الحور العين كم يتجنى المتعالمون في تفسيرها

في كل فترة يخرج لنا متحدث يأتي بمعاني في اللغة لا تتفق في دلالتها مع السياق الذي جاءت به في القرآن الكريم ، وهذا يعتبر من التعدي الصارخ على كتاب الله تعالى ، وظلم للحقيقة العلمية وتنكب عن المنهج العلمي .

هناك من أرسل لي مقطع فيديو يقول فيه أحد المتحدثين أن الحور العين تطلق على الرجال والنساء بآن واحد ، ويعتمد في ذلك على أمرين :

1- أن الحور جمع يطلق على الرجل الأحور ، ويطلق على المرأة الحوراء .

2- ويقول أن من العدل أن يكون لكل امرأة حور من الرجال ، كما أن لكل رجل حور من النساء .

#الجواب :

لو أن هذا المتحدث واثق مما يقول لكان ينبغي عليه أن يذكر مرجعه من معاجم اللغة العربية في أصل كلمة (حور ) وجمعها وعلى مَن تُطلق ، وكيف استعملها القرآن الكريم في ضمن سياق محدد والذي جاء في آيات متعددة ، فكلها جاءت في سياق نساء أهل الجنة ، وبموصفات لا تنطبق إلا على الإناث .

نعم في أصل اللغة يقال للرجل أحور وجمعه حور ، ويقال للمرأة حوراء وجمعها حور ، ولكن الاستعمال القرآني كان مقتصرا على إطلاق ( الحور العين ) على نساء أهل الجنة تحديدا دون الرجال .

قال العلامة الفيومي في "المصباح المنير " عند مادة "حور" : ( وَحَوِرَتِ الْعَيْنُ حَوَرًا مِنْ بَابِ تَعِبَ : اشْتَدَّ بَيَاضُ بَيَاضِهَا وَسَوَادُ سَوَادِهَا ، وَيُقَالُ الْحَوَرُ اسْوِدَادُ الْمُقْلَةِ كُلِّهَا كَعُيُونِ الظِّبَاءِ ، قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْإِنْسَانِ حَوَرٌ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ عَلَى التَّشْبِيهِ.

وَفِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ حَوْرَاءُ إلَّا لِلْبَيْضَاءِ مَعَ حَوَرِهَا ) ،

وقال كذلك في مادة "عين" :

( وَامْرَأَةٌ عَيْنَاءُ حَسَنَةُ الْعَيْنَيْنِ وَاسِعَتُهُمَا وَالْجَمْعُ عِينٌ بِالْكَسْرِ ) .

وما قاله مخالف لصريح القرآن الكريم في سياقاته عند ذكر الحور العين ، ومخالف كذلك للأحاديث الشريفة الصحيحة :

1- القرآن الكريم :

الصفات الواردة للحور العين صفات أنثوية من ذلك قوله تعالى : ( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) .

أ- قوله تعالى : ( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ ) مقصورات تدل على لفظ التأنيث ، وكونهنّ مقصورات أي مستترات في الخيام دلالة ثانية على كونهن من الإناث .

ب- قوله تعالى : ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) فالطمث من صفات الأنثى .

قال العلامة الراغب الأصفهاني في كتابه مفردات القرآن الكريم :

( الطَّمْثُ: دم الحيض والافتضاض، والطَّامِثُ: الحائض، وطَمِثَ المرأةَ: إذا افتضَّها. قال تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ [الرحمن/ 56] ، ومنه استعير: ما طَمِثَ هذه الرّوضةَ أحدٌ قبلنا ، أي: ما افتضَّها ) .

وكذلك قوله تعالى : ( كَذَ?لِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) فأفاد قوله ( وزوجناهم ) أن هذا للرجال وليس للنساء ، لأن المرأة التي تزوجت في الدنيا تبقى زوجة في الجنة للرجل الذي تزوجها ، وكما أنها لا تعاشر رجلين في الدنيا بآن واحد فكذلك الحال في الجنة .

2- صرحت الأحاديث النبوية أن الحور هن إناث في صفاتهن : 

أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة , قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض , لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين , يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن ) رواه البخاري ومسلم .

ب- وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما , ولملأت ما بينهما ريحا , ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري .

وقضية العدل غير واردة في قضية الحور العين لأن طبيعة المرأة مفطورة على التعلق بزوجها وتأبى أن يعاشرها غيره حتى ولو كان ذلك في الجنة .

وأما إذا ماتت عزباء أو مطلقة فالله تعالى يهيئ لها في الجنة ما يحقق رغبتها وهذا يدل عليه عموم قوله تعالى : ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) .

والمرأة قد تفضل ما شاء الله من الرجال في الجنة، بحسب درجتها ومنزلتها .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين