حين يغدو الخلل ظاهرة اجتماعية

في حياتنا، نحن المسلمين اليوم، أخطاء وانحرافات كثيرة، لا يرضى عنها ديننا العظيم. منها ما هو تصرفات عابرة، صغيرة أو كبيرة، ومنها ما أصبح ظاهرة اجتماعية نشكو منها ونتذمّر، ولكنْ لا يجدي في علاجها شكوانا وتذمّرنا.

نشكو من طبيب جعل مهنته العظيمة وسيلة لكسب المال، من غني أو فقير، من غير أن يخلص في جلب الشفاء لمرضاه.

ونشكو من المدارس الخاصة والجامعات الخاصة التي تبالغ في طلب الأقساط العالية من طلابها، فترهق جيوب أهليهم.

ونشكو من سائق السيارة الذي يقودها كالمجنون، ويكاد يتسبّب بدهس بعض المارّة، أو يصدم سيارة بجواره.

ونشكو من صنّاع بعض الأغذية، لا يبالون إن كانت أغذيتهم صالحة للبشر، أو ضارة بصحّتهم.

ونشكو من تفشّي الكذب والتملّق وإخلاف الوعود وانتشار الخيانة والغيبة والنميمة والعقوق والغش والخداع و"المحسوبية" وأكل أموال الناس بالباطل، ونشر أسباب الفرقة والخلاف، ونضوب القلوب من الرحمة والتواضع والحب...

ونشكو، ونشكو، ونشكو... ثم ماذا؟

لا يخلو مجلس من مجالسنا من حديث حول ظاهرة من هذه الظواهر وأمثالها. وينفضّ المجلس، أو يتحوّل الحديث، ولا نكون قد تجاوزنا الأسف والتوجّع والتفجّع مما يجري.

وقد يكون العلاج الحاسم بأن تقوم الحكومات بواجبها في نشر الثقافة الصحيحة، عبر الكتب المدرسية ووسائل الإعلام، وتعرية الباطل، ثم إيقاع العقوبة الزاجرة على مَن يتسبّب بواحدة من هذه المفاسد.

ولكن، سواء أكان للحكومات عذر في تقصيرها أم لم يكن لها عذر، فهل نعفي أنفسنا من العلاج، ونكتفي بالتأوّه والتشكّي؟

لقد ذكر لنا القرآن قوماً شاع فيهم الاعتداء في السبت، فقامت فئة تنهى المعتدين، وقامت فئة تثبّط وتقول: ما جدوى هذا النهي؟. فكان أن أهلكَ الله المعتدين، وأنجى الذي ينهَوْن عن السوء: (وإذْ قالت أمّةٌ منهم: لِمَ تعِظونَ قوماً اللهُ مُهْلِكُهم أو معذّبهم عذاباً شديداً؟ قالوا: معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون. فلمّا نسُوا ما ذُكّروا به أنجينا الذين ينهَون عن السوء، وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسُقون). {سورة الأعراف: 164، 165}.

وضرب لنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم مثلاً بالقوم أصحاب السفينة الذين أصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها... وبيّن لنا أهمية المبادرة في قطع دابر الفساد: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثلِ قوم استهمُوا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفَلَها. وكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مرّوا على مَن فوقهم فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجوا جميعاً". رواه البخاري.

إن أي واحد منّا قد يكون جزءاً في إحداث ظاهرة من ظواهر الفساد، أو في السكوت عليها، وترك الإنكار على أهلها، فليتفقّدْ كل منا نفسه، وليتجاوَز منطق التأسف والتشكي، وليعملْ على معالجة ظواهر الخلل والفساد، وهذه خطوات المعالجة:

الأولى: أن يراقب أحدنا سلوكه هو، ويعلمَ أن عليه من الله رقيباً، فينزجر عن الفساد ولو رأى الناس جميعاً يقعون فيه. ولا عليه بعدئذ أن يسخر منه الساخرون وهم يرونه يتمسك "بالمثاليات".

وإن كثيراً ممن يقعون في مفسدة يحتجّون بشيوع هذه المفسدة، فإذا حجز أحدنا نفسه عن الوقوع فيها فقد أضعفَ مِن حجج مَن يحتجّون بشيوعها.

والثانية: أن يدعو إلى الفكر الصحيح والسلوك الصحيح فيما حوله: في بيته ومكان عمله وبين أصحابه... وفي كتاباته في وسائل النشر الورقية والالكترونية وغيرها.

والثالثة: أن يسأل الله الهداية لنفسه وأهله وللمجتمع كله. فهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.

ولعلّ كلّاً منا، إذا فعل هذا، فقد حاصر تلك الظواهر السلبية وحوّلها إلى حوادث فردية، وأعان من يحب الإصلاح من أئمة المسلمين وعامتهم، على إقامة الحق وتعزيز الصواب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين