هذا القرآن

 

[مختصر، من مقال له، منشور في مجلة المسلمون، العدد التاسع، في ذي القعدة/1371هـ = تموز/1952م]

(إنّ هذا القرآن يهدي للتي هيَ أقوم).

القرآن مليء بالسنن الكونية؛ أي القواعد. من مثل واحد وواحد يساوي اثنين، أشياء ثابتة لا تتغير ولا تتبدّل. وهذه السنن الكونية وضعت لإرشاد الخَلق إلى الحق.

تأمّل الآيات الكريمة: (ومَن أعرضَ عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى...). تَرَ فيها ما يصيب المخالفين لأمر الله تعالى من جزاء في الدنيا وعذاب في الآخرة.

ونحن قد أتانا هدي الله على لسان نبيّه الكريم. فهل اتبعنا الهدى فيحق لنا ألا نضل ولا نشقى، أو أعرضنا عنه فلنا – ولا تبديل لأحكام الله- معيشة ضنك؟!. وقانا الله من جزاء يوم الحشر.

إن بلاد العالم الإسلامي تحكم اليوم إما بقوانين وضعية مستعارة من القوانين الأوروبية لا صلة لها بالقرآن ولا بهدي القرآن، وإما أن حكامها يدّعون أنهم يحكمون بالقرآن وهم عن معاني القرآن بعيدون يحسبون أنه صلاة وصوم وحج ولا يدركون أنه، مع ذلك، علم وفهم وتربية وأخلاق وجهاد في سبيل الله ومعاملة وتحقيق العدل الاجتماعي الذي كفله الله للناس على صورة لم يصل إليها الناس في كافة عصورهم. لذلك كانت دعواهم أن دستورهم القرآن من الدعاوى التي تضر بالإسلام والمسلمين أبلغ الضرر فإنها تكون مقرونة دائماً بجهل المسلمين وفقرهم وتأخرهم وتخلفهم عن ركب الحياة، فاتخذ الناس من ذلك دليلاً على أن الإسلام غير صالح لهذه الحياة، وما العيب في الإسلام ولكن العيب في القائمين عليه. وبلاد العالم الإسلامي فشا فيها من ذميم الأخلاق ما لا يمكن معه أن يصدّق أن المتخلفين بها مسلمون، فأكل أموال الناس بالباطل أصبح سجية فيهم: فلا يسأل الإنسان نفسه عن ماله: أمِن حلال كسِبَه فيحمد الله، أم من حرام جناه فيتوب إليه، ويذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل لحم نبتَ من حرام فالنار أولى به". فالرشوة والاختلاس وخيانة الأمانة أصبحت كلها من مقررات الحياة، وأنها جزء من مرتبات الموظفين وعمل العاملين.

ولا تسأل عن الكذب والنفاق والغيبة والنميمة وسخرية الناس بعضهم ببعض والتنابز بالألقاب واتهام الناس بالباطل.

هذه النقائص كفيلة بهدم المجتمع. نقترفها كل يوم ولا نكلف أنفسنا أن نعرضها على كتاب الله حتى نعلم أننا أعرضنا عن هدى الله تعالى، فكان جزاؤنا ما نحن فيه من ضنك المعيشة. وصدق الله العظيم: (ومَن أعرضَ عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكا).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين