها لزوجها يعدل الجهاد في سبيل الله من حيث الأجر, فكذلك بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بأن إحصانه لزوجته وإعفافَه لها صدقةٌ من الصدقات التي يتقرب بها إلى الله تعالى, وحسنةٌ من الحسنات التي يؤجر عليها يوم القيامة.

روى الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ, فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْر).

انظروا أيها الإخوة الأحبة إلى حرص الإسلام على الأسرة, وكيف هو حريص على سلامة العلاقة بين الزوجين, فلا يجوز للمرأة أن تُقَصِّر في حقِّ زوجها, كما لا يجوز للرجل أن يُقَصِّر في حق زوجته, وكما أن لها أجراً في إعفاف زوجها كذلك له أجر في إعفاف زوجته.

{وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}:
أيها الإخوة الكرام: يقول الله تعالى في سورة النور: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}. يقول الفقهاء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, هذه الآية الكريمة يجب على كلِّ أبٍ أن يقف عندها وقفة المتدبِّر لها, وكذلك على كل زوج.

أما أنت أيها الأب الكريم:
يحرم عليك شرعاً أن تعضل ابنتك وتضيِّق عليها عندما تريد الزواج, لا تغالي بالمهر, ولا ترهق الخاطب بكثرة الطلبات, وخاصة إذا كانت ابنتك البالغة العاقلة الراشدة ترضى باليسير, لأنها تريد إحصان نفسها, فإن شدَّدت وضيَّقت على الخاطب فإنك قد تُلجئ وتُكره ابنتَك لا قدَّر الله على البغاء.

بعض النساء انحرفن عن جادة الصواب بسبب تضييق الرجال عليهن وعلى الخُطَّاب بكثرة الطلبات, والمرأة تريد التيسير لإعفاف نفسها, ولكن أكرهها أبوها من حيث يشعر أو لا يشعر, من حيث يعلم أو لا يعلم على البغاء.

أما أنت أيها الزوج الكريم:
يحرم عليك شرعاً أن تُقَصِّر في حقِّ إعفاف زوجتك, لأن تقصيرك في حقها قد يفسدها ويجعلها تتطلَّع تحت ضغط الحاجة الفطرية إلى غيرك لا قدَّر الله تعالى, وخاصة إذا كانت قليلةَ المراقبة لله عز وجل, وكانت ضعيفةً في تقواها, في زمن كثر فيه الفساد والإفساد من خلال أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية.

الزوجة تريد الإحصان وتريد الإعفاف فلماذا التقصير من الزوج والله تعالى يقول: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}؟
كما قلت أيها الإخوة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, فلا تكره زوجتك على البغاء من حيث تشعر أو لا تشعر, من حيث تعلم أو لا تعلم.

احذر من التقصير في حقِّ إعفاف زوجتك حتى لا تنحرف لا قدَّر الله تعالى.

فوالله لولا الله أني أراقبه:
أيها الإخوة الكرام: (خرج سيدنا عمر رضي الله عنه ليلة يتفقد أحوال الرعية بنفسه, فمرَّ بجانب بيت فإذا به يسمع صوت امرأة

وهي تقول:
تطاول هذا الليل واخضلَّ جانبه   ***   وأرَّقـني إذ لا خــليل ألاعـبه
فلولا حذار الله لا شيء مثله   ***   لَزُعْزِعَ من هذا السرير جوانبه

فقال عمر: فما لك؟ قالت: أغربت زوجي منذ أربعة أشهر، وقد اشتقت إليه، فقال: أردتِ سوءاً، قالت: معاذ الله، قال: فاملكي على نفسك، فإنما هو البريد إليه، فبعث إليه، ثم دخل على حفصة فقال: إني سائلك عن أمر قد أهمَّني فأفرجيه عني، كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفضت رأسها، فاستحيت، فقال: فإن الله لا يستحيي من الحق، فأشارت ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة، فكتب عمر ألا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر. رواه عبد الرزاق والبيهقي.

رحمك الله يا سيدنا عمر, وجزاك الله عن الأمة خير الجزاء, لقد أتعبت من جاء من بعدك من الأمراء والمسؤولين.

كم هو الفارق بين من يعتبر الإمارة مَغْنَماً, وبين من يعتبرها مَغْرَماً, من اعتبرها مغرماً أتعبته لأنه يشعر بأنه مسؤول عن رعيته أمام الله تعالى.

وكم هو حسن في كل مسؤول أن يعتبر من سيدنا عمر رضي الله عنه ويتأسَّى به, وأن يرعى هذا الجانب في حقِّ كل رجل استرعاه الله عز وجل عليه, وأن يكون هذا المسؤول حريصاً على سلامة المجتمع وذلك بعدم إبعاد الزوج عن زوجته مدة طويلة.
من قصَّر في حقِّ زوجته فإنه يكون قد ظلمها, وهل يقع العبد في الظلم مع قوة إيمانه؟ الإيمان عندما يزيد في قلب المؤمن فإنه يعطي لكلِّ ذي حق حقه, ولكن إذا ضعف الإيمان في القلب ظلم, ولا أعجب من إنسان يظلم نفسه, هل ينسى الزوج قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}. هي جزء منك فكيف لا تعتني بشأنها؟ كيف لا ترحمها؟ كيف لا تعفُّها عن الحرام؟

(وإن لأهلك عليك حقاً):
أيها الإخوة الأحبة: هناك من يظن نفسه بأنه عابد لله عز وجل, زاهد في الدنيا, يريد أن يتقرَّب إلى الله تعالى بكثرة النوافل, يحيي ليله بالقيام وتلاوة القرآن, ويقضي نهاره بالصيام, فهو صائم بالنهار قائم في الليل, يريد ظناً منه أن يطبِّق قول الله تعالى في الحديث القدسي: (وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويكون كل هذا على حساب زوجته, فهل هذا العبد على صواب؟
الجواب نسمعه ونأخذه من الحديث الذي رواه الترمذي في سننه عن أَبِي جُحَيْفَةَ وَهبِ بْنِ عبد اللَّه رضي اللَّهُ عنه قال: (آخَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَيْن سَلْمَانَ وأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاء مُتَبَذِّلَةً, فقالَ: ما شَأْنُكِ؟ قالَتْ: أَخْوكَ أَبُو الدَّرداءِ ليْسَ له حَاجةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدرْدَاءِ فَصَنَعَ لَه طَعَاماً، فقالَ لَهُ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، قالَ: ما أَنا بآكلٍ حَتَّى تأْكلَ، فَأَكَلَ، فَلَّمَا كانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْداءِ يقُوم فقال لَه: نَمْ فَنَام، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُوم فقالَ لَه: نَمْ، فَلَمَّا كان من آخرِ اللَّيْلِ قالَ سلْمانُ: قُم الآنَ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً، فقالَ له سَلْمَانُ: إِنَّ لرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لنَفْسِكَ عَلَيْكَ حقًّا، ولأهلِك عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَذَكر ذلكَ لَه، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: صَدَقَ سلْمَانُ) رواه البخاري. نعم صدق سلمان وصدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة: الإنسان عندما يريد أن يعبد الله عز وجل فإنه يجب عليه أن يعبده وفق ما شرع الله عز وجل له, لا وفق أهوائه ورغباته, وكلُّنا يعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم (جاءَ ثَلاثةُ رهْطِ إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَلَمَّا أُخبِروا كأَنَّهُمْ تَقَالَّوْها, وقالُوا: أَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ غُفِر لَهُ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصلِّي الليل أَبداً، وقال الآخَرُ: وَأَنا أَصُومُ الدَّهْرَ أبداً ولا أُفْطِرُ، وقالَ الآخرُ: وأَنا اعْتَزِلُ النِّساءَ فلا أَتَزوَّجُ أَبداً، فَجاءَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إلَيْهمْ فقال: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كذا وكذَا؟ أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم له, لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي) رواه البخاري

عن أنس رضي الله عنه.
فلا يجوز أن يقول العبد: أنا منصرف إلى الله تعالى ولا أعبأ بأحد, يا هذا انظر إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل شغلته النبوة والرسالة والدعوة والصيام والقيام عن حقِّ نسائه؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم إنسان خلقه الله تعالى, أعطى لكل ذي حق حقه, ثم قال لنا صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) أخرجه الحسن بن سفيان وغيره, وقال ابن حجر: ورجاله ثقات, وصححه النووي في الأربعين.

أتأذنين لي يا عائشة؟
أيها الإخوة الكرام: تعالوا واسمعوا هذا الحديث الذي رواه ابن حبان عن عطاء قال: (دخلت على عائشة فقلت لها: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبكت وقالت: وأيُّ شأنه لم يكن عجباً؟ أتاني ليلة فدخل معي في فراشي ـ أو قالت في لحافي ـ حتى مسَّ جلدي جلده, ثم قال: يا ابنة أبي بكر ذريني أتعبَّد لربي, فقالت: قلت: إني أحبُّ قربك, لكنِّي أوثر هواك, فأذنت له، فقام إلى قربة ماء فتوضأ, فلم يُكثر صَبَّ الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره, ثم ركع فبكى, ثم سجد فبكى, ثم رفع رأسه فبكى, فلم يزل كذلك يبكي حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً, ولم لا أفعل ذلك وقد أنزل الله تعالى علي: {إن في خلق السموات والأرض} الآية).

يا أهل السهر بالليل:
أيها الإخوة: هل سمع أهل السهر بالليل هذا الحديث الشريف؟ هؤلاء الذين يسهرون الليلَ أو نصفه أو أكثر ربما في غفلة عن الله عز وجل, وربما في اللعب بورق الشدة أو الطاولة, وربما على شاشات التلفاز هل سمعوا هذا الحديثَ وحديثَ سيدنا سلمان.
إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رضي لك أن تقضي وقت الليل في القيام على حساب زوجتك, فكيف تقضيه في الشيء الذي تعرف أنت بأي شيء تقضيه, اتقوا الله في نسائكم كما تحبون أن تتقي الله نساؤكم فيكم, ولا يجوز أن يكون الإنسان سبباً في انحراف زوجته لا قدَّر الله بسبب طول سهره وتقصيره في حقها, كما يحرم على المرأة أن تكون سبباً في انحراف زوجها بسبب تقصيرها في حقِّ زوجها.

أيها الإخوة الكرام: اجعلوا الله تعالى بينكم وبين نسائكم, اتق الله في زوجتك, ولتتق الله زوجتك فيك, وليعط كلُّ واحد لصاحبه حقه, اللهم وفِّقنا لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم بأقوالنا وأفعالنا يا أرحم الراحمين. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين