في الحديث مع الله

 

للحديث مع الله عن كل ما أهمك طعم جديد واحساس بالصلة ولذة بالدعاء كبيرة جدا أكثر من أي وقت آخر نبوح فيه لأي صديق أو حبيب، لأنه لا أحد في هذه الأرض يحبنا أو ينصفنا ويهدينا إلى الصواب إلا هو سبحانه، فعلام نهرع إلى غيره والأمر إليه من قبل ومن بعد، فهو من أرسل إلينا الضائقة وهو من بيده حلها، فلم إطالة المدة واللجوء إلى غيره ثم العودة إليه عندما تغلق الأبواب؟ ولا بد من أن تغلق يوما لأن الدنيا جبلت على المكاره، ولماذا لا نهرع إليه مباشرة قبل الشعور بالوحدة وتكالب الكربات أهي قلة ثقة به سبحانه أم ارادة الراحة السريعة بعد الكلام إلى من يستمع إلينا من البشر؟

والسؤال الأهم هل يوجد من يستمع إلينا فعلا ويعلم بالحقيقة الخالصة التي لا غبار فيها ولا بهارات عليها أم أننا نبحث عن مجهول؟ في الحقيقة لا يوجد على ظهر هذه الأرض من يستمع إلينا مثله سبحانه أو يعلم الذي يعلمه الله عنا, ولا وجود لمن يعطينا الحل الناجح والذي يليق بكل إنسان وواقعه ومستوى تفكيره.

لو تأملنا في واقع الكثيرين لوجدنا أن سبب قلة الحديث مع الله قد لا تكون لقلة الثقة به سبحانه لأن ذلك يعتبر من الشرك ويحول بين المرء والإيمان السليم لكن ربما يريد المتكلم لمن حوله توزيع همومه وتخفيفها من خلال المشاركة واحساس الغير به وكأنه الوحيد على هذا الكوكب من اختارته النوازل فائزا بها وتركت الجميع سعداء خالصين من كل شائبة أو نائبة وهذا من المحال في هذه الدنيا فلكل إنسان قسمته من الضيق والفرج ولكل انسان ورقة امتحانه التي تختلف عن البقية ولكن حل الأسئلة يختلف من شخص لآخر والسعيد حقا من وفق لحلها بطلب العون من الله واللجوء إليه عند تعسر الفهم وصعوبة الجواب.

فحال الغالبية من الناس أن تضيق بهم الحياة فيلجؤون إلى من ينصفهم أو يحبهم من الأصدقاء والمقربين وربما احتاج الأمر إلى مراحل من الشرح والايضاح ولربما وقع المتكلم في المحظور من غيبة وأوغر صدره وصدر السامع وأثقل نفسه باللوم بسبب الخوف على سره من أن يفشى أو ربما اختار الشخص الخطأ بينما مع الله لن تضطر إلى كل هذا فبمجرد أن ترفع يديك بالدعاء وقبل أن تتكلم بكلمة هو يعلم كل شيء فكيف إذا تكلمت معه كلام الذي ليس له ملجأ سواه فهنا يغدو الذل بين يديه عزا والبكاء على عتبات جوده سعادة والالحاح عليه رضا منه فأنت تعلم أنه سبحانه لا يحتاج منك تفاصيل كثيرة ربما عييت عن شرحها لغيره بل فقط لحظة عودة إلى حياضه واستجلاب للخير منه وستجد أن الفضفضة بكل معانيها قد تحصلت عليها.

الله تعالى عند الحديث معه سيظن البعض أنك اخترت الطريق الأصعب لتفريغ ما أهمك لأنك ستنتظر طويلا وتلح كثيرا إلى أن يستجيب لك لكن مجرد شعور الارتياح المصاحب للكلام معه سيبعدك عن هموم الدنيا بل سيوسع آفاقك إلى ما بعدها لتدرك حقيقتها فتزهد بها وتطمح إلى الجنة التي لا صخب فيها ولا نصب وربما لحكمته اختار لك ذلك الذي أهمك ليسمع صوتك ويردك إليه ردا جميلا.

في الحديث الطويل مع الله لا يوجد ملل من التكرار ولا احساس بالعجز عن ايجاد الطريق السليم للحل بل راحة فورية وسكينة وعبادة لذلك كان في القرآن تخصيص دعاء المضطر لأن تلك الحرقة التي في قلب الداعي ستنقلب إلى متعة وتلك الدموع ستنقلب إلى سعة وفرحة.

والأجمل من كل هذا أن في ادمان هذه العبادة فرجا كبيرا لأي ضيق وترويحا عن النفس بترفعها عن ماديات الحياة وردها إلى منبعها الأصيل ففي الروح جوع إلى السماء لاستقبال نفحات الله وتلمس رضاه وكما قال بعض الصالحين: "كل شِدة ولها إلى الله شَدة"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين