القابعون... في ظلمات اليأس

بقلم هنادي الشيخ نجيب

كان الحديث يدور حول واجب كلّ مسلمٍ في استنهاض أمّته، خاصّة أنّها تمرُّ في مرحلةٍ من الضَّعف تحتاج فيها إلى حُرقةِ كلّ مخلص، وبَذْل كلّ باذل، وعلم كلّ عالم، ومالِ كل ذي سَعة، وجهاد كل مجاهد...
وأثُيرتْ في المجلس شجون الواقع الأليم من تآمر المعتدين، وتحامل المبغضين، وعمالةِ الخائنين، وفساد الأنظمة وكذب المسؤولين، وانفصام عرى الدين، وجرأةِ المنفلتين... وحُمِّلَتْ كل حاضرةٍ مسؤولية القيام بدورها، فبادرت إحداهن معتذرة عن قطع الحديث، وعرضت نظرتها حول هذا الموضوع قائلةً:
مسؤوليتي؟! دوري؟! وماذا سأفعل أنا وأنتنّ لمواجهة هذا العدد الهائل من الأعداء الأقوياء المدرَّبين والمنظمين، الممكَّن لهم في الأرض، وهذا السيل الهادر من المفكّرين والمثقفين والمتعلمين؟!
ماذا أفعل أنا وأنتنّ لردّ شبهاتهم وتحصين جبهاتنا من اختراقاتهم؟ لقد نخروا عظام الأمة، ولم يبقَ أمل بغدٍ مشرقٍ سعيد!!
وأين سأمارس دوري، وأنا أكاد لا أحصي عدد الجماعات من حولي، بِرُؤاهم ورسائلهم المختلفة، وأفكارهم وأساليبهم المتنوعة؟! إنّ اختلافاتهم - في كثير من الأحيان - تطفو على وجه المجتمع تناحراً وتباغضاً، وتبدو وكأنها رصاصة تغتال آخر أملٍ في الوحدةِ والوفاق!
أَبَعدَ هذا كلّه تُرِدنني أن أستبشر بقُرب قدوم المجد والتمكين؟! كلا، لقد اخترتُ أن أسلك طريق العزلة المشروع، لا يضرني مَن ضلّ، حتى يدركني الموت، راجية رحمة ربي...
تلك العبارات ليست وهماً مصطنعاً، ولا خيالاً مفتعلاً؛ إنها وقائع مختومة بختم الحقيقة، تدفع شبابنا نحو فخ اليأس ليعلقوا في شباكه، وقد أظلمت أرواحهم، وتجمّدت أفكارهم، ويَبِست حركاتهم، وانقطع بهم حبلُ الأمل...
تحدٍّ خطير، هو نتيجة جهل بخصائص هذا الدين العظيم؛ جهلٌ بقوّته، بسموِّه وربّانيته، بشموليته وواقعيته، بظهوره وتمكينه، بحركته ومهمّته... وهو ثمرةُ التعلّق بالدنيا واللهث وراءها، قد نبت على فروع كراهية التضحية والبذل من أجلِ الآخرة... وتجرّعت الأكثريةُ كأس نسيان وظيفة الإنسان على الأرض...
إنه تحدي التيئيس من العمل الإسلامي، بدعوى تآمر الأعداء، وتعدّد الجماعات الإسلامية وتعارضها وتنافرها، وبدعوى حلول زمن العزلة، زمن: «فاعتزل تلك الفِرَق كلها»، ووقت: «عليك بنفسك، ودع عنك أمرَ العوام»، وأوان: (عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضَلّ إذا اهتدتم).
فأمريكا بجيوشها، وأوروبا بأحلافها، والعرب بأنظمتها، يقاتلون الإسلام، ويلاحقون أهله، ويقسِّمون أرضه، ويسرقون ثرواته، ويحظرون نداءه، ويتطاولون على نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، يحاربون العفّة في نسائه، ويذبّحون رجاله، ويتصيّدون روّاد مساجدِه... والقائمة تطول...
فكيف لنا - والحال كذلك - أن نواجه هذا المدّ العنيف من المحاربين المُبْغضين الحاقدين؟! أنستبيح القعود والجمود؟! أنتواكل ونترك الأسباب؟! أنؤثر العزلة والانطوائية؟! أنفقد الأمل ونغرق في اليأس والإحباط؟!
ويبقى السؤال: كيف نردّ على دعاوى التيئيس من جدوى العمل الإسلامي؟ وكيف نواجه تيار المعوقِّين وحملات المتخاذلين؟
هذا ما سنتناوله - إن شاء الله - في العدد القادم، فتابعونا.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين