التعريف بكتاب: أحمد عز الدين البيانوني.. الداعية المربي

بقلم الشيخ د.: عبد المجيد البيانوني

قدمه : أحمد بن محمود الداهن

تصدر دار القلم في دمشق سلسلة جديدة ترمي لتعريف الجيل المعاصر بعلماء الأمة ودعاتها، وتخص هذه السلسلة العلماء المعاصرين، وهي بعنوان (علماء ومفكرون معاصرون.. لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم).

الكتاب موضوع العرض اليوم عنوانه: "أحمد عز الدين البيانوني"، ونقرأ أسفل العنوان: "الداعية المربي"، "1329-1395 هـ / 1913-1975 م". وهو من تأليف الدكتور عبد المجيد البيانوني. ويقع الكتاب في 180 صفحة من القطع الصغير.

يستعرض الكاتب في الفصل الأول لَمَحاتٍ من حياة الشيخ، فيتناول في المبحث الأول النقاط التالية:
- التعريف بميلاد الشيخ أحمد البيانوني، ونسبه وأسرته وبيئته، ونشأته العلمية، والعلوم التي برز فيها.
- مشايخ المترجَم له وصلاته بالعلماء والصالحين في عصره، فيعرف بوالده الشيخ عيسى وبالداعية الرباني محمد أبو النصر خلف، ويسرد أسماء العلماء والمشايخ وأهل الفضل الذين اتصل بهم الشيخ أحمد في الشام والحجاز.

- رحلات الشيخ وأسفاره، ويسرد أبياتًا من نظمه في رحلة الحج التي كان يراها استجماماً لروحه وغذاء لقلبه، وكان يحرص عليها كل الحرص، ثم يأتي المؤلف على وفاة الشيخ ووصيته وجنازته.

- أولاد الشيخ وأبرز تلاميذه، فيتحدث عن عنايته بتربية أبنائه وبناته، والوجهة التي وجههم إياها ليكونوا طلاب علم شرعي.
- مكانة الشيخ بين علماء عصره، ويرى الكاتبُ أنها تجلت في عدة جوانب أهمها:
1- مشاركته في لقاءات العلماء على مستوى مدينته وبلده.
2- نشاطه في رأب الصدع وجمع الكلمة والدعوة إلى عقد اجتماعات العلماء.
3- ثناء علماء عصره عليه وإشادتهم بتقواه وصلاحه وحكمته في الدعوة وتأثيره.
وفي المبحث الثاني تناول المؤلفُ نشاطاتِ الشيخ وسماها حياته العملية وميادينها التعليمية والدعوية والاجتماعية:
ففي الميدان التعليمي، ذكر المؤلف أن الشيخ بعد تخرجه في دار المعلمين انتقل إلى العمل في حقل التدريس، وشارك في وضع مناهج التربية الإسلامية، ثم عمل الشيخ في إدارة الثانوية الشرعية وفي المعهد العربي الإسلامي مدرساً. وقد تحلى الشيخ بالإخلاص في العمل والتجرد عن حظوظ النفس وعلو الهمة، حتى قال فيه مدير الثانوية الشرعية الشيخ طاهر خير الله: "وأنا أشهد أني ما لحظت عليه يوماً من الأيام ذرة من غرض شخصي، أو حظ نفسي أو تذكير بأمر ليس من مرضاة الله تعالى، لقد كان الشيخ قوياً أميناً في تحمل المسؤولية والنهوض بأعبائها".

ومما امتاز به عمله -رحمه الله- دقة رقابته الأخلاقية على الطلاب، ورعايته لهم، ومعالجة تقصير المقصر منهم بأسلوب حسن، وكذلك عالج بالحكمة والموعظة الحسنة تقصير بعض المدرسين الذين ألِفوا التسيب والإهمال حتى انضبطوا بالنظام واستجابوا له.كما قام الشيخ بإصدار مجلة (صوت الثانوية الشرعي). وعندما أُنهِي انتداب الشيخ كان قد ترك آثارًا واضحة في المؤسسات التي عمل فيها.

وفي الميدان الدعوي كان للشيخ تجاربُ دعوية ثرة في مجالات متعددة، منها ما يتصل بالعمل الدعوي العام؛ وأبرزها: العمل في ميدان الريف، والعمل في ميدان التدريس، والعمل مع إخوان الشيخ محمد أبي النصر خلف، وأيضاً العمل الديني مع أبناء الحي ورجاله من جيران مسجد أبي ذر الذي تولى الشيخ الإمامة والخطابة فيه بعد وفاة والده الشيخ عيسى.

ومنها ما يتصل بالعمل الدعوي الخاص، وقد شملت: دعوة الأقران وزملاء الدراسة، والمشاركة في إنشاء دار الأرقم والعمل مع رجالها ثم الاعتزال عنها، والعمل مع العلماء والدعاة إلى الله والسعي لجمع الكلمة، فقد عُرِف الشيخ سباقاً إلى كل لقاء، إيجابياً بما يتبنى من مواقف وما يقدم من آراء.
ونوّه الكاتب في نهاية هذا المبحث بنشاط الشيخ الاجتماعي، وأشار إلى إيجابية الشيخ في علاقاته الاجتماعية، ومعاملته للناس بالأسلوب الحكيم والخلق الكريم.

تناول الكاتب في المبحث الثالث شخصية الشيخ وأخلاقه وصفاته:
بعد أن تحدث عن حلية الشيخ وصفاته الشخصية، تحدث بشيء من التفصيل عن ملامح شخصيته وخصائصها، وأتبعها بأثر شخصيته في منهجه ودعوته، فبين أن أهم ملامح شخصية الشيخ تتجلى في كونها:
1- طبيعية جامعة، عملية واقعية
2- واعية نزيهة، مربية حكيمة
3- قائدة موهوبة، إدارية دقيقة
4- قوية عزيزة، مهيبة محبوبة
ثم صفاته الإيمانية، وأجملها الكاتب في ثماني نقاط: عقيدته، ولاؤه لله ورسوله، تقواه لله تعالى وخشيته، زهده وورعه، أدبه وحياؤه، حبه للسنة والحرص على اتباعها، إخلاصه ونصحه وأمره بالمعروف، قوته في الحق وصلابته.
وأخيراً أخلاقه وشمائله، وقد أجملها الكاتب في ثماني نقاط أيضاً وهي: صبره وحلمه وحسن خلقه، عفوه وصفحه وسلامة صدره، جوده وكرمه، تواضعه وعزة نفسه، حدته وغضبه ورحمته وشفقته, حكمته وبديهته، ذوقه ولطفه ومزاحه وفكاهته.
في المبحث الرابع تناول الكاتب ملامح فكر الشيخ الدعوي والتربوي، استقراها من كتابات الشيخ ورسائله الدعوية، ورآها متمثلة في النقاط التالية:

- تشخيصه لواقع الأمة وسبيل النهوض بها: فقد استطاع الشيخ تشخيص أبرز أمراض المجتمع الذي عاش فيه، فتناولها شرحاً وتوضيحاً، وانتقل من التشخيص إلى العلاج، فبين أن سبيل النجاة هو العودة الصادقة إلى دين الله وشرعه، وبين معالم هذا السبيل، وما يجب أن يقوم به كل فرد من أفراد المجتمع لبلوغ هذه الغاية.

- منهجه في أركان الدعوة إلى الإسلام: وقد بينها الشيخ في كتابه الذي يحمل عين هذا العنوان، محدداً إياها بخمسة أركان؛ هي: الإيمان، والعلم، والعمل، والذكر، والأخوة الصالحة.

- أسلوبه في الدعوة والوسائل العملية للتربية والتكوين: فقد اتخذ الشيخ من الأساليب التربوية والوسائل العملية ما رآه مناسباً لتحقيق فكرته الدعوية ومنهجه التربوي، وتتلخص في النقاط التالية: الوصايا والمحاسبة عليها، البرنامج اليومي للفرد والأسرة، الدروس الشرعية واللقاءات التربوية والدعوية الخاصة والعامة واللقاءات المفتوحة، الزيارات الأخوية الهادفة؛ القائمة على الحب في الله والتناصح وتقوية أواصر الأخوة والتعاون على البر والتقوى، خروج يوم هادف، الاعتكاف والإحياءات، الدورات الصيفية والشرعية والثقافية، المخيمات التربوية والسنوية.

- منهجه التربوي مصادره وملامحه: تجلى منهج الشيخ التربوي في كتابه (منهاج التربية الصالحة)، ومنه يتضح أن مصادره هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة والسيرة العطرة، وفقه السلف الصالح وسيرتهم.
ومن الكتاب المذكور يمكن استخلاصُ ملامح هذا المنهج وسماته العامة التي تتجلى فيما يلي: اعتزازه بمنهج التربية الإسلامية وتحذيره من التأثر بالنظريات الغربية، واقعية المنهج الذي يعرضه، ونقده للواقع الذي يراه وتحذيره من العادات الجاهلية الشائعة بين الناس وتنديده بها، شمول منهجه لأصول الإسلام وحقائقه وآدابه وفضائله، واعتناؤه بتربية العقل والجسم تربية متوازنة، شمول مفهوم التربية الإسلامية لما قبل الزواج واهتمامه بأثر الأم في تربية الطفولة المبكرة والحرص على إاتباع السنة النبوية في مراحل حياة النشء، ودعوته الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة صالحة لأولادهم وأن يكون للناشئ مثل أعلى يتطلع إليه ويقتدي به.

- خصائص فكره الدعوي والتربوي: امتازت شخصية الشيخ بأصالة الفكر واستقلال الرأي، وقد امتاز فكرُه بالوضوح والسهولة وتقريب المفاهيم، وإحياء منهج السلف والمفاهيم الإسلامية، والاهتمام بربط الدعوة بالعلم الشرعي، والاتزان والاعتدال والشمولية والحرص على الوسطية.
أفرد الكاتب الفصل الثاني من الكتاب للتعريف بمؤلفات المترجم له، بعد أن مهد لها بالتعريف بأسلوب الشيخ في التأليف وخصائص كتاباته ومزاياها.

ذكر الكاتب في المبحث الأول مؤلفات الشيخ، مع تعريف بأهمها وهي: رسالة سبيل الهدى والعمل، كتاب الاجتهاد والمجتهدون، كتاب قبسات من نور النبوة بالاشتراك مع فضيلة الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، رسالة أخطاء لغوية شائعة وتصويباتها،كتاب مجموع العبادات على مذهب أبي حنيفة، سلسلة العقائد، سلسلة (من هدي الإسلام). بالإضافة إلى كتب ورسائل أخرى غير مطبوعة.
وتحدث في المبحث الثاني عن ما لم ينشر من كتبه وآثاره. وجعل المبحث الثالث للتعريف بشعره ومختارات منه. وختم الكاتب هذا الفصل بمبحث أخير ضمنه نماذج من وصاياه، عرض فيه بعضاً من وصايا الشيخ التي كان يكتبها بين الحين والآخر لأسرته وأولاده وإخوانه وتلاميذه ومربيه.

جزى الله الكاتب خيراً على ما قدم من جهد للتعريف بهذا العالم الرباني، ورحم الله الشيخ أحمد البيانوني رحمة واسعة، وجعل ما خلف من آثار في ميزان أعماله الصالحة، وجمعنا الله به وصالحي هذه الأمة في الفردوس الأعلى.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين