أخيرا تمَّ الاعتذار عن الجريمة !!!

 

في خطاب مؤثر توجه رئيس الوزراء الكندي "جوسين ترودو" بالاعتذار للسكان الأصليين فيما عرف بجريمة (المدارس الداخلية).

تلك المدارس الداخلية أُنشأت عام 1884 واستمرت حتى 1996 بدعم حكومي وإشراف للكنيسة بهدف محو الهوية الثقافية للسكان الأصليين، تحت عنوان: (التمسيح والتمدين)، أي إكسابهم المدنية والديانة المسيحية.

كانوا يأخذون الأطفال عُنوة من بيئتهم الأصلية ويفصلونهم تماماً عن أرضهم وأسرهم وعائلاتهم ، يمنعونهم تماما من ممارسة عاداتهم وطقوسهم والتحدث بلغتهم، بل يغيرون أسماءهم ، خلال عقود مارسوا تلك الجريمة على 150000 طفل مثلوا 30% من إجمالي أطفال السكان الأصليين، مارسوا عليهم أبشع أنواع التعذيب والضرب والاعتداء الجنسي، ومات منهم من التعذيب والإهمال والمنع من الفرار مالا يقل عن ستة آلاف .

هذا ما أثبتته لجنة (المصالحة والحقيقة) التي شكلتها الحكومة الكندية عام 2008 للبحث في شكاوى الناجين الذين رفعوا دعوى قضائية ضد الحكومة.

وصلت اللجنة لهذه الحقائق خلال ست سنوات من البحث طافت فيها أرجاء البلاد، واستمعت لحوالي 7000 شاهد عيان، وأسمت تلك الجريمة (محرقة ثقافية).

وكان من نتيجتها الاعتراف الرسمي بالجريمة والاعتذار عنها في خطاب رئيس الوزراء الكندي بتاريخ 24/11/2017 ، ومطالبته بابا الفاتيكان بتقديم اعتذار مماثل بصفتهم شركاء في الجريمة.

صفحة سوداء طوتها صفحة بيضاء، صفحة الاعتراف بالجريمة والاعتذار عنها والبدء في المصالحة .

الشعوب تتطور ليس فقط على المستوى التقني والتكنولوجي، ولكن على المستوى الأخلاقي .

والنهوض بالمستوى الأخلاقي للأمم لا يأتي هكذا عفوا ؛ بل بنهضة ثقافية يقودها نظام الدولة تشمل الإعلام والتعليم وموارد الثقافة والقانون والسلوك ، ولا يمكن لأمة أن تضمن استمرار استقرارها وتقدمها دون منظومة أخلاقية تحيط المجتمع بسياج من الترابط والتفاهم والتراحم والتكافل .

وليست تجربة كندا هذه أول تجربة، بل سبقها طي جريمة الرجل الأبيض الذي استوطن جنوب أفريقيا، ففي مذكرات "نيلسون مانديلا" ذكر أن مدارس جنوب أفريقيا تحت حكم الرجل الأبيض كانت بمجرد دخول الطفل الأفريقي للمدرسة يمحون اسمه الأفريقي ويختارون له اسما انجليزيا يصبح هو اسمه الرسمي.

وفي النهاية لم يجد المجتمع سبيلا للاستقرار والتقدم سوى الاعتراف بالجريمة والمصالحة.

والأسبوع الماضي فقط تعهد الرئيس الفلبيني "رودريجو دوتيرتي" بتصحيح الظلم التاريخي الواقع على الأقليات في بلاده ، وذلك في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أمام جمع من المقاتلين من جبهة مورو الإسلامية.

هذه هي تجارب العالم شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، نضعها بين يدي شعوب أنهكتها الجراح وهي تسير مغمضة العينين خلف دعوات الحرب والثأر والانتقام، حرب وثأر يُطلِقُ طلقاته في الظلام ، لا ندري من القاتل ومن المقتول، وكل الذي ندريه أن المعارك تدور على أرضنا والقاتل والمقتول من أبنائنا.

فمتى ينتبه العرب وقد طمي السيل حتى غاصت الرُكَب .؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين