الحرية وحدودها

??الحدود للحرية على مستويات

1. حدود تصنعها القناعات الشخصية "وهذه لازمة لصاحبها لا تتعدى لغيره"

2. حدود تصنعها المجتمعات من خلال "معتقدات - أعراف وعادات - مواثيق واتفاقات".

3. حدود يصنعها القانون الذي تضعه سلطة، وهذه السلطة إما أن تكون بعقد مع الناس أو بالتغلب والقهر.

4. حدود بيد الخالق سبحانه لا يستطيع أحد تجاوزها "وهذه هي قوانين حتمية وضعها الخالق سبحانه ولم يعط فيها الاختيار لأحد فهم بجبروت وكبرياء وعظمة الخالق خاضعين لهذه الحدود" ولا يسعى للانعتاق منها إلا الملاحدة الذين لا يؤمنون بخالق، واللادينيون الذين لا يؤمنون بالرسائل.

??إذا عرفنا ما سبق ..

فإن مدار حديث التنظيمات الإسلامية هو:

أين تقع محددات الحرية في ديننا الحنيف؟ في أي المستويات؟

??الجواب:

هي في جميع تلك المستويات:

فعلى مستوى الشخص هناك ضوابط للحرية في شرعنا لا ضابط لها إلا القناعة والالتزام الشخصي (مثال: الغيبة - الكذب ... إلخ) وقد تدخل في مستوى آخر إن ترتب عليها تعدي في الضرر يستوجب انتقالها لمستوى آخر.

ومن القناعات الشخصية الإيمان والكفر، وأما الارتداد عن شيء بعد اعتناقه مختارا "كمثال ما يعرف بالارتداد عن الإسلام" فتلك مسألة أخرى لها نقاش مستقل ليس هنا مقام بسطه

وعلى مستوى الحدود التي يصنعها المجتمع فقوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وكثير من القواعد والأصول الشرعية الموجبة لمراعاة العرف والعادات مالم تعارض كلية من كليات الشريعة أو ثابتا من ثوابتها المرسلة في جميع الأزمان والأماكن والأحوال في الأشخاص.

وعلى حدود القانون والسلطة فمعلوم من خلال السلطة الشرعية وهي هنا على عدة أوجه:

1. واجبة: التعاقد مع المجتمع لسياسته وقيادته بالقانون والسلطة "فالإمارة والسلطة عقد إجارة بين الحاكم والمحكوم" وهذا يقتضي الاختيار.

2. محرمة: التغلب والقهر على المجتمع رغبة في الحكم والسلطة سواء من شخص أو مجموعة

3. جائز وقد يصل للوجوب: ما جاء بسبب أوضاع غير عادية اقتضت أن يرتكب أهل الاختيار والكلمة والشوكة نوعا من التغلب "المحرم" لاستلام السلطة والحكم لدفع ضرر أكبر لا يمكن اندفاعه إلا بذلك.

وهذا النوع مزلة أفهام كل من خبص واضطر وضل باسم تحقيق مصلحة كبرى أو دفع مفسدة راجحة، فلم يحقق المطلوب بل صار رصيدا في سحق المصالح الكبرى وتكريس المفاسد وفشوها!!

والضابط لمثل هذا النوع:

- أن يكون باجتماع الشوكات الكبيرة التي باجتماعها لا يوجد من يقف في وجهها وبالتالي لا يخشى من فوات المصلحة المراد تحقيقها أو المفسدة الراجحة المراد درؤها. فيمكنهم بذلك استتباب الأمن واستقرار السلطة بيسر وبدون مفاسد عظيمة وبدون فوات مصالح كبرى.

- ألا يكون القائم على هذا الأمر أفرادا وجماعات من "مجهولي العين - أو مجهولي الحال - أو ليسوا بذي مكانة بين الناس - أو ليسوا جامعين لصفات يشهد لهم بها من المجتمع؛ كالقوة والرشد في العقل والرأي والهيبة.

- ألا يكون في ذلك استباحة دماء معصومة ولا إراقة دماء كثيرة ولا فوضى مجتمعية.

??من جميع ما سبق تبرز لدينا قضية ما يغيب عن المجتمعات من فضائل، أو غربة المتصفين بها بين أهلهم ومجتمعهم. ولا سبيل هنا للإكراه نهائيا، لا بالسلطة ولا بغيرها فإن الفضائل إذا غابت في المجتمع كانت مهمة إعادتها راجعة للمصلحين والعلماء ومسموعي الكلمة بالبناء القيمي المتراكم.

وإن حاول الحاكم إكراه المجتمع على ذلك فيكون قد ارتكب خطأ فادحا وسيقع في أحد الأحوال الآتية:

1. أن يفقد القانون هيبته بعجزه عن منع المجتمع من فعلها (ولذلك عادة ما تدرس الحكومات إمكانية ذلك).

2. أن يتمكن من منع مظاهره ولكنه سيولد مفاسد أكبر تتعلق بجرائم قد ترتكب مجتمعيا، وتطفو على السطح مفاسد بسبب إكراه المجتمع فجأة على أمر لن يستطيعوا التخلص منه.

ولكم بالتدرج في منع الخمر في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبرة ودرس، فالخمر لم يكن حلالا ثم صار حراما، بل هو حرام في ملة إبراهيم، وليس في الآيات ذكر لكونه كان حلالا ثم حرمه الله. إنما كان الخطاب القرآني محددا في تسلسل منعه وحظره حتى وصل الخطاب إلى (فاجتنبوه).

وهذا منهج رباني نبوي في سياسة نهضة وحضارة وأخلاق المجتمعات.

3. أن يثور المجتمع على الحاكم فيفقد الحاكم سلطته أو يفقد المجتمع استقراره في اقتتال أو فوضى لتنهار الدولة والمجتمع.

??الحرية مهمة جدا ولا تتعارض مع وجوب ضبطها من خلال الشريعة وما تدعو إليه، لكن مصيبتنا معاشر قومنا هي في التخليط والتخبيص في كيفية السعي لذلك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين