خطوة نحو المستقبل

إن الجيل المسلم قد أحسن الدخول في مرحلة الصحوة الشاملة، ولكنه إلى الآن لم يحسن الخروج منها والانتقال إلى مرحلة الرشد والبناء وجني الثمار بسبب العديد من المعوقات الداخلية والخارجية.

إن الضمير الإنساني اليوم بحاجة إلى الاسترواح والثقة والاطمئنان، تماما كحاجة العقل البشري إلى الطاقة والحرية والنشاط.

إن مجتمعنا اليوم بحاجة كبيرة إلى الاستقرار والتوازن والسلام والتطور من خلال توفير المناخ الحر للأفراد والمؤسسات ليدلوا بدلوهم في خدمة الأسرة الإنسانية والسعي نحو سعادتها، من هنا ندرك ضخامة الجريمة التي يرتكبها الحكام الذين يحاولون الاستمرار في استبدادهم بغلق باب الحرية، ومنع الناس من العمل خارج إرادتهم ومشاريعهم الشخصية التي تكرس الجهل والتخلف والخوف والفتنة بين كل أطياف المجتمع الإنساني.

إن الشعور بالمشاكل الإنسانية مسألة أكبر من رفع الشعارات البراقة التي غدت واجهة مزخرفة، تختبئ خلفها قوى الاستعمار التي فقدت شعورها الإنساني في مستنقع الجشع والكراهية في سعيها المحموم للسيطرة على موارد الشعوب الضعيفة وقتل القيم الإنسانية فيها... إن الشعور بالمعاناة الإنسانية معناه الخروج من دائرة القومية والعنصرية والمصالح الشخصية وهذا ما لم يحاوله المستعمرون وأتباعهم يوما.

إن النظام الإسلامي ليس هو الرق أو العبودية، وليس هو الاقطاع ولا الرأسمالية، كما أنه لا يشبه ولا بشكل من الأشكال الاشتراكية أو الشيوعية... النظام الإسلامي هو فقط النظام الإسلامي بخصائصه الفريدة والغنية بالتشريعات السامية التي تحفظ للإنسان حقوقه وكرامته... ولذلك فإن هذا النظام غير قابل للترقيع، وغير قابل لأن تستعير له قطع غيار من أي نظام وضعي، ومع استقلالية النظام الإسلامي فإنه لا يحرم أبدا الانتفاع بالتجارب البشرية والاستفادة منها.

وكما نعلم إن لوسائل الإعلام دورًا كبيرا في اجتذاب النفوس وصياغة الأفكار، ونحن في معركتنا الثقافية بأمس الحاجة إلى إعلام حِرَفِيٍّ متميز يدافع عن الحق ويهدم أصول الباطل... وليس معقولا أن نسمع للباطل طنينا لا ينتهي، وللحق أنينا لا ينقطع، ونحن نملك إعلاما يقوم على القرآن المعجز البيان، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم.

لقد غدا الإعلام اليوم سلاحا فتاكا يفوق الكثير من أسلحة البر والبحر، فما بال أمتنا تستهين به وتزهد في استخدامه في معركة الحق والباطل التي لن تقف حتى قيام الساعة.

إننا نكتب خطابنا اليوم بدمائنا لا بدموعنا، ونخوض أشرس معارك الحرية والعزة والكرامة مع الاستبداد وقوى الاستكبار العالمي المحتلة لأرضنا، والمتسلطة على خيرات بلداننا.

وإن القضية السورية كانت قضية أساسية لأجل نيل الحرية، واسترداد الحقوق الضائعة، ولكنها تحولت إلى حرب مذهبية ودينية ضد شعبنا من قبل الصفويين وأشباههم ومن خلفهم من القوى الاستعمارية، ولم يلجأ شعبنا إلى السلاح إلا للدفاع عن نفسه وعرضه وحقه في الحياة، ولكن النظام الطائفي في سوريا لعب مع حلفائه - أعداء الإنسانية - على وتر الإرهاب وقاموا بصنع دمى لذلك، وجروا بلادنا إلى حرب كارثية لا تبقي ولا تذر.

إن المسار السياسي للقضية السورية ما زال عبثيا ومضيعة للوقت، ولكننا في معركة لا بد منها، فالثورة السورية تحولت إلى أزمة دولية لا يقرر فيها السوريون بل يكتفون بدفع فواتيرها من دمائهم وبيوتهم ووطنهم ومستقبلهم... ومع هذا فإننا صابرون على مشقة الطريق الذي تتساقط على جنباته كل المشاريع الهدامة، وإننا ماضون في طريقنا حتى تحقيق النصر بإذن الله، وملتزمون بمبادئ الثورة في مدارسنا ومؤسساتنا وجامعاتنا لا نفرط في ذلك أبدا.

ولعل ما جرى من تخاذل العالم؛ بل وتآمره علينا يكون دافعا لنا لمزيد من التلاحم ورص الصفوف... وستبقى حمص وحلب وإدلب وداريا والغوطة ودرعا وغيرها للشموخ موئلا وللرجولة منبتا وللمجد دارا وللإسلام حصنا وللحرية عمادا وللشهامة تاجا.

إن ما يجري في منطقتنا الإسلامية اليوم من حروب هو صراع على الهوية وعلى العقيدة، والتاريخ يشهد أن أمتنا لم تستسلم يوما ما، ولن تستسلم في المستقبل.

وإن من أعظم الناس أجرا اليوم من يعمل لتحويل الصياح والعويل إلى طاقة عمل {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

إن بعض المنهزمين في مجتمعنا يشيع أخبار السقوط والهزيمة ولا يكف عن جلد الذات وهذا الأمر مخالف لسنن الله في الحياة وتوجيهه لنا... فقضية أن نبتلى ونحزن ونشكوا آلامنا فهذا طبع إنساني مشروع، ولكن أن يتحول ذلك إلى نواح ويأس وجلد للذات وقنوط فهو المأساة! ومهما خيم الليل علينا وطال ظلامه فلا بد لكل واحد منا أن يخرج قنديله ليضيء الطريق...

وعلى حكمائنا ومفكرينا المخلصين في هذه الآونة العصيبة أن يقوموا بدراسات جادة على كافة الصعد والميادين لدراسة أسباب الأزمات التي حلت بنا، ووضع الحلول لها ضمن مبادرات حكيمة تتجاوز الحزبيات والمناطقيات والعصبيات، مستشعرين بذلك عظم الأمانة الملقاة على كواهلهم كأفراد من هذه الأمة، ليس لأحدهم فضل على سائر أفرادها إلا بمقدار ما يقدم من خدمة لعباد الله.

إن الحرب النفسية كانت وما زالت أخطر سلاح يستخدمه أعداؤنا خلال السنوات الماضية، ومع الأسف فإن بعض المثقفين من أبناء هذه الأمة قد ساهموا بشكل أو بآخر في تثبيط الهمم وقتل المشاعر من خلال نظرتهم السوداوية للحياة ويأسهم من الإصلاح.

لقد قال يعقوب لبنيه {لا تيأسوا من روح الله} وقال شعيب لموسى {لا تخف} وقال محمد لصاحبه {لا تحزن}، ونحن كمسلمين علينا ألا نحزن ولا نيأس ولا نخاف، وإلى تدفعنا المصائب إلى ترك ما نيط بنا من تكاليف وواجبات... ففي اللحظات الحرجة يأتي النصر كاملا حاسما، وتلك هي سنة الله في الصراع بين الحق والباطل، وبين المظلومين والظالمين... قال ربنا سبحانه وتعالى {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}

افتتاحية العدد الأول من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري مع تصرف يسير

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين