نظرات في الردود على كتابي:

كنا نشرنا كتاب " الميزان" في عدة مقالات؛ ليتسنى لأكثر المتابعين قراءته، ويسهل عليهم متابعته واستيعابه، كما نشرناه كاملا في قسم البحوث والدراسات على الرابط التالي :

http://islamsyria.com/site/show_library/1031%20

وقد اعترض بعض الإخوة على بعض مما جاء في هذه الدراسة، وأرسلنا هذه الانتقادات إلى فضيلة الشيخ محمد أمين الحامد، وأجاب عن بعضها، ثم أرسل لنا هذا الجواب. وننشره أداء للأمانة العلمية 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

فضيلة الشيخ مجد مكي حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،وبعد:

فأريد أن ألفت نظركم رعاكم الله تعالى ، إلى ما لاحظته في بعض مقالات المعترضين ، وكأنهم لم يفهموا قراءة البحث بشكل صحيح ، حتى توصلت أخيراً إلى السبب الذي يفسر ذلك وهو أنهم لم يطلعوا على أصل البحث ، فلو كانوا قد اطلعوا عليه بحسب كتابته الأصلية ، لما كان ردهم بهذا الشكل ، أي إن ردودهم إنما كانت على هذا الذي تعرضه من مقتطفات .

فالذي أرجوه أن تبعث برسالة لكل من يعترض في المرة الأولى ، تطلب منه أن يعود إلى أصل البحث ويقرأه جميعا ، وأن لا يكتفي من قراءة ما تعرضه من مقتطفات ، لأن هذه المقتطفات مختصرة وليس المقصود منها إلا التشويق والإثارة ، ولذلك غالباً ما يكون فيها عرض لأفكار جديدة أو غريبة من أجل أن تدفع أصحاب الهمم إلى دراسة ذلك البحث ، دراسة مستفيضة ومتأنية ، ينتج عنها فكر جديد معدل ، لعله يكون فيه تطوير أو فائدة عظيمة بإذن الله.

فإن واجب الأمانة والمسؤولية أن لا يحكم الإنسان جزافاً على أي مسألة، وأن لا يعطي رأيه كذلك إلا بعد استقصاء البحث من جميع جوانبه، وإلا وقع في سقطات واضطر إلى التراجع أو الاعتذار ، وهذا هو شأن المتسرِّعين دائماً ، الذين لا يحرصون على أداء الأمانة الشرعية في الرأي أو النصح بحسب ما يفرضه الشرع ويحاسب عليه .

يضاف إلى ذلك أن دراسة أصل البحث، فيه فائدة عظيمة لمن يريد الاعتراض عليه ، فقد يتوسع الاعتراض، ويصبح شاملاً وأكثر موضوعية ، وقد ينتهى الاعتراض من أساسه ، عندما يجد القارئ جواباً على اعتراضه مكتوباً في أصل البحث. 

إنَّ حق الرد على ما يراه العالم خطأ أو باطلاً ، هو من الواجبات الشرعية المفروضة على أهل العلم ، لأن هذا من العهد الذي أخذه الله تعالى عليهم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه ، ولكن هذا الواجب ليس مشاعاً لكل من هبّ ودبّ ، بل هو لمن كان أهلاً لذلك ، وهذا يعني أنه ساقط عمن لم يحسن الكتابة في اللغة العربية ، وأقصد باللغة العربية أنه لا يجيد صياغة أفكاره بتعبير واضح مفهوم ، مهما كان بسيطا ومتواضعاً ، ولا أقصد أن يكون متمكناً من الأساليب الفصيحة البليغة الراقية ، بل يكفيه أن يكون قادراً على إيصال الفكرة التي يريدها ، واضحة سليمة يفهمها كل من يقرأها كما أرادها كاتبها.

أما إذا كان هذا الإنسان لا يجيد هذا الحد الأدنى من الكتابة ، فهو عندما يكتب يفهم منه كل إنسان فهماً مختلفاً عن غيره ، فأخبروه أن الله تعالى عاذر له من هذا التكليف ، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها ، فهو ليس من أهل هذا التكليف . 

لكن التساؤل العميق المزعج هو ، كيف لمن لا يعرف الكتابة أن يكون من أهل العلم أصلاً ، وهل يمكن لمن لا يعرف الكتابة الصحيحة أن يحسن الفهم الصحيح للأدلة ، وأن يتنطح للرد على باطل لا يعرفه ، وأن يدافع عن حق لا يفهمه. 

إن هذا هو ما حصل في بعض ما ورد من اعتراضات على هذا البحث ، كتبها بعضهم ، لم أستطع أن افهم منها شيئاً ، مع أني حاولت تكرار العبارة حتى كادت عيني أن تزيغ ، دون أن أعرف ماذا يريد وعلى ماذا يعترض ، وما هو الحق الذي يدافع عنه ، أو الباطل الذي يريد رده.

واستأذن الإخوة الكرام في كلمة قاسية قد أكون مضطراً لها الآن وهي : إن هؤلاء ليسوا إلا من – المعذرون من الأعراب – ومن المفروض أن لا تكون عندهم كل هذه الشجاعة الأدبية العظيمة المباركة ، وأن لا يخوضوا في بحر لا يعرفون قراره ولا موجه ولا عمق لجته ، وأن يقفوا عند حدودهم بحسب إمكاناتهم الطبيعية. وإلا فما من عبارة تسعفنا هنا إلا أن نقول : يا حسرة على العباد من جرعاء هذا الفكر الملتوي المتكسر.

لا أقصد بهذا الكلام تنفير الإخوة الكرام من إبداء رأيهم في هذه الأبحاث ، فمعاذ الله أن يكون قصدي هو منع الاعتراض أو المخالفة ، رغبة في الاستبداد بالرأي الشخصي الواحد . فهذا أمر لا أعنيه أبداً لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا لا يعني أنني لا أهتم بالرأي المخالف ولا أحترمه ولا آخذ به أبداً ، بل لعل هذه الآراء المخالفة أن يكون لها أثر عظيم ، إما مباشرة أو فيما بعد ، في كثير من الأفكار التي ستتوارد لا حقاً .

ولذلك فشكراً جزيلاً لكل من كتب كلمة عن أي شيء كان معترضاً عليه ، وجزاه الله خيراً كثيراً ، وعلى الجميع أن يطمئنوا أن كلماتهم لها وقع ونفع مهما كان صغيراً وأنها لن تضيع سدى ، ولن تسقط في هاوية ليس لها قرار ، بل سيكون فيها خير لا يعلم إلا الله وقته ومكانه ، وهذا الذي بدر مني ما هو إلا انزعاج بشري من الذين لا يحسنون الكتابة أو الفهم لما يريدون.

لكن الأصح من ذلك أن اعتراضات أخرى كانت تحمل أفكارا علمية عظيمة ، لها قيمتها وأهميتها ، حتى لو لم آخذ بها في هذا البحث بحسب وجهة نظري ، لكني سأستفيد منها إن شاء الله في وقت لاحق ، وجزى الله الجميع كل خير على ما قدموا وبذلوا من جهد ونصيحة وعمل صالح.

مسألة تكفير الشيعة :

وأخيراً فإن أعظم صدمة فاجأتني هو ما ظهر من غيرة الكثيرين على تكفير الشيعة ، لقد كانت هي الصدمة العظيمة لأنها من الاعتراضات الأولى حول هذا البحث ، وأقول مرة أخرى مع الأسف الشديد : يا حسرة على العباد .

لأنني أعتقد أن أصدق وصف ينطبق على الشيعة ، هو ما وصف به ربنا لليهود بأنهم ممن يكفرون بآيات الله ، وهذا هو أسهل شيء لدى الشيعة ، بينما تجدهم متمسكين بما عندهم من نصوص مزيفة ومخالفة للعقل والدين ، ومليئة بالكفر والفسق والفجور ، تمسكاً أعظم بكثير من إيمانهم بأصل الدين ، وبجميع حقائقه القطعية التي لا يتم الإيمان بالدين إلا بها ، فتراهم يكذبون بآيات الله جزافاً ، دون أي مبالاة أو ذرة من خشية من الله تعالى .

ولذلك فهم يشبهون اليهود تماماً ، عندما وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله قال تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ? بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) سورة النساء آية 155.

فآيات الله هنا تشمل معنيين: إما أنها تعني المعجزات، أو تعني النصوص التوراتية. أما حملها على معنى المعجزات، فهو مستبعد هنا مع أنه هو المتبادر، لأنه لم يرد عن اليهود أنهم كذبوا بمعجزات موسى مثلاً، إنما الأصح أنهم كانوا من أكثر الناس تكذيبا لأنبيائهم.

فإذا كان هذا هو الاحتمال الراجح لمعنى الكفر بآيات الله الذي كان عند اليهود ، فقد أصبح التكذيب بآيات الله يعني الكفر بها ، وهكذا صار التكذيب بآيات الله هو عين الكفر ، بل هو الجريمة الأعظم التي كان اليهود يفعلونها كل يوم ، أما نقض الميثاق الذي ورد في الآية السابقة ، وبغض النظر عن تحديد معناه الآن ، فإنه لا يكون دائماً إنما هو مرة واحدة ، وكذلك هذا هو الشأن في قتل الأنبياء ، فهو لا يحدث إلا نادراً وخلال مئات السنين .

فالكفر بآيات الله الذي كان عند اليهود ، هو الحال الذي عليه الشيعة دائماً مع النصوص الشرعية ، فهم إما في حالة تكذيب أو تأويل باطل قد يكون حكمه أشد من التكذيب ، لما فيه من معان فاحشة شنيعة.

فليت هذه الغيرة عند بعض إخواننا المفكرين ، كانت على حرمة من حرمات الله تعالى التي انتهكوها وما أكثرها ، أو كانت غيره على كتاب الله الذي كذبوه ، أو على سنة رسول الله التي احتقروها ، أو على أم المؤمنين التي انتهكوا عرضها ، أو على أكاذيبهم التي ضجت منها السموات والأرضون ، أم على أولياء الله المقرَّبين الذين ليس لهم مثيله في هذه الخليقة ، وهم الذين اختارهم ربُّ العالمين في صحبة سيد المرسلين ، فهؤلاء هم الأعظم والأسمى والأنبل وهم وزراءه وأصحابه ، هل يستحقون اللعن والسب والشتم والتكفير ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ، فإن هذا يقتضى أن يكون صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم هم سادة العالمين ، وإلا فمن يكون أولائك الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين .

بقي اعتراض ثابت مستقر :

وهذا الاعتراض تكلم فيه كل من قرأ هذا البحث ، وهو أول اعتراض ظهر ولا زال يتكرر ، فهم يدعون أن هذا البحث يفتقر إلى الأدلة ، أو يحتاج إلى التوثيق.

والجواب على ذلك أني ما أتيت بنص إلا وأشرت إلى مصدره غالباً ، إما من القرآن أو السنة أو كتب الحديث أو التفسير أو الفقه أو الأصول أو اللغة ، وندر ما أهملت ذلك إلا عندما تكون النصوص أو الحقيقة مشهورة جداً لا لبس فيها.

لكن الأصح من ذلك أنني ما كتبت كلمة ولا فكرة، إلا كانت مستنبطة من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقول بصراحة أكبر: إنني محكوم لا شعورياً لعادة تملكتني لا أرغب في التحرر منها، وهي أنني لا أحب التكرار لأفكار معروفة عند غيري ، ولذلك لا أعتني بذكر الدليل على الواضحات من المسائل التي لا يوجد فيها خلاف ، والتي يتداولها الجميع ويعتبرونها من المسلَّمات ، لأنه لا حاجة لذكر الدليل عليها .

ولذلك لا أذكر الدليل إلا عندما أتعرض لأفكار إضافية لها ، وفيها زيادات تحتاج إلى تأييد ، أو عندما تتولد لدي أفكار جديدة مستقلة في منشئها ، فهذه كذلك تحتاج إلى دليل لإثباتها ودعمها ، وفيما سوى ذلك لا أرى حاجة لذكر الأدلة على كل كلمة أقولها ، لأن ذكر الديل هنا هو نوع من التكرار أو النسخ لما هو موجود عند الجميع .

أعود لأقول: إن جميع هذه الأفكار هي من الينابيع الصافية، التي تسح من نصوص هذه الشريعة، ولم يخطر عندي على البال أبداً الخروج قيد شعرة عن أي نصّ من هذه النصوص المقدسة. 

لكن هذه الدراسة هي فكرية ، والدراسات الفكرية هي سباحة بين النصوص ، وتنقل بين رحيق الأزهار ، حتى نجني منها شراباً فيه شفاء للناس ، رغم أنه مختلف في ألوانه ، إلا أنه بليغ في مذاقه وينعه ، لكن حلاوته لا يذوقها إلا من كان من أصحاب النهايات ، من أهل العلم والبصيرة في الدين ، الذبن عالجوا المسائل وعانوا من أعباء المشكلات ، فهؤلاء هم الذين يدركون قيمة هذا الفكر ويرتاحون في ربوعه ، ويشربون المترع من كؤوسه.

أما أصحاب البدايات فلا يرون فيه شيئاً ، لأنهم لا ينظرون إلا إلى النصوص ، فإذا وجدوا أسطره أو صفحاته خالية منها ، ظنوا أن هذا الفكر سخيف لا قيمة له ولا أدلة تسانده . 

فيا للحسرة على هذه العقول المقلوبة التي لا تبصر إلى ذلك العسل ، إلا من خلال قوالب مزخرفة فيها صور جميلة ، عن نحل يطير ويسقط ويصنع خلاياه من الشمع والعسل ، دون أن يكون لديهم مذاق سليم يفرقون به بين الأصلي منه ، وهو النادر ، وبين المغشوش وهو الذي لا يحصى كثرة.

أقول مرة أخرى: يا أسفاً على هؤلاء العلماء، الذين لا يعرفون إلا مظاهر العلم وأشخاصه بحسب ما يعظمون، فقد يعظمون أشخاصاً مخالفين تماماً لمذهب أهل السنة والجماعة، لكن كلام هؤلاء الأشخاص أهم عندهم من جميع المذاهب الفقهية المعروفة، بل هم أو بعضهم قد يحتقرون جميع هذه المذاهب الفقهية التي تلقتها الأمة بالقبول، ولا يفقهون من الدين إلا ما قاله فلان وفلان ممن يعظِّمون.

والغريب أن هؤلاء العلماء الجدد من أصحاب البدايات ، هم الذين يسيطرون الآن على معظم المطابع التي تنتج الكتب للبيع ، ولذلك فعندما نقدم لهم بحثاُ في أي موضوع ، يرفضون طباعته في المكتبات العلمية التي يعملون فيها ، لأنه لا يوافق فكرهم ولا هواهم ، متعللين أحياناً بأنه بحث غير موثق. وهذه هي أعظم مشكلة نواجهها في الطباعة ، فإلى الله المشتكى.

فضيلة الشيخ مجد: أرجو أن تطرح على هذه المكتبات التي عندها إمكانة الطباعة سؤالاً ، هل لو جاءكم كتاب علماني أو قومي أو أدبي هابط أو غير هابط ، هل تطلبون التوثيق لنصوصه أو لأفكاره ، أليست أسواق الكتب تزخر كل عام بإنتاج لمئات الكتب التافهة إن لم نقل الآلاف والمليئة بالصور أكثر من الكلمات، وبالكلمات المضحكة أكثر من الجادة ؟ إنكم تطبعون السفاسف وتملؤون بها الأسواق ، وإذا جاءكم بحث جادّ يتناول أهم حقيقة معاصرة اعتذرتم ، إن هذا البحث يناقش أخطر فكرة كادت أن تدمر الإسلام والمسلمين ، وقد شوَّهت الصورة المشرقة لهذا الدين الرائع ، ومزقت أجساد المسلمين ، وهنا أظهرتم هذا الورع البارد ، وتوقفتم عن طباعته بمثل هذه الحجج التافهة .

لكن لو جئناكم بقصة كاذبة وفيها حب وغرام وهيام وحرمان وعذاب ، لتلهفتم على طباعتها وتنافستم بعروضكم في نشرها . أليس من الحكمة أن تكاثروا في طباعاتكم لتلك السفاسف التي تدمر النفوس والعقول والأفهام ، وأن تطرحوا في الأسواق ما يقابل ذلك ، مما فيه نصيحة ورأي معتدل حتى لو لم يكن موثق ، لكن وجوده فيه فائدة عظيمة للمسلمين .

وهنا نقولها مضطرين بكل صراحة وأسف: إن النفاق قد سيطر على هذه الحياة وعمَّ كل شيء ، ولم يترك أي زاوية إلا ملأها بشكل كامل . 

قل لهم: لكن ماذا تصنعون أنتم بالتوثيق، هل هو كتاب منسوب إليكم، أو هل أنتم تمنحون شهادات علمية ، لكن لو كان هذا البحث يشبه كتاباً ألفه صاحبة من الجرائد اليومية في السياسة ، لما كان هناك أي مشكلة.

هذا وبالله التوفيق ، وبارك الله في جهدكم وأعمالكم وشكر الله سعيكم

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين