الزيت والماء

 

- جمعني مع بعض الأخوة مجلس تحدثنا فيه عن" علو الهمة في العبادة وطلب العلم" ، فتأثر بعض الحاضرين ، وعزم في نفسه على لزوم تغيير طريقته في الحياة ، والمثابرة على العبادة وطلب العلم .

ثم رأيته بعد مدة وقد عاد إلى سيرته الأولى ! 

فقلت: أين ذهب عزمك ؟ 

قال : خرجت من المجلس وأنا عازم على سلوك الطريق إلى الله ، فلما وصلت بيتي خرج مني عزمي على باب بيتي وما عاد !

- ولي صديق واعدني عشرات المرات على مواصلة مراجعة القرآن والدراسة الجادة ، ثم لا يلبث بعد مجلس أو مجلسين- وربما أكثر قليلا - إلا وقد فتر عزمه ، وخارت قواه .

هذان مثالان من بين عشرات الأمثلة التي تحكي واقع كثير من الناس الذين يتمنون شيئا كبيرا ثم يفتر عزمهم .

وسر ذلك- والله أعلم - أن المنازل الكبيرة قد جعل الله سبحانه بين العبد وبينها حجبا كثيرة ، وعقبات عظيمة ، فلا يتأتى لأحد الوصول إليها ، واقتحام لجتها إلا بعد جهد جهيد ، ومكابدة وصبر ، وقوة عزيمة .

قال أبو الطيب:

إذا عظم المطلوب قل المساعد .

- والناس في سلوكهم متفاوتون: 

فمنهم من ينقطع في منتصف الطريق ،

ومنهم من ينقطع في أوائله ،

ومنهم من لا يعرف إلا الأماني ،

وربما تعلل بقول "الحماسي" :

منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى 

وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا

- فيامريد الشرف،

ابذل واسع وجد واجتهد ،

فمن يتهيب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر .

ولولا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والإقدام قتال .

ومن أراد منازل السادة =ترك الوسادة .

ولما وضع الزيت في إناء ، ثم وضع فوقه الماء ، أبى الزيت إلا الصعود فوق الماء .

فقال الماء (مستنكرا ) :

كيف تصعد فوقي وأنا أنبت شجرتك !؟

فقال الزيت (مفتخرا) : اسكت أيها الماء ،فأنت إنما تمشي في رَضْراض الأنهار على طلب السلامة ، وأما أنا فصبرت على العصر ، وبالصبر يرتفع القدر .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين