رحمته للعالمين في مجال الأخلاق (5)

 

المبحث الخامس: سماحته في المعاملات المالية

من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم، سماحته وسهولته في المعاملات المالية، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنات، و تجنب إرهاق الناس بالمطالبة أو المماطلة..وكان يحث على إنظار المعسر والرفق به، والتساهل في المعاوضات المالية، والمشاركة في سداد الديون عن المدينين، والكرم والعطاء بين المتعاقدين. 

المطلب الأول: حثه على السماحة في المعاملات المالية: 

أولاً: في البيع والشراء والقضاء: 

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا [98] إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) [99].. 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى) [100]. 

وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) [101]. 

ثانيًا: التيسير على المعسر: 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: (كان الرجلُ يُداينُ الناس، فكان يقولُ لفتاهُ: إذا أتيتَ مُعسِراً فتجاوَز عنه، لعلَّ اللهَ أن يَتجاوَز عنا.. فلَقِيَ اللهَ فَتجاوَزَ عنه) [102]. 

المطلب الثاني: نماذج سماحته في المعاملات المالية: 

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَعْرَابِ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ - وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ الْعَجْوَةُ - فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِهِ وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.. 

فَقَالَ: (لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا - أَوْ جَزَائِرَ- بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخْرَةِ، فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ !).. 

فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَا غَدْرَاهُ !! 

قَالَتْ: فَنَهَمَهُ النَّاسُ. وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! 

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا). 

ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللَّه.. إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ).. 

فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَا غَدْرَاهُ.. ! فَنَهَمَهُ النَّاسُ وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ..؟ ! 

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا).. فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. 

فَلَمَّا رَآهُ لَا يَفْقَهُ عَنْهُ؛ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: (اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقُلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكِ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ؛ فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ).. 

فَذَهَبَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ فَقَالَ: قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ. 

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلرَّجُلِ: (اذْهَبْ بِهِ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ). 

فَذَهَبَ بِهِ فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ.. 

قَالَتْ عائشة: فَمَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ. 

قَالَتْ عائشة: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ) [103]. 

الحواشي:

[98] كريماً متساهلاً يوافق على ما طُلب منه. 

[99] أي إذا طلب حقه 

[100] رواه البخاري في البيوع، بَاب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ رقم 1934 

[101] رواه البخاري 1937 

[102] متفق عليه. 

[103] رواه أحمد، برقم 25108، وعبد الرزاق، برقم 15358.

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين