الديانات الوضعية وآثار الوحي 

 

قراءة في كتاب «الإنسان والأديان»

 

يرى محمد كمال جعفر في كتابه «الإنسان والأديان – دراسة مقارنة»، أن الأديان قد تصنف بناء على مصدرها إلى صنفين أساسيين هما: الأديان السماوية، والأديان الوضعية التي وضعها البشر سواء كانوا أفراداً أو جماعات، غير أنه يرى أنه بالإمكان العثور في نهاية الأمر على عناصر في هذه الديانات تدل على ما يساعد بإرجاعها إلى مصادر سماوية قديمة ، فالوضعية في هذه الأديان ليست نقطة الانطلاق، ويستدل على ذلك بما كان يعتقده المصريون القدماء وأحاديثهم عن الصراط والميزان والحساب والجزاء وكل أمور الآخرة، فهذه ليست من اختراعاتهم وإنما هي من بقايا ما خلفته تعاليم الأنبياء عبر العصور، لكن أضيف لها كسوة من الآراء والأساطير والأفكار السحرية، الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان تحديد مصادرها الأولى.

وبرأي محمد كمال جعفر فكل استدلال عن ضرورة البعث بعد الموت أو الحساب أو الثواب في الجنة، والعقاب في النار، فمهما اصطنع من حجج عقلية فإن أصله لا بد أن يكون قد انبثق من مقولة دينية، أداها نبي، أو نقلها من قد سمعها من نبي، ذلك لأن العقل لا يستقل بإدراك الآخرة؛ صحيح أن الإيمان بالآخرة لا يناقض العقل، لكن استنتاجه من العقل وحده متعذر .

ويلاحَظ أن محمد كمال جعفر يسهب في تأكيد هذه البقايا النبوية والآثار التي لا يمكن أن يقال بها إلا بعد سماعها من وحي، فهو بهذا يرى أن في الأديان الوضعية بلا شك عناصر سماوية، لكن ما حجب إمكانية العودة إليها وتنقيتها، هو الكم الهائل من الإضافات والتعبيرات والخيالات والأساطير، التي جلبتها الحياة اليومية عبر الزمن الطويل لهذه الأديان.

وما لاحظه محمد كمال جعفر في ديانات المصريين القدامى، يرى أن له نفس الوضعية المشابهة في ديانات كالبوذية أو الكونفوشيوسية أو المانوية أو المزديكة، فهو بالرغم من تصنيفه لها ضمن الديانات الوضعية، فإنه يرى أنها استفادت واستمدت من الأصول السماوية في أزمنة ضاربة في القدم، تخطئها عين التاريخ، وتتجاوزها ذاكرته، كما أنه من العسير تحديد القدر الذي وضعه الواضع، سواء أكان فرداً أم جماعة، أم أمة من الأمم ، ويشير إلى إمكانية تحديد العناصر الوثنية في الأديان، وقد فُعِلَ مثل هذا في دراسة النصرانية مثلاً.

ويتفق على هذه النتيجة مع محمد كمال جعفر، عبد الله علي سمك في كتابه «مدخل لدراسة الأديان»، فيقول: «...ولا نستبعد -بناء على النصوص القرآنية-، أن تكون الأديان الوضعية عرفت الوحي الصحيح، لكنها مع تقادم الزمن وطول العهد، لم تستطع المحافظة عليه، وغلبت الصناعة البشرية والتدخل العقلي على الوحي الإلهي، ومن المستحيل عقلاً ونقلاً عدم إرسال رسل مثلاً إلى بلاد الهند، وهي أمة قديمة ذات تاريخ عريق وحضارة عظيمة ».

---------

محمد كمال جعفر، الإنسان والأديان دراسة مقارنة. الدوحة: دار الثقافة، الطبعة الأولى 1985م، ص 103

المصدر السابق نفسه ص 110

المصدر السابق نفسه ص 110-111

عبد الله علي سمك، مدخل لدراسة الأديان. مكة: دار الدراسات العلمية للنشر والتوزيع 2013م. ص73

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين