تحية للشيخ رائد صلاح

عريب الرنتاوي


 
استحق الشيخ رائد صلاح التحية فالرجل جعل من الدفاع عن الأقصى والذود عمّا في جوفه وحوله مما بارك الله ، قضية حياته الأولى والأخيرة ، رغم ما واجه ويواجه من عنت ومشقة وأثمان باهظة دفعها من كيسه الشخصي والعائلي.

من جيل النكبة الأول ، ولد في أم الفحم بعد عشر سنوات منها ، وتلقى علومه فيها قبل أن ينتقل للدراسة الجامعية في الخليل ، ليصبح في سن الحادية والثلاثين رئيسا لبلدية أم الفحم ، وبثلاثة أرباع أصوات ناخبيها ، وليظل في موقعه هذا لثلاث دورات متعاقبة ، وبشعبية متزايدة ، قبل أن يقرر التنحي عن رئاسة البلدية للتفرغ لمقارعة الاحتلال على أسوار القدس وفي محيط الأقصى ، وثمة من يقول بأن الرجل كان عين الشعب والأمة على المؤامرات الإسرائيلية على "المسجد" والشوكة في حلق مشاريع الاحتلال التوسعية فوقه وتحته وعلى حسابه ، وأن نجاحاته في "تعكير صفو المخططات الإسرائيلية ، وأحيانا إحباطها" ، كان لها الأثر الأكبر في تعرضه لكل صنوف المضايقات.

جرّب الاعتقال والسجون مرارا ، منع من السفر خارج فلسطين المحتلة ، منع من دخول القدس لفترات ، فرضت عليه الغرامات المغلّظة ، عوقب بالإقامة الجبرية ، وتعرض للاغتيال مباشرة ، وأصيب في انتفاضة الأقصى برصاصة في وجهه... رائد صلاح تعرض وحده ومنفردا لما يمكن أن تكون تعرضت له نصف دزينة من المناضلين والمجاهدين ، فقلما تجد رجلا واحدا جوبه بكل هذا الذي جوبه به الرجل.

سيّر قوافل "مسير البيارق" إلى الأقصى ، ألوف المسلمين تنقلهم الحافلات للصلاة في المسجد ، والصلاة في الأقصى ليست فريضة شرعية فحسب ، بل وواجب وطني مقدس طالما أنها تندرج في سياق الحفاظ على عروبة القدس وفلسطينييتها وإسلاميتها في مواجهة الاستيطان الزاحف والضم والتهويد.... أعاد إحياء "دروس المصاطب التاريخية" لينوف عدد مرتادي "درس الثلاثاء" عن الخمسة آلاف طالب.... رعى ستة عشر ألف طفل فلسطيني بمال "صندوق طفل الأقصى" الخيري... أسهم إسهاما كبيرا في إعادة إعمار المصلى المرواني وفتح أبوابه وبواباته للزوار والمصلين.... نظّف كثيرا من ساحات المسجد القديم وأضاءها ورمم المرافق الخدمية المتآكلة ، ومسح بيديه الغبار عن كل أثر وصلت إليه.

كنّا على موعد معه ظهيرة كل جمعة ، قبل الصلاة وبعدها ، ودائما في حالة اشتباك مع هذا "الحاجز" أو ذاك الجندي أو "الخيّال" الإسرائيلي ، كان صوته يصعد دائما من بين المواجهات ويشق طريقه إلى أسماعنا فلسطينيين وعربا ومسلمين وأحرارا وشرفاء في هذا العالم: الأقصى في خطر.

خلال السنوات والعقود الماضية ، تربى جيل كامل من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في مدرسة رائد صلاح النضالية ، هؤلاء ظلّوا على العهد ، أول من يلبي نداء حماية المسجد وأول من يهب للصلاة فيه وأول من يتصدى لقطعان المستوطنين والمتدينين العنصريين اليهود الذي يريدون المس بالمسجد وما حوله ، هؤلاء سوف يواصلون طريق رائد صلاح ، الذي أجبر على الخلود لـ"استراحة المحارب" ، والسجن عند رائد صلا ح ليس سوى محطة - وربما استراحة - يعود بعدها لمزاولة يومياته الكفاحية ، ولهذا فلا خوف على الأقصى من "فراغ رائد صلاح" ، أو ما تظن إسرائيل أنه فراغ سيفسح في المجال أمامها للعبث بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من دون رقيب أو حسيب.

وسيسجل تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني للشيخ رائد صلاح ، أنه ملأ فراغا في ساحات القدس وميادينها ، عندما غابت السلطة أو غيّبت ، إن لأسباب تتعلق بقسوة "السور الواقي وحصار عرفات" أو لأخرى تتصل بانشغال القيادة الفلسطينية بـ"المفاوضات حياة" و"جلسات العريشة في منزل أولمرت الشهير" ، سيسجل لـ"عرب 48 - أنهم وأهل الخليل ، كانوا خط الإسناد الأول للقدس والمقدسيين والمقدسات في مواجهة زحف الاحتلال والاستيطان وشبح الأسرلة والتهويد
 

 

جريدة الدستور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين