سقَطَ سوتشي. وماذا بعد؟

لا ريب أن فشل سوتشي هو انتصار للثورة، وهو إنجاز لا يمكن تسجيله إلا لثوار سوريا الأحرار الذين وقفوا وقفة صلبة شجاعة في وجه هذه المؤامرة السافرة على ثورتهم العظيمة. والآن: ماذا بعد؟ ما البديل؟ هذا هو الجواب:

إن المجتمع الدولي يسعى بإصرار إلى حل سياسي في سوريا، ولا بد للضغط المستمر أن يفتح مساراً يمشي فيه الحل السياسي المنشود، تماماً كما يفتح السيلُ في الأرض مجرىً يمشي فيه الماء. لن يستطيع صاحبُ الأرض رَدّ السيل إذا تدفق السيل على الأرض، لكنه يستطيع أن يوجّهه إلى قنوات تمدّ الأرض بالحياة، أو يتركه في تدفقه العشوائي فيُغرق الأرضَ ويُهلك الإنسان والحيوان والنبات.

* * *

لقد بدأ الضغط الدولي على الثورة منذ وقت مبكر، ونجح -في منتصف عام 2012- بفتح مسار جنيف الذي كان من محطاته الرئيسية بيان جنيف 1 ثم القراران رقم 2218 ورقم 2254.

هذا المسار لا يقدم لنا حلاً مثالياً ولا يحقق طموحاتنا بصورة نموذجية، لكنه يحقق قدراً مقبولاً منها تحت رعاية دولية شاملة، وهو أمر لا يُرضي النظام ولا يُرضي حلفاء النظام، فمن أجل ذلك فتح الروس مسار الأستانة أولاً ثم مسار سوتشي آخِراً، لأن هذا المسار الذي يجري تحت رعاية روسية حصرية سيؤدي -كما يأمُلون- إلى انتصار النظام وهزيمة الثورة (لا قدّر الله).

نحن لن نستطيع وقف المسار السياسي بالمطلق، وليس مطلوباً منا أن نفعل، لأن السياسة ميدان ثوري لا يختلف في أهميته عن ميدان الحرب. فلو أننا فتحنا مسار سوتشي أو قبلنا بتحويل مسار الأستانة (وهو في أصله مسار عسكري محدود) إلى مسار سياسي شامل، لو صنعنا هذا الأمر أو ذاك فسوف يتدفق الحل السياسي في هذا المسار الكارثي وينقطع مسار جنيف الأقل كارثية، سوف ننقل -راضين مختارين- إدارةَ ملف الصراع السياسي من الأيدي الدولية (غير الأمينة) إلى الأيدي الروسية المجرمة الملوثة بالدم، فهل يصنع ذلك ثوار عقلاء؟

* * *

الخلاصة: نحن لسنا في مقام اختيار الحلول الكاملة والنهايات المُثلى لثورتنا، لكننا لن نوافق على وضع رقابنا تحت المقصلة الروسية، ولن نقبل بتدمير حلمنا والعودة إلى قفص النظام الذي قدّمنا للخلاص منه ما يعجز القلمُ عن تصويره من تضحيات. وإذن فإن الأمر محسوم: إغلاق البوابات أمام المسارات الروسية في الأستانة وسوتشي إغلاقاً أبدياً، وفتح الباب للمسار الأممي في جنيف، وحشد كل ما تملكه الثورة من ثقل سياسي وعسكري لخوض المعركة الفاصلة في هذا المسار.

هذه هي "الواقعية السياسية" التي تلائم ثورة شعبية كبرى بحجم الثورة السورية العظيمة، وما عداها انتحار. هذه هي المسألة باختصار.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين