علماء الإسلام في الأندلس -3-

 

علم الكلام:

كان أهل الأندلس على سنة السلف حتى اتسع البحث في العقائد وحدثت فيها مذاهب، فاقتدوا بأصول أبي الحسن الأشعري، وكانوا يدرسون بالطبيعة ما يؤلفه علماء الشرق كأبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي الجويني، وأبي حامد الغزالي، ولم تكن مؤلفات علماء الأندلس في هذا العلم بمقدار مؤلفاتهم في التفسير والحديث والفقه، وقد اعتذر ابن حزم عن قلة تصرفهم في هذا العلم بأن بلاد الأندلس لم تختلف فيها النِّحل ولم تتجاذب فيها الخصوم أطراف الجدال والمناظرة، ثم قال: فهي على كل حال غير عرية من هذا العلم.

وجد في الأندلس طائفة كانت تذهب مذهب المعتزلة وتنظر على أصولهم مثل خليل بن إسحاق ويحيى بن السمينة وموسى بن جدير وأخوه الوزير أحمد، وكان هذا داعية إلى الاعتزال لا يستتر بذلك، إلا أنهم كانوا فئة قليلة لم يبلغ من شأنهم أن يجعلوا قرطبة كبغداد تعقد فيها مجال المناظرة بين علماء الكلام على اختلاف مذاهبهم وآرائهم.

ومن علماء الأندلس الذين بحثوا في الكلام بنظر مستقل أبو محمد بن حزم، وهذا كتاب: (الفصل في الملل والنحل) يتحر فيه نحو المجتهد المطلق، فقد يخالف الإمام الأشعري وغيره من أهل السنة، ويرد تارة على المعتزلة، وينقض مرة آراء الفلاسفة.

علماء الأندلس والفلسفة:

يتقبل الدين الحنيف علوم الأرض وعلوم السماء على تباين أسمائها واختلاف موضوعاتها، فكان علماء الأندلس ممن قدروا علوم الفلسفة وأضافوها إلى ما عندهم من فقه أو حديث، وقد كان الأمير عبد الرحمن الأوسط يجمع بين علوم الشريعة والفلسفة، وهو أول من درس الفلسفة من أمراء الأندلس وتظاهر بها، وكان أبو عبيدة بن أحمد- الذي يقولون: إنه أول من اشتهر بعلم الأوائل- صاحب فقه وحديث، وكان أبو الوليد بن هشام من حفاظ الحديث، ويصفه مؤرخو الأندلس بأنه كان أعلم الناس بالهندسة وآراء الحكماء، وما كان أبو بكر بن الطفيل وأبو الوليد بن رشد إلا من رجال الدين، وكان كل منهما يعمل لبيان أن الفلسفة الصادقة لا تناقض الشريعة في حال.

وأما ما أصاب الفلسفة وبعض الفلاسفة من مقت أو أذى فتبعته ترجع إلى استبداد بعض الأمراء أو جهالة بعض السوقة أو حماقة بعض المنتمين إلى الفلسفة حيث يطيشون من بعض طرقها المظلمة إلى تخبط في القول وزندقة، ويحاولون إغواء النفوس الزاكية، وإلقاءها في تهتك وتخاذل وشقاء.

الذين يستضيئون بحكمة الإسلام شأنهم أن يبحثوا ما تحتويه علوم الفلسفة ويزنوه بقانون المنطق الصحيح، فيقرّوا ما قام الدليل على صدقه، ويطرحوا ما كان زعماً باطلاً، أو افتراضاً لا يتكئ على حجة. وفي علماء الأندلس من استضاءوا بحكمة الإسلام وخاضوا غمار الفلسفة على بصيرة فكانوا المثل القيم يشهد بأن الفلسفة التي هي بنت الحجة، لا تتعاصى أن تجتمع مع مبادئ الإسلام في نفس واحدة.

انظر : الحلقة الثانية هـــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين