حوار مع الأخ الفاضل صلاح الدين الإدلبي حول حديث مقدار عمر السيدة عائشة(2)

جزى الله الدكتور صلاح الدين الإدلبي على ما تفضّل به .

وأحب أن أطمئن الشيخ صلاح أنني لا أنكر تضعيف بعض الروايات التي جاءت في الصحيحين بطريقة علمية ومنهجية ، وفق الطريقة التي قام بها الشيخ في تضعيفه لرواية ("إن أُخِّرَ هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة").

وعندما أعلن اعتراضي على تضعيف ما جاء في الصحيحين إنما تلك الهجمة التي نجدها من العلمانيين والتنويريين على تلك الأحاديث التي لا تروق لعقولهم ، وتتعارض مع اتجاههم الفكري الغربي .

والأحاديث الصحيحة التي صرحت بعمر السيدة عائشة رضي الله عنها هي من هذا القبيل التي تتعارض مع تصوراتهم وعقولهم ، وأساسها شبهات طرحها في بداية الأمر مستشرقون هدفهم الطعن في شخص النبي صلى الله عليه وسلم و في السنة النبوية ، ولم يكتب في الاعتراض عليها إلا من سار على منوالهم .

كنت أرجو من الشيخ صلاح أن ينظر في هذه القضية قبل اتهام السيدة عائشة بالوهم والنسيان : هل كان الزواج في هذا السن متعارفا عليه في البيئة العربية ولدى جميع الأمم في ذلك الوقت ، بل حتى لفترة قريبة من عصرنا ، وهذا الكاتب الانكليزي شكسبير يذكر في إحدى رواياته الأدبية كيف كان ذلك منتشرا

ولي بعض الملاحظات المختصرة على ما تفضل به الشيخ صلاح :

1- يقول عني :

* ـ قال الأخ الفاضل: "هل يليق نسبة الوهَم لها؟!".

ويجيب ، أقول:

إذا حصل لها هذا فعلا فلمَ لا يليق؟، فهذا ليس فيه تهمة انتقاص .

ليس الأمر مجرد اتهام بالوهَم فهذا أمر طبيعي ، وليس فيه أي انتقاص للسيدة عائشة رضي الله عنها ، ولكن القضية تتعلق في ذاتها فهي أدرى بعمرها، وفي مناسبة لا تنساها عادة النساء وتبقى ذكراها عالقة في ذهنها .

وقد ذكرتُ سبب استبعاد الوهم أنه قد ذكر هذا عنها بعدة طرق عن كبار الثقات من الرواة، وفي عدة مناسبات وتتفتخر بذلك ؟؟!!

وقد جاء هذا عن عائشة رضي الله عنها من طرق عدة ، وليس من طريق واحدة فقط :

أ‌- فالطريق المشهورة هي من رواية هشام بن عروة بن الزبير ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، وهي من أصح الروايات ، فعروة بن الزبير من أعرف الناس بعائشة ، لأنها خالته رحمه الله .

ب- وطريق أخرى من رواية الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة عند مسلم (1422) .

ج- وطريق أخرى من رواية الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : ( تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست ، وبنى بها وهي بنت تسع ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ) رواه مسلم (1422)

د- وطريق أخرى عن محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي الله عنها. رواه أبو داود (4937) .

2- يقول الشيخ صلاح :

( فأنت ترى أن الذهبي العالم المؤرخ يذكر الروايات المختلفة وكأنه متردد في الترجيح بينها، ولم يقف عندها طويلا للجمع والمقارنة والترجيح. )

أستغرب نسبة التردد للحافظ الذهبي رحمه الله ولو على سبيل الاحتمال لمجرد أنه سرد الروايات الواردة في الفارق العمري بين السيدة عائشة والسيدة أسماء ، مع أنه قد جزم وقطع عند ترجمة السيدة عائشة أن عمرها عند زواجها كان تسع سنوات دون أن يذكر خلافا على الإطلاق ، وكذلك فعل عن مقارنة عمرها بعمر السيدة فاطمة رضي الله عنها

قال في كتاب "سير أعلام النبلاء"، 136/2 

: ( وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ. وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - 

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ ) ا.هـ.

وقال كذلك 140/2: ( وَعَائِشَةُ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ، وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ فَاطِمَةَ بِثَمَانِي سِنِيْنَ، وَكَانَتْ تَقُوْلُ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِيْنَانِ الدِّيْنَ. وَذَكَرَتْ أَنَّهَا لَحِقَتْ بِمَكَّةَ سَائِسَ الفِيْلِ شَيْخاً أَعْمَى يَسْتَعْطِي ) ا.هـ.

وقال 150/2 : (تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَفَّى خَدِيْجَةَ، وَأَنَا ابْنَةُ سِتٍّ، وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ، جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوْحَةٍ، وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ، فَهَيَّأْنَنِي، وَصَنَعْنَنِي، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قَالَ عُرْوَةُ: فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِيْنَ.

وَأَخْرَجَ: البُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ: أَنَّ خَدِيْجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِثَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيْباً مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِيْنَ ) ا.هـ.

3- يعتمد الشيخ صلاح على قرائن تحتمل احتمالات متعددة ، ويتغاضى عن دراسة أسانيد تلك الروايات التي جاءت فيها تلك القرائن والاحتمالات ، وكان بالإمكان ابتداء عدم الالتفات لهذه القرائن لأنها روايات منقطعة ، وبالتالي فهي ضعيفة .

ولكننا نجده في القرائن الصريحة القاطعة بصغر سنها نجده يبحث في سندها ويدقق في أحوال رواتها كما فعل في رواية أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بناتٍ لعائشة لعبٍ......)، فيضعف الرواية لأن في السند يحيى بن أيوب الغافقي المصري، مع أنه يمكن أن يكون الحديث في درجة الحسن .

4- رواية الإمام أحمد روى الإمام أحمد في مسنده : حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو سلمة ويحيى قالا : لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم ...) فهي وإن كانت مرسلة ، وإن كانت كذلك في مسند السيدة عائشة ، ولكن عند متابعة سرد تفاصيلها نجد أن التصريح بعمر السيدة عائشة رضي الله عنها عند خطبتها وأنها بنت ست سنين لم يكن على لسان عائشة على الإطلاق ، وهذا هو النص الذي جاء في تلك الرواية : ( قال أبو بكر للمطعم بن عدى أقول هذه تقول إنها تقول ذلك فخرج من عنده وقد أذهب الله عز و جل ما كان في نفسه من عدته التي وعده فرجع فقال لخولة أدعي لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعته فزوجها إياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين ) .

ينظر : مقال الدكتور صلاح الدين الإدلبي 

 حوار (2) حول مقدار عمر السيدة عائشة رضي الله عنها

 د, صلاح الدين الإدلبي

https://islamsyria.com/site/show_articles/10719

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين