إذا أحبَّ اللهُ قوماً

قال متبرّماً: أي حياة هذه !!

قلت: ماذا تشتكي فيها؟

قال: لاأخرج من بلاء حتى أدخل في آخر.

قلت: أرجو أن يكون هذا من حب الله لك.

قال متعجباً: حب الله لي؟! يبتليني لأنه يحبني؟!!

قلت: هذا ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم .

قال: تعني أن هذا جاء في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

قلت: نعم، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم).

قال: الحديث صحيح؟

قلت: أجل، تجده في صحيح الجامع.

قال: الله يحبني إذن؟

قلت: إذا رضيتَ واحتسبتَ.

قال: بمَ أرضى؟ وماذا أحتسب؟

قلت: إذا رضيت بما ابتلاك الله فلم تتسخط، واحتسبت أجرك عند الله سبحانه.

قال: أنا كنت أتسخط، وهذا يعني أنني لستُ ممن يحبهم الله!

قلت: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء؛ وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سَخِط فله السخط).

قال: أفهم من هذا أنه إذا كان البلاء عظيماً كان أجره عظيماً، وإذا كان البلاء يسيراً كان أجره يسيراً؟

قلت: أجل، إذا صبرتَ ورضيتَ.

قال: وأفهم أيضاً أن العبد إذا سخط على بلاء الله سَخِط الله عليه؟

قلت: أجل. وفي هذا تحذير لنا من تلقِّي الابتلاء بالاعتراض والسخط.

قال: ألِهذا نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة عن سبِّ الحُمَّى التي أصابتها؟

قلت: أحسنت، ففي هذا توجيه لكل مريض بأن يرضى مستحضراً ما يأتيه من أجر إذا صبَر واحتسب، والمرأة هي الصحابية أم السائب أو أم المُسيّب رضي الله عنها، فعن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب فقال: مالَكِ يا أم السائب تزفزفين؟ قالت: الحُمّى لا بارك الله فيها، فقال صلى الله عليه وسلم : (لا تسُبّي الحمى فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خَبَث الحديد). صحيح مسلم.

قال: لو عرف الناس هذا لأحبّوا المرض وما كرهوه.

قلت: دون أن يتّمنوه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسأل الله العافية، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يُعطَ بعد اليقين خيراً من العافية). صحيح الجامع.

قال: العافية هل تعني الصحة؟

قلت: جاء في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: (العافية هي السلامة في الدِّين من الفتنة، وفي البدن من الأسقام) أي الأمراض.

وقال المناوي في قوله صلى الله عليه وسلم : (سَلُوا الله العفو والعافية): احذروا سؤال البلاء.

قال: وهل يُعقل أن يطلب إنسان من ربه أن يبتليه بالمرض؟!

قلت: حدث هذا فعلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذ دعا رجلٌ أن يُعجِّل الله له عقوبته في الدنيا.

قال: دعا على نفسه؟

قلت: نعم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً قد جَهِدَ حتى صار مثل فرخ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : (ما كنتَ تدعو؟ أما كنتَ تسأل ربكَ العافية؟)

قال الرجل: كنت أقول: اللهم ما كنتَ مُعاقِبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (سبحان الله؛ إنكَ لاتطيقه أو لاتستطيعه؛ أفلا كنتَ تقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار)؟!

قال : وهل يمكن أن تكون الزوجة من البلاء ؟

قلت : طبعاً ، إذا صبر زوجها على ما لا يرضاه فيها فلم يطلقها رحمة بها وطلباً للأجر من الله 

قال : الحمد لله 

قلت : وكذلك المرأة إذا ابتليت برجل يسيء عشرتها فصبرت عليه ولم تطلب الطلاق .

قال: جزاك الله خيراً على توضيحك لي ما كنتُ أفهمه على غير وجهه الصحيح فيما يتعلق بالابتلاء من مرض وغيره.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين