كتاب (إعجاز القرآن الكريم)

بقلم : د. محمد صادق درويش  

 صدر عن دار الإصلاح في دمشق كتاب:

(إعجاز القرآن الكريم)

للمؤلف الدكتور: محمد صادق درويش – أستاذ التفسير والحديث في كليات معهد الفتح الإسلامي. يقع الكتاب في 944 صفحة، وهو دراسة موضوعية لإعجاز القرآن الكريم في أسلوبه ومضمونه وبيانه ومعانيه في ضوء الأصالة والمعاصرة.

من أجواء الكتاب ننقل لكم مقدمته التي كتبها الدكتور نور الدين عتر رئيس قسم علوم القرآن والسنة سابقاً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، حيث تحدث فيها عن الكتاب ومضمونه.

تقديم الأستاذ نور الدين عتر:
الحمد لله الذي اختص نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم  بمعجزة القرآن، وصلى الله على سيدنا محمد المتقدم على جميع الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فإن إعجاز القرآن بهر العرب الفصحاء، وأخذ بعقول أهل العلم الألباء، فراحوا يتلمسون أوجه إعجازه، والكشف الشامل لخصوصية امتيازه في عليائه، فكثرت الدراسات، وتعددت الوجهات في القديم والحديث، بحيث لا يعرف كتاب ظفر بمثل هذه الدراسات لبيانه مثل القرآن، فضلاً عما يدرس جوانبه الأخرى من علومه وفنونه، إجمالاً وتفصيلاً.

لكن هذه الدراسات كلها قد قرر أصحابها أنها لا تحيط بإعجاز القرآن، ولا يملك أحد ولا أهل عصر الإحاطة بجوانب الإعجاز في القرآن، لعظمة إعجازه، واتساع بحوره، فهو معجز وفق أي مقياس فني صحيح، يسير عليه أهل العلم بالبيان والذوق الرجيح، وذلك إعجاز للقرآن فوق إعجازه.

وقد حمل الأخ الباحث الدكتور محمد صادق درويش همَّ الإسلام، واشتغل باله كثيراً بما نشر من كتابات عن إعجاز القرآن الكريم، وما في بعضها أو كثير منها من تحريف لمفهوم الإعجاز، وامتد طموحه إلى هذا العنوان الكبير:
((إعجاز القرآن الكريم في معارف المتقدمين ونظريات المتأخرين))
فشملت دراسته نظريات الأئمة المتقدمين، مثل الجاحظ، وابن قتيبة الدينوري، والرماني، والخطابي، والباقلاني، والجرجاني، وأبي هلال العسكري، وغيرهم.

وتناولت نظريات المعاصرين في تفسير إعجاز القرآن، مثل إعجاز النظم الموسيقي، والتصوير الفني، وفن القصة، والانزياح، وغيرها.

وقد قام بعمل ضخمٍ في هذه الأطروحة؛ إذ بين فيها بالتحقيق توافق النظريات الصحيحة بعضها مع بعض، ومن ثم وسع نظرية النظم الشهيرة للعلامة عبد القاهر الجرجاني في الإعجاز، ليجعلها نظرية شاملة جميع النظريات الأخرى، التي يُتوهم أنها تعارض نظرية النظم، وبذلك خرج بنظرية جديدة قديمة، قديمة في أصلها عند عبد القاهر الجرجاني وغيره، جديدة في شمولها النظريات الأخرى.
على أن الباحث المحقق الدكتور درويش لم يكتف بالدراسة العامة، بل دعمها بدراسات تفصيلية بجوانب من أسرار البلاغة والبيان المعجز في القرآن، من جوانب البلاغة عند القدماء، مثل: المفردة وخصائصها وتميزها بإيحاءاتها ودلالاتها ضمن النظم وخصوصاً موقعها في نهاية كل آية والفصل بها، وكذا الجملة القرآنية وأسرارها، كالتقديم والتأخير، والحذف والذكر، والتكرار وتصريف القول، والتشبيه والاستعارة، ونحو ذلك.

ومن جوانب البحث الأدبي عند المعاصرين الحدثاء، مثل: التصوير الفني بأنواعه (بالتجسيم والتشخيص والحركة والصوت)، وموسيقى النظم القرآني وأسبابه (تناسب الأصوات، والمقاطع الصوتية، والتوازن في المقدار، والفواصل)، وأسلوب القصة الفني، والانزياح في خروج القرآن عن المألوف في المفردة والجملة والأسلوب، والسورة القرآنية وخصائصها مثل وحدة موضوعها وتناسب آياتها وخصائص المفردة والجملة فيها، مع التدليل على شمول الإعجاز للسور القصار بالدراسة التطبيقية لسورة الكوثر، وبيان اشتمالها على ثمان وثلاثين لطيفة بلاغية بيانية (شملت كثيراً من أبواب البلاغة، مثل: التقديم والتأخير، والحذف والذكر، والفصل والوصل، والقصر والحصر، والتعريف والتنكير، والتأكيد والتعليل، وإيثار لفظ على آخر مما يرد توهم الترادف بينهما، وعلاقة السببية، والجملة الاسمية والجملة الفعلية ودلالتهما، والحكم والأمثال، والعموم والخصوص، والمجاز بالقصر والحذف، والتكرار والعظمة، والصيف الصرفية ودلالتها، والتغليب، واستعمل الماضي بدل الحاضر والمستقبل لتحقق الوقوع أو للتغليب، وإيثار الوصف على الاسم، والاكتفاء، والتعريض، والالتفات، والتشريف، وإثارة العاطفة، ودلالة الالتزام، والتسلية، وغير ذلك، مع ما تحمله السورة من قضايا تربوية اجتماعية وأدبية، وما تميزت به من تصوير فني ونغم عذب وتناسب في الأصوات وخلوها من عيوب الكلام، وتوازنها في المقدار وحسن التقسيم، وتآلف ألفاظها، وكونها من جوامع الكلم المعجز، وإقناعها العقل وإمتاع العاطفة، وكذلك ما فيها من الإعجاز العلمي والتشريعي كقضية نحر الإبل، والإعجاز الخلقي، والغيبي، ومظهر جلال الربوبية.

بالإضافة إلى عناية الباحث بالدراسة التفصيلية لوجوه متعددة كالإعجاز الغيبي والتاريخي والتشريعي والخلقي والعلمي والنفسي.

على أنه يقف من المادة الضخمة التي بين يديه موقف الربان الماهر في توجيه السفينة، فينقد هذه المادة، ويميِّز صحيحها من سقيمها، لا سيما ما قد يبهر بعض القراء من التوجهات والآراء، فلم تبهرج عليه أضواء ادعاء التجديد ما يغطي عليه الحقيقة، بل راح يكشف الستار عن دَخَلِها بعين الناقد البصير، وذوق الأديب المرهف الرقيق.

ومن أوضح الأمثلة على ذلك مناقشته الدقيقة مزاعم الإعجاز العددي في القرآن العظيم، هذه الدعاية التي تُحول القرآن العظيم، من إعجازٍ بأسلوبه ومعانيه، إلى حسابات غير منضبطة، تتجاهل معها علوم اللغة العربية ومقاييسها، وعلوم الشريعة ومعاييرها، ومفاهيم العقول وأحكامها.

وقد كان من عناية الدكتور محمد صادق درويش أن دخل في دراسته الجانب الميداني الواقعي، فحاكم البحوث المكتوبة على الحقيقة الواقعة، وكشف زيف التخرّص عند الأدعياء، بل سعى والتقى بنفسه من أمكنه لقيه منهم، وأفحمه بالحجة والبرهان.
كذلك جدير بالذكر لنا موقفه من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وقد فُتن به أناس وجعلوه علماً يُفسَّر به القرآن، وهو ليس بعلم ولا ثبوت له، فعرضوا الناس للشك في القرآن عياذاً بالله.

إن العلوم الحديثة بأنواعها عرضة للتغيير والتبدل، ويقرر العلماء أن كل عشرين أو خمس وعشرين سنة يظهر جيل جديد، ويظهر معه كشوف جديدة، والقرآن هو الأصل الذي تحاكم عليه العلوم، فما أعظم الغلط ممن يجعل الأصل فرعاً والإمام تابعاً.

وهكذا كان موقف الدكتور محمد صادق درويش حكيماً عدلاً، لم يفتح الباب على مصراعيه، فيدخل في إعجاز القرآن أو تفسيره ما ليس منه، ولا أغلقه بالكلية، وقد فعل ذاك أقوامٌ وهذا أقوام، لكنه التزم معايير البحث العلمي، وقواعد التفسير، وأرجع الأمر للقرآن نفسه، فهو الذي تدين به الدنيا بتقدمها العلمي والحضاري، فما كان من الكشوف والقضايا ثابتاً حقاً ولا يتبدل يمكن النظر في مطابقته للقرآن، من دون تكلف ولا تعسف في تفسير القرآن، وإلا فالقرآن كلامٌ معجز، وهو حسبنا معجزة، لا تعد جوانبها ولا تحصى.

وأقول في هذه المناسبة: إن بعض الإخوة ربما يعز عليهم سبق الأجانب العلمي للمسلمين فكأنهم يريدون التعويض عن ذلك بادعاء سبق القرآن لهم، لكن ما هكذا تؤتى القضايا مهما كانت يسيرة، فكيف بما هو أشد خطورة، ألا وهو القرآن الكريم، وإعجازه المكين.

إن هذه الأطروحة تعدُّ بحق موسوعةً في إعجاز القرآن، جمعت ووفقت نظريات القدامى والمحدثين، وكل واحدة منها رسالة بحد ذاتها، ونقدت المادة الحافلة في اختصاصها، لتقدم درساً جديداً محققاً في إعجاز القرآن، جديراً بأن توليه أخي القارئ كل العناية والاهتمام.
 

وكتبه: الأستاذ الدكتور: نور الدين عتر
رئيس قسم علوم القرآن والسنة سابقاً في كلية الشريعة بجامعة دمشق

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين