الاخـتـلاف والخــلاف... وتطــور المـجتمـعـات

الفروق بين الأفراد ظاهرة طبيعية، والتنوع في المجتمعات سنة قدرية، وصيغ التفاعل والعلاقات بين فئات المجتمع المختلفة متعددة، ونتائج عمليات التفاعل واتجاهات الاختلاف وتأثيراتها على المجتمع متباينة، قد تقوي المجتمع وتصلح حاله، أو تضعف تماسكه وتفسد واقعه.

ويمكن أن نذكر ثلاثة مظاهر، قد تعتبر معايير تميز المجتمع القوي، المتحضر، في تعامله مع ظواهر الخلاف والاختلاف بين أفراده وفئاته المتعددة.

1. أن يكون الخلاف حول موضوع يستحق الخلاف، ويتعلق بهوية المجتمع، أو نظامه القيمي، أو تقريره لمصيره.

2. أن يتعامل المجتمع مع موضوع الخلاف بطريقة تحفظ الحق، وتحمي الحقوق، وتمنع الظلم، وتقلل الخسائر، وجماع ذلك أن يبقى معيار (النصح للأمة) هو المحفوظ باطنًا، والملاحظ ظاهرًا، فيما يجري داخل المجتمع من حوارات، أو نزاعات ...، وبذلك تكون التفاعلات بين مختلف الاتجاهات والفئات، تكون هذه التفاعلات خطوات في سبيل تمكين المجتمع وتطويره.

3. أن يوجد في المجتمع ما يقيه ويقويه في مواجهة حالات الحراك العاصف، والنزاع الشديد، بحيث لا يتحول هذا النزاع إلى غطاء لصعود أصحاب الأهواء والمصالح الضيقة، ويتضمن هذا المعيار أن يكون بناء المجتمع داعماً لظهور القادة المؤهلين، وأن تكون آليات الرقابة والنقد فاعلة في ردع المفسدين.

إن أكثر حالات الحروب الداخلية والنزاعات الأهلية، تتفاقم وتظهر آثارها المدمرة بوجود قيادات متنفذة، تقصر في دور الإصلاح خوفًا على مكاسب شخصية، أو تسعى في فعل الإفساد، بغيًا وطغيانًا وحسدًا وعداوة لفئات أخرى.

ومع الإقرار بمعايير التعامل الحضاري مع الخلاف، لابد أن نذكر أن كثيرًا من حالات النزاع - أو أكثر حالات النزاع – لا تكون في حقيقتها كما تبدو في ظاهرها، خاصة في مراحل احتدام النزاع ورفع المتنازعين لشعارات جذابة بهدف الحشد والاستقطاب، فالخلاف الذي يبدو خلافاً حول إقرار بعض القيم، قد يكون فقط خلافاً حول تثبيت بعض الأشخاص، والخلاف المتعلق بالموقف من مواقف تاريخية ماضية، قد يعني اختلافًا حول توجهات مستقبلية، والخلاف حول بعض الخطوات العملية الواقعية قد نرتب عليه قرارات حول قيم المجتمع وهويته الثقافية ووجهته الحضارية...

لكن، ومع صعوبة بناء المواقف في أوقات الصراع والفتن، يبقى من علامات تخلف المجتمعات أنها تتصارع لخدمة غيرها، وأنها تعيش في اختلافاتها دوامات طويلة من صراع إلى آخر، وأنها تفتقد آليات حماية نفسها من الفاسدين المفسدين.

وصدق الله العظيم القائل: {وَمَا كَانَ رَ بُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى? بِظٌلْمٍ وَأَهْلٌهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]، وصدق نبيه الكريم القائل: "الدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" أخرجه مسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين