عقد الإجارة استثمار للأموال وتنمية للأوطان

 

الإجارة وحاجة الناس إليها:

من المعاملات المالية التي شرعها الإسلام تلبية لاحتياجات الناس وتيسيرا عليهم ما يعرف بعقد الإجارة. وعرفوها بأنها: بيع المنافع, أي تمليك المنافع بعوض مالي.

فكما أن هدف عقد البيع تمليك الأعيان, كانتقال السيارة من ملك البائع إلى ملك المشتري, فإن هدف عقد الإجارة تمليك المنافع بتمكين المستأجر من الانتفاع بالسيارة مع بقائها على ملكية صاحبها المؤجر.

وقد أجمع المسلمون على مشروعية وجواز الإجارة , منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الناس يحتاجون إلى المنافع والخدمات كحاجتهم إلى السلع والأعيان ,

ومما ورد في مشروعية الإجارة قوله تعالى : ((فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن )). الآية 6 من سورة الطلاق.

أما من السنة فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه, استأجرا رجلاً يدلهما على الطريق يوم الهجرة.

ومن المعلوم أن الإجارة تحقق مصلحة المالك المؤجر, وتحقق مصلحة المنتفع المستأجر. فأما المالك المؤجر: فيستثمر أمواله بأخذه الأجرة المتجددة مع تجدد الانتفاع بالعمارة المؤجرة مثلا والتي تبقى في ملكه , وهو بهذا يستفيد من الأجر ومن القيمة المقابلة للعمارة التي لا تزال ملكه .

وأما المستأجر فيتمكن من تحقيق حاجته في السكن مثلا بأجر مقدور عليه , من غير حاجة إلى شراء السكن بثمن قد لايقدر عليه , وهو بهذا لا يضطر إلى ضح سيولة كبيرة أو تجميدها. ويقال نحو هذا في الاستئجار على الصناعات والأعمال التي لا يستطع كل أحد عملها.

أقسام الإجارة:

تنقسم عمليات الإيجار في الفقه الإسلامي إلى نوعين : النوع الأول : الإجارة على المنافع المستفادة من الأعيان المنقولة , كاستئجار السيارات والآلات , أو المستفادة من الأعيان الثابتة غير المنقولة , كاستئجار المساكن والمكاتب والفنادق.

أما النوع الثاني: فالإجارة على الأعمال المستفادة من الأشخاص كاستئجار الخادم وحارس العمارة ويعرف هذا بالأجير الخاص الذي يعمل لجهة واحدة لا لغيرها مدة معلومة. أو استئجار النجار والكهربائي لإنجاز عمل محدود مع إمكان عمله للآخرين . وهذا ما يعرف بالأجير العام .

ولاشك أن إجارة المنافع في الأعيان المنقولة والثابتة تحقق دخلا وعائدا كبيرا للمؤجر إضافة إلى مافيها من استجابة لحاجات السوق الوطنية وتلبية لمتطلبات الناس المعيشية المتكررة , ويقال لهذا النوع من الإجارة : الإجارة التشغيلية , ولها أحكام وظروف خاصة في الفقه الإسلامي لابد من مراعاتها , ومن ذلك مايلي :

أركان وشروط عقد الإجارة:

أولا: ينبغي أن تتوفر صفات الأهلية في طرفي العقد المؤجر والمستأجر, ومن صفات الأهلية: العقل والبلوغ والرضا – أي عدم الإكراه على الإيجار -.

ثانيا: يشترط أن تكون المنفعة مباحة شرعا, أما المنافع المحرمة فلا تجوز الإجارة عليها كتأجير محلة لافتتاح خمارة أو تأجير مطبعة لصور أو كتب يحرمها الإسلام. 

والأصل في هذا ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي وقال : إنه من السُّحْت – أي الكسب الخبيث غير المشروع – .

ثالثا: ينبغي أن تكون المنفعة المعقود عليها معلومة عند التعاقد, علما تنتفي به الجهالة المؤدية إلى النزاع, وذلك بأن يعرف المستأجر أن هذا البيت المؤجر للسكن وليس للعمل, وإن هذه السيارة المؤجرة للركوب وليس للتحميل. فإن كانت هناك جهالة في نوعية المنفعة بطل عقد الإجارة دفعا للنزاع , لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغرر في البيوع – رواه مسلم وأصحاب السنن – والغرر : هو الجهالة المثيرة للنزاع , سواء كانت في البيع أو في عقد المعاوضات المشابهة له ومنها الإجارة.

رابعا: يشترط في العين المؤجرة إن تبقى بعد الانتفاع بها , لأن عقد الإجارة منصب على المنفعة لا على إتلاف العين وإذهابها . وعليه فإن الطعام لا يؤجر بل يباع .

خامسا: يشترط بيان المدة في إجارة المنافع كيوم أو شهر أو سنة لأن ترك بيان ذلك مثير للخلاف والنزاع مستقبلا. روى الشيخان أن بعض الأنصار استأجروا بعض المهاجرين على العمل في أرضهم وعقارهم وأعطوهم نصف ثمار أموالهم كل عام , فكانوا يكفونهم العمل والمؤونة .

سادسا : ينبغي أن تكون المنفعة المعقود عليها في الإجارة مقدورة الاستيفاء , فلا يصح إجارة سيارة ضائعة ولا دار مسكونة لتعذر التمكن من الانتفاع بها بمقتضى عقد الإيجار .

سابعا : ينبغي أن يلتزم المستأجر باستعمال العين المؤجرة بحسب ما أعدت له من سكن أو عمل أو تحميل , مع التقيد بشروط العقد لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ((المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما )) رواه الدار قطني . فإن ترتب على الإخلال بالشرط ضرر, ضمنه المستأجر وتحمل آثاره.

ثامنا : يشترط أن تكون الأجرة مالا معتبرا شرعا معلوم الأوصاف فلا يصح أن تكون الأجرة كمية من الخمور أو المخدرات أو الخنازير ومشتقاته أو غيرها مما لا يعتبر مالا معترفا به شرعا.

كما لايصح أن تكون الأجرة مجهولة الوصف والقدر بل لابد من بيان نوع النقود مثلا ومقدارها ونحو ذلك , روى البيهقي وأبو داوود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من استأجر أجيرا فليسم له أجرته )).

هذا, ويجوز أن يتفق الطرفان على تعجيل الأجرة أو تأجيلها, أو تقسيطها فإن لم يفعلا, فالمعتبر لما جرى به العرف بين الناس.

العين المؤجرة أمانة ففي يد المستأجر:

يعتبر الإسلام العين المؤجرة أمانة في يد المستأجر يتحمل تبعة أضرارها , في حال تعديه أو سوء استخدامه لها , لعموم الحديث الذي رواه أحمد والنسائي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)).

نفقات العين المؤجرة:

يتحمل المالك المؤجر نفقات العين المؤجرة المتعلقة ببقائها سليمة ليتمكن المستأجر من تمام الانتفاع بها عملا بالقاعدة الشرعية ((الغنم بالغرم )) إلا إذا اتفق الطرفان على غير هذا.

هذه أهم أحكام وأركان وشروط الإجارة وبخاصة إجارة الأعيان المنتفع بها, والتي تسمى اليوم: الإجارة التشغيلية...

وقد مارس المسلمون قديما بعض صورها في معاملاتهم الاقتصادية والمعيشية, وتمارس اليوم في المؤسسات المالية الإسلامية من باب استثمار الأموال في الطرق المشروعة التي يقصد بها تلبية احتياجات الناس وتيسير أمور حياتهم .

وعقد الإجارة التشغيلية بشروطه وأحكامه السابقة يناسب الموجودات والأصول ذات القيمة العالية التي تتطلب مبالغ كبيرة لامتلاكها أو أوقات طويلة لإنتاجها , كالمحلات التجارية والمجمعات السكنية والسفن والطائرات في المواسم إضافة إلى الآلات والمعدات الصناعية والزراعية وغيرها .

وإن ما سبق يؤكد على واقعية الإسلام وحيويته في تشريعه لعقد الإجارة التي تحقق مصالح المؤجر ومصالح المستأجر وتنمي الأموال والأوطان. 

كما يوضح مدى حرصه على أن لايكون عقد الإجارة سبيلا لإثارة النزاع بين الناس وذلك حينما أوجب توضيح وبيان جميع ما يتعلق بهذا العقد من التزام وحقوق وواجبات بين الطرفين المؤجر والمستأجر.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين