نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة (2)

 

توحيد الربوبية والإلهية -2-

هذه مقالات من كتاب: " نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة" لفضيلة الدكتور الشيخ صلاح الدين بن أحمد بن محمد سعيد الإدلبي، وهو المطبوع سابقا بعنوا ن "نواقض الإسلام في ميزان الكتاب والسنة"، ننشرها تباعا في موقعنا لتحصين الشباب من آفات الغلو والوقوع في هوة التكفير للمؤمنين الموحدين.

* ـ توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية: 

توحيد الربوبية يقتضي الإيمان بأن الله جل وعلا هو الخالق الرازق المعطي المانع الضار النافع مالك الملك ونحو ذلك، وتوحيد الإلهية يقتضي الإيمان بأن الله تعالى هو وحده المستحق للعبادة، فهو المعبود بحق دون سواه، ولا معبود بحق إلا هو، فمن لم يحقق في قلبه توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية فهو مشرك، لا أعلم في هذه الأصول خلافا بين المؤمنين. 

وهذه أقوال بعض العلماء الذين بينوا توحيد الإلهية: 

يظن بعض الناس ـ لقلة اطلاعهم ـ أن أكثر علماء الأمة بعد القرون الثلاثة المفضلة كانوا يعرفون توحيد الربوبية فحسب، وأنهم كانوا غافلين عن توحيد الإلهية، وهذا غير صحيح: 

قال الإمام أبو منصور محمد بن محمد بن محمود المَاتُرِيدي المتوفى سنة 333 إمام المذهب المَاتُرِيدي في كتابه تأويلات أهل السنة: "قوله عز وجل {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} قد ذكرنا أن الرسل إنما جاؤوا وبُعثوا بالدعاء إلى توحيد الله والعبادة له وأنْ لا معبود يستحق العبادة سواه". 

وقال في تفسير قوله عز وجل {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}: "الإله في اللغة هو المعبود، كأنه يقول ـ والله أعلم ـ إنكم تعلمون أن الله تعالى هو المعبود في السماء وهو المعبود في الأرض". 

وقال في تفسير قوله عز وجل {ربِّ السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين، لا إله إلا هو}: "ثم نعت الربَّ فقال {لا إله إلا هو}، فكأنه يقول لا معبود يستحق العبادة سواه، لأن الإله هو المعبود ـ عند العرب ـ، يقول: لا تستحق الأشياءُ التي يعبدون: العبادةَ، إنما المستحق لها هو الذي لا إله غيره". 

وقال الإمام أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني الأشعري المتوفى سنة ثلاث وأربعمئة في كتاب الإنصاف: "يجب أن يُعلم أن صانع العالم جلت قدرته واحد أحد، ومعنى ذلك أنه ليس معه إله سواه، ولا من يستحق العبادة إلا إياه". [الإنصاف: ص 9]. 

وقال الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي الأشعري المتوفى سنة ست وستمئة في تفسيره الكبير المسمى مفاتيحَ الغيب: "قوله تعالى {إيّـاك نعبد} يدل على أنه لا معبود إلا الله، ومتى كان الأمر كذلك ثبَت أنه لا إله إلا الله، فقوله {إيّـاك نعبد وإيّـاك نستعين} يدل على التوحيد المحض". [1/ 210]. 

وقال: "قوله تعالى {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي سبحانه عن أن يكون له شريك في الأمر والتكليف، وأن يكون له شريك في كونه مسجودا له ومعبودا، وأن يكون له شريك في وجوب نهاية التعظيم والإجلال". [16/ 31]. 

وقال: "لا معنى للشرك إلا أن يتخذ الإنسان مع الله معبودا". [16/ 28]. 

وقال الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 في كتاب العقائد: "الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية، ولا يستحق العبودية إلا من اتصف بجميع ما ذكرناه". قم قال: "ولا يستحق الإلهية إلا من اتصف بجميع ما قررناه". [انظر: طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي: 8/ 221]. 

وقال الإمام يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمئة في كتاب المقاصد: "أفضل الأذكار بعد القرآن لا إله إلا الله، ومعناها: لا معبود بحق في الوجود إلا الله". 

وقال الشيخ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية المتوفى سنة 728 في كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: "المسلمون قالوا {ألا له الخلق والأمر}، فكما لا يخلق غيرُه لا يأمر غيرُه، هو المعبود المطاع الذي لا يستحق العبادة إلا هو". [4/ 72]. 

وقال في كتاب الرد على المنطقيين وهو يتحدث عن العارف بالله: "لا يشهدُ لمخلوق شيئا من الإلهية، فيشهد أنه لا خالق غيره، ويشهد أنه لا يستحق العبادة غيره، ويتحقق بحقيقة قوله تعالى {إياك نعبد وإياك نستعين}". [ص 520]. 

وقال الشيخ محمد بن يوسف بن عمر التلمساني السنوسي المتوفى سنة 895 في شرح أم البراهين: "حقيقة الإله هو الواجب الوجود المستحق للعبادة، والمعنى على هذا: لا مستحِق للعبودية له في الوجود إلا الفرد الذي هو خالق العالم جلَّ وعلا، لأنه لا يستحق أن يُعبد ـ أي يذِل له كل شيء ـ إلا من كان مستغنيا عن كل ما سواه ومفتقرا إليه كل ما عداه". 

وقال في شرح المقدمات: "أنواع الشرك ستة: شرك استقلال، وهو إثبات إلهين مستقلين، كشرك المجوس، وشرك تبعيض، وهو تركيب إله من آلهة، كشرك النصارى، وشرك تقريب، وهو عبادة غير الله تعالى ليقرب إلى الله تعالى زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية". ثم ذكر بقية الأنواع. 

وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الباجوري المتوفى سنة 1276 في حاشيته على متن السنوسية: "معنى الإله: المعبود بحق، وإذا كان معنى الإله ما ذكِر كان معنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله". 

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين