رأي في تكوين المجتهد في عصرنا هذا (2)

 

مجلس شورى المجتهدين (2)

 

المقترحات:

أ- تكوين المجتهدين:

إنَّ بُروز المجتهدين المجددين العظام نادر في التاريخ وهو منحة إلهية ولا شك. فقد كان المجتهد فيما مضى يبزغ في بيئته بصورة طبيعية تلقائية من دون أي تخطيط أو قصد من قبل المجتمع الذي ينبت فيه. وكان الاجتهاد مقتصراً على العلوم الدينية غالباً أما اليوم وقد اشتدت الحاجة إلى العدد الوافر من المجتهدين على اتساع العالم الإسلامي فنحن ندعو إلى تشجيع بروز المجتهدين بأعداد كافية كما ندعو إلى الاجتهاد في علوم الدنيا والدين على السواء. وها نحن فيما يلي نشير إلى بعض الأسس المقترحة لتكوين المجتهد:

1 – أن يكون قد نشأ على الإيمان والتقوى.

2 – أن يكون قد نشأ على حبِّ العلم والتواضع أمام الحق والحقيقة فلا يخضع لمؤثرات ذاتية أو خارجية تزيغه عن الحق والحقيقة.

3 – أن يتحلَّى بالصبر فلا يكون سريع الهياج والانفعال ولاسيما إزاء غير المسلمين أو الذين يختلفون معه في الرأي.

4 – أن يكون داعياً وعاملاً لوحدة المسلمين رافضاً التمذهب والتعصب اللذين يسببان الانشطار بين المسلمين.

5 – أن يكون قد درس واحداً من العلوم المضبوطة (دراسة معمَّقة) على الأقل إذا كان اجتهاده في علوم الدين وأن يدرس العلوم الدينية إذا كان اجتهاده في العلوم الدنيوية. ونقترح أن يكون درس الصحة مطلوباً من الجميع.

6 – أن يتقن لغة أجنبية واحدة على الأقل إلى جانب إتقانه العربية.

7 – أن يكون قد مارس (أو يمارس) خدمة عملية في الحياة كعامل أو زارع أو تاجر أو محامٍ إلى غير ذلك.

8 – أن يكون اجتماعياً ذا شخصية جذابة وعاطفة إنسانية رحيمة يحسن ممارسة التعاون مع الآخرين في التنظيم والقيادة.

9 – أن يكون شجاعاً في دفاعه عن الحق والإصداع برأيه.

10 – أن يكون مفكراً واقعياً في حياته حكيماً في تصرفاته صادقاً في وعوده ومواعيده وتحمل مسؤولياته.

ب – مجمع المجتهدين:

نقترح إنشاء مجمع علمي رفيع المستوى يدعى (مجمع المجتهدين) يَنتمي إليه البارزون الممتازون من خريجي الجامعات ممن عُرفوا بصدق العقيدة وتقوى الله تعالى. ويرغبون في تكريس أوقاتهم كلها أو جلَّها لخدمة الشريعة الإسلامية. أشخاص ليست لديهم أطماع مادية أو سياسية ويعتبرون انتماءهم لهذا المجمع أسمى ما يطمحون إليه في هذه الحياة.

الحدّ الأدنى للمستوى العلمي المطلوب للانتماء لهذا المجمع هو (دكتوراه الدولة) أو ما يعادلها أو البروز في العبقرية والإنتاج بدرجة لا تقل إن لم تَفق حملة دكتوراه الدولة.

إنَّ الانتماء بهذا المجمع يكون مدى الحياة، والبحث العلمي والإنتاج الفكري فيه حرّ ومستمر. تهيأ للعضو فيه الوسائل والفرص للدرس والبحث والسفر في سبل الاتصال بمراكز البحث والتحري في العالم. وتجلب الكتب والوثائق والوسائل الآلية التي يتطلبها الباحث.

البحث (والدرس والتدريس) في المجمع لا يقيد بزمن فهو مستمر وللمجتهد أن ينظم أوقات درسه وتدريسه كما ينظم اللقاءات مع زملائه أو طلابه حسب مواعيد متفق عليها بكل حرية. فالدرس والتدريس في المجمع حرّان فلا امتحانات ولا شهادات. درس وبحث وإنتاج حرّ. 

المجتهدون يحاضرون وينشرون في حقول اختصاصاتهم المنوعة فيحققون الإشعاع الفكري والديني للعالم الإسلامي كله. إن عالمنا الإسلامي لفي أمس الحاجة اليوم إلى العديد من (مجامع المجتهدين) في شتى أنحاء المعمورة. ومتى تعدَّدت هذه المجامع في شتى أنحاء العالم الإسلامي فيمكن إذ ذاك التعاون فيما بينها وتبادل الزيارات فيما بين أعضائها.

ج – مجلس شورى المجتهدين:

لم يَعُد الاجتهاد الفردي في نظرنا كافياً لمجابهة قضايا العصر التي يَعيشها العالم الإسلامي بل لابدَّ من شورى بين ذوي الرأي من المجتهدين. فالله سبحانه خاطب نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] {آل عمران:159} كما قال تعالى في وصف المؤمنين: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] {الشُّورى:38} فالشورى ينبغي أن تمارس في كل نواحي الحياة الإسلامية بما في ذلك الشؤون العلمية والدينية ولذلك فنحن نقترح تأسيس مجلس شورى إسلامي يضم أبرز المجتهدين في فروع الحياة المختلفة.

نذكر على سبيل المثال لا الحصر الاختصاصات التالية:

المجتهدون في العلوم الدينيَّة.

المجتهدون في الاقتصاد والسياسة والإدارة.

المجتهدون في الشؤون الدولية والدفاعيَّة.

المجتهدون في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع.

المجتهدون في علوم الحياة والطب وعلم البيئة.

المجتهدون في الرياضيات والفلك والهندسة.

المجتهدون في الفيزياء والكيمياء وطبقات الأرض، والزراعة والصناعة والتجارة.

إن مجلساً كهذا يضم أبرز العلماء المجتهدين في العالم الإسلامي يكون بمثابة الدماغ المفكر والموجِّه لحياة المسلمين.

إنَّ العالم الإسلامي في أمسِّ الحاجة اليوم إلى توحيد الفكر وتوحيد الاتجاه والسير إلى الأمام بشكل حيٍّ حركي نامٍ ونرجو أن تصبح لغة المجتهدين (أفكارهم وأفعالهم) مُنسجمة مع روح العصر وتطلباته بحيث تنتهي القطيعة وتزول الفجوة بين حملة العلوم الدينية وحملة العلوم الدنيوية فالكل يصبحون علماء دنيا ودين في الوقت ذاته.

ونحن مع إبداء إجلالنا وتعظيمنا للأئمَّة المجتهدين من السلف رضي الله عنهم جميعاً وجزاهم أجزل الجزاء على ما أسْدَوه من خدمات للدين كانت تُلائم عصورهم فإنَّا ندعو اليوم إلى تكوين جديد للمجتهدين؛ تكوين يواكب متطلبات العصر الثقيلة.

نحن في أمسِّ الحاجة إلى مجتهدين يشخصون الداء ويصفون الدواء للمجتمع الإسلامي من جهة ويخططون ويرشدون لتحقيق مجتمع إسلامي جديد قويٍّ يتسلَّح بالإيمان والفضيلة وعلوم الدنيا والدِّين والعلم الصالح من الجهة الأخرى، وأختم تالياً بالبيتين المشهورين:

لسنا وإن أحسابنا كرمت = يوماً على الآباء نتكل

نبني كما كانت أوائلنا تبني= ونفعل مثلما فعلوا

من المراجع:

1 – القرآن الكريم.

2 – الجمالي. محمد فاضل: نحو تربية مؤمنة.

3 – الجمالي. محمد فاضل: دعوة إلى الإسلام.

4 – الجمالي. محمد فاضل: نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي.

5 – المودودي. أبو الأعلى: موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه.

6 – عثمان. فتحي: الفكر الإسلامي والتطور.

7 – د. عروة. أحمد(ترجمة عن الفرنسية الدكتور عثمان أمين) الإسلام في مفترق الطرق.

8 – لجنة من الأساتذة (تونسيون): الاجتهاد والتجديد في التشريع الإسلامي.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: مجلة المسلم المعاصر. رجب، شعبان ورمضان 1404 - العدد 39

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين