كلمات في القرآن (13) (النظر)

 

نجدُ في مختار الصحاح قوله : النَّظَر والنَّظَرَانُ بفتحتين : تَأَمُّل الشَّيْءِ بالعَيْن. وقد نَظَر إلى الشَّيْءِ… والنَّظَر أيضاً : الانتِظار يقال : نَظَره يَنْظُره بالضم نَظَراً. ويقال للعَين النَّاظِرة. والنَّاظِرُ الحافِظُ. والنَّظِرة بكسر الظاء التأخير. وأَنْظَرَه أَخَّرَه. واسْتَنْظَرَه اسْتَمْهَلَه. و تَنَظّره تَنَظُّراً انْتَظَره في مُهْلَةٍ. 

وفي لسان العرب قوله : النَّظَر حِسُّ العين . نَظَره يَنْظُره نَظَراً ومَنْظَراً ومَنْظَرة ونَظَر إِليه وتقول نَظَرت إِلى كذا وكذا مِنْ نَظَر العين ونَظَر القلب .

ويقول القائل للمؤمَّل يرجوه إِنما نَنْظُر إِلى الله ثم إِليك أَي إِنما أَتَوَقَّع فضل الله ثم فَضْلك .

والنَّظَر تأَمُّل الشيء بالعين ، وقوله عز وجل وأَغرقنا آل فرعون وأَنتم تَنظُرون قال أَبو إِسحق قيل معناه وأَنتم تَرَوْنَهم يغرَقون . والنَّظَرُ الانتظار ويقال نَظَرْتُ فلاناً وانْتَظَرْتُه بمعنى .وانْظُرُونا نَقْتَبِسْ من نُوركم : انْتَظِرُونا . 

وفي القرآن من هذه المعاني وغيرها أو مما يُشتق منها الوفر الكثير ، فهلم إلى القرآن . 

من ذلك :

1- الرؤية : في قوله تعالى : " وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة " وهي نظرة حب وإجلال وتعظيم . ومن الرؤية قوله تعالى في وصف البقرة " إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين " وفي المعنى نفسه في سورة الأعراف " ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين " ومن الرؤية قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام في سورة الأعراف " قال رب أرني أنظر إليك ، قال لن تراني ، ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ..." . 

2- نظرة الخوف : في قوله تعالى في سورة التوبة : " وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض : هل يراكم من أحد ثم انصرفوا .. " فهم يخافون أن تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة تنبئه بما في قلوب المنافقين فتفضحهم ، وتفضح نفاقهم . وكذلك في سورة الأحزاب " فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم .. " نظر الخائف المستسلم . وفي سورة الشورى يصور القرآن خوفهم من النار " ينظرون من طرف خفيّ " ونجد خوف المنافقين من القتال في سورة محمد صلى الله عليه وسلم " ... رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت ..." .

3- نظرة الاستسلام والخضوع : في قوله تعالى في سورة الصافات " فإنما هي زجرة واحدة ، فإذا هم ينظرون " وفي قوله تعالى في البقرة " فأخذتكم الصاعقة ، وأنتم تنظرون " ونرى الاستسلام واضحاً في سورة الواقعة " فلولا إذا بلغت الحلقوم ، وأنتم حينئذ تنظرون " ونجد مع الخوف والفزع الاستسلام حين يرون النار من طرف أعينهم ، ولا يجرؤون على النظر إليها ، ويستسلمون لمصيرهم المرعب الذي يقذفهم في النار بين لحظة وأخرى ، إنها لحظات رهيبة والله رهيبة " وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذل ، ينظرون من طرف خفيّ " .

4- نظرة التأمل والتدبر : في قوله تعالى في سورة الصافات يصف نظرة التفكر والتدبر " فنظر نظرة في النجوم ، فقال إني سقيم " وكذلك نجد هذه النظرة في قوله تعالى في سورة الحشر " يا أيها الذين آمنوا ؛ اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد " والعاقل هو الذي يحسب حساب الغد الآتي . ونرى مثاله أيضاً في سورة عبس " فلينظر الإنسان إلى طعامه ، أنا صببنا الماء صباً ، ثم شققنا الأرض شقاً ..." فمن تأمل وبحث وصل إلى وجود الله ووحدانيته ، وأنه – سبحانه - الآمر الناهي يفعل ما يشاء . كذلك في سورة الطارق " فلينظر الإنسان ممّ خلق؟ خُلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب ، إنه على رجعه لقادر .. " وهناك دعوات في المسير في الأرض والنظر المتأمل المتفكر في الأعراف ،ويوسف ، والروم ، وفاطر، وغافر ، ومحمد ، تبدأ بقوله : أفلم يسيروا ؟ مثالها في يوسف " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ، ولدار الآخرة خير للذين آمنوا .. " .

5- نظرة المعاينة : في قوله تعالى في البقرة " فأنجيناكم ، وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون " يرون الأمر ويشاهدونه . ونجد في سورة يونس المعاينة وتقليب الأمر " ثم جعلناكم خلائف في الأرض لننظر كيف تعملون " ونجد المعاينة للأدلة في قوله تعالى يخاطب موسى عليه السلام " ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني " وقول سليمان للهدهد حين بعثه برسالته إلى مملكة سبأ وملكتها بلقيس " فألقِهْ إليهم ، ثم تولّ عنهم ، فانظر ماذا يرجعون ؟ " وكذلك نرى المعاينة في قوله تعالى في سورة يونس " قل انظروا ماذا في السموات والأرض " إنها نظرات ولمسات لا يراها إلا القلب السليم . 

6- نظرة التعجب : وغالب التعجب من كفر الكافرين واستكبارهم عن الحق ، مثال ذلك في سورة الإسراء في قوله تعالى " انظر كيف ضربوا لك الأمثال ، فضلوا ، فلا يستطيعون سبيلاً " فالكفار يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم تارة بالكهانة وتارة بالسحر وأخرى بالكذب ورابعة بالشعر ، وكلامهم عجيب لا ينبغي أن يصدر عن رجال يعقلون . وفي المائدة تعجب واضح من فسادهم وكفرهم " انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يُؤفكون " والتعجب من ضرب الأمثال مرة أخرى في سورة الفرقان " انظر كيف ضربوا لك الأمثال ، فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً " ثم انظر متعجباً من الاستمرار على ضلالهم بعدما رأوا الآيات في سورة الأنعام " انظر كيف نصرف لهم الآيات ثم هم يصدفون " 

7- نظرة الانتظار : قوله تعالى في سورة الذاريات في نهاية قوم صالح " فعتوا عن أمر ربهم ، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون " وَذَلِكَ أَنَّهُم اِنْتَظَرُوا العَذَاب ثلاثة أَيَّام فَجَاءَهُمْ فِي صَبِيحَة الْيَوم الرَّابِع بُكرَةَ النَّهَار. وكان انتظارهم تحدياً ، فنالوا عقاباً يستحقونه على كفرهم وعنادهم . ونجد هذا المعنى في قوله تعالى في سورة البقرة " يا أيها الذين آمنوا ؛ لا تقولوا راعنا ، وقولوا انظرنا ، واسمعوا .." بعض المفسرين قالوا هي من الرؤية والانتظار والتأني كذلك . وكقوله في سورة الحديد على لسان المنافقين يخاطبون المؤمنين " انظرونا نقتبس من نوركم " ولا نور في ذلك اليوم إلا للمؤمنين ، ونرى معنى الانتظار في قوله تعالى في سورة فاطر " فهل ينظرون إلا سنة الأولين " وهي عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره . ومن معنى الانتظار قوله تعالى في سورة الأحزاب " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه " لا دخول إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا إجابة لدعوة أو وليمة ، ولا بأس أن ينتظر المسلمون في بيته نضج الطعام واستواءه .....

ثم يأكلون وينصرفون غير منتظرين ، ولا يتأخرون .

8- نظرة الاختبار كقوله تعالى في سورة النمل الآية 27 " سننظر أصدقتَ أم كنت من الكاذبين " فهو يختبر الهدهد حين جاءه بخبر بلقيس وقومها . وكذلك نجد معنى الاختبار في السورة نفسها الآية 41 " قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون " وكان قد سألها عن عرشها بعد أن أراها إياه وقد جاء به مَن عنده علم من الكتاب يختبر ذاكرتها وذكاءها ... ونجد اختبار الصبر والإيمان لبني إسرائيل على لسان موسى " قال عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " .

9- نظرة الدهشة والانبهار : نجدها في قوله تعالى في سورة الزمر في قوله تعالى يصف المشركين حين يُنفخ في الصور " ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " فيعلمون الحقيقة – إذ ذاك - ويندمون حين لا ينفع الندم . ونجد المعنى نفسه في سورة الصافات في قوله تعالى " فإنما هي زجرة واحدة ، فإذا هم قيام ينظرون " وقد عقدت المفاجأة ألسنتهم ، وعلموا أنهم خسروا أنفسهم إذ كذّبوا بآيات الله .

10- نظرة التهديد والتوبيخ : من أمثلة ذلك قوله تعالى يوبخ الكافرين الصادّين عن سبيل الله في سورة المائدة " انظر كيف نبين لهم الآيات ، ثم انظر أنّى يُؤفكون " وقوله تعالى في سورة الأنعام " انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " وقوله تعالى في السورة نفسها " انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون " فهناك بيان للآيات وتصريف واضح للأمور ، والكافرون صادون عن سبيل الله كافرون برسالاته . وأشد من ذلك أن الله تعالى يغضب على الكافرين غضباً شديداً والدليل على هذا في سورة آل عمران أن الجليل يخزيهم " ولا يكلمهم ، ولا ينظر إليهم يوم القيامة " . 

11- نظرة التأخير في قوله تعالى في سورة الأحزاب " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه " فلا تتأخروا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأكل . ومن التأخير قوله تعالى في إنظار المعسر - الآية من سورة البقرة - " وإن كان ذو عسرة فنَظِرة إلى ميسرة " فيؤخر الدائن المدين المعسر في السداد إلى وقت اليسر والمقدرة . 

12- نظرة البهجة والسرور في قوله تعالى في الآية 23 من سورة المطففين يصف وجوه المؤمين السعداء في الجنة " إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم " وانظر معي إلى المؤمنين يتمتعون ويبتهجون في جنة الرحمن في الآية 35 من السورة نفسها " ... من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون " 

13- نظرة المعرفة واليقين بالأمر : في قوله تعالى في سورة النبأ " يوم ينظر المرء ما قدمت يداه " ويعلم علم اليقين أنه هالك لا محالة . ومن نظرة العلم واليقين كذلك قوله تعالى في سورة البقرة " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل الغمام " والمعنى نفسه نجده في سورة الأنعام في قوله تعالى " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الملائكة أو يأتي ربك " فيعلمون أن تكذيبهم للرسل وصدهم عن دعوة الحق قد أرداهم في جهنم ، فلا نجاة ولا محيص عن ذلك ... ونجد نظرة العلم واليقين في سورة الأنفال ، فبعض المسلمين لا يرغبون بالقتال وبجادلون في ذلك ، فعبر القرآن عن هذا بقوله تعالى " كأنما يُساقون إلى الموت ، وهم ينظرون " ولم يكن هذا لا ئقاً بهم . 

14- نظرة الاحتقار للكفر وأهله في قول موسى عليه السلام للسامري في سورة طه " وانظر إلى إلهك الذي ظلْتَ عليه عاكفاً لنحرّقنه ثم لننسفنّه في اليمّ نسفاً " وتصور درجة الاحتقار بتحريق الإله المزعوم ونسف رماده في البحر أمام أعين عابديه . ونجد معنى الاحتقارنفسه في قوله تعالى يصف إغراق قوم فرعون بكلمة (النبْذ) في قوله تعالى في سورة القصص " فنبذناهم في اليم ، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين " .

15- وأخيراً نظرة الاستشارة والاستئمار بين إبراهيم وولده إسماعيل حين أمره الله تعالى في المنام بذبحه " يا بنيّ إني أرى في المنام أنّي أذبحك ، فانظر ماذا ترى؟ " إنها كلمة قالها لإعلامه فقط ، ولن يأخذ برأيه إن خالف ، فأمر الله لا بد منه . 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين