المصلِح المنتظر بين دور الفرد والأمة

احتدّ الجدال وطال النقاش وفي النهاية انفضّ المجلس بالقناعة الراسخة “لن تعود الأمة لسالف عهدها إلا بخروج المهدي!”.

هذه القناعة المتجذرة لدى شريحة واسعة من الناس العوام وحتى المثقفين باتت تشكل عائقا ثخيناً أمام نهضة الأمة، وباتت مبرراً للقعود والتقاعس عن العمل بدعوى أن كل الجهود ستذهب سدىً قبل ظهور المهدي المنتظر.

فما هو الحق في هذا الكلام، وكيف لنا أن نصل لذلك الزمن؟ وكيف نساهم في تسريعه؟

ولنتساءل طالما أن المهدي سيحقق العدالة والعزة فلم ظهرت حركات الإصلاح في التاريخ الإسلامي؟! لماذا تعب عماد الدين زنكي لينشئ جيلاً كان منه صلاح الدين؟! ولماذا كان سيف الدين قطز والظاهر بيبرس؟!

نعم قد تكون أحاديث المهدي قد بلغت التواتر لكن لم يكن ذلك ليجعل المسلمين مستكينين لذلهم عبر التاريخ فالأحاديث المستقبلية والغيبية ليست للتعبد وإنما للإخبار ولا يُفهم منها أن يقف المسلم على أطلال الماضي منتظرا من يأخذ بيده نحو القمة وهو جالس على عتبة بيته أو مستلقيا على أريكته.

ولذلك فلا بد من أن تدرك الأمة دورها في عملية الإصلاح والنهوض كما أن على الفرد أن يأخذ دوره في تحقيق ذلك من خلال العمل الجاد والجهد المستمر فتتحمل الأمة كما الفرد المسؤولية ويتقاسمانها فلا يفرط أحدهما بالمهام المنوطة به.

والمصلح الفرد تأتي به العناية الإلهية ولكنها لا تأتي به من خارج الأمة وتختاره ممن يحسون بحاجة الأمة إلى الإصلاح والتغيير ويحملون هموم أمتهم على كواهلهم ويملكون من القدرات ما يؤهلهم لهذه المهمة الصعبة التي لا يقوى عليها إلا المتميزون والقادرون والمتفوقون على ذواتهم والمستعلون على واقع أمتهم السيء.

أما الأمة فلا تفتر ولا تتوهم أن مهمتها تنحصر في انتظار البطل الأسطوري الذي تأتي به العناية الإلهية.

فالتاريخ لا يقف مكتوف الأيدي ينتظر استفاقة المسلمين على يد المصلح المنتظر بل لا بد من عوامل وأسباب متراكبة للوصول لتلك المرحلة من العزة.

والنصوص تتوارد لتحضنا على العمل حتى آخر لحظة في الحياة

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليفعل) فأين الانتظار؟ إنه العمل الدؤوب المتقن لأن الفرد يجب أن يعرف ما عليه وما هدفه وإن خفي القدر فالهدف يجب أن يكون واضحاً وإلا يكون ذلك الفرد قد ضل الطريق وجهل المراد.

فالأمة التي تفرز المصلح المخلص لن تكون أمةً راقدة، والبطل الذي سيأتي لن يكون بمقدوره تغيير الحياة والموازين إن لم تسانده أمته، وكم من أمثلة لمصلحون لم يلاقوا قبولاً فلم يكن لهم تأثيرا في الأمة والتاريخ.

إن طريق الخلاص للأمة وعبور النفق الذي ترقد فيه لن يكون بانتظار المهدي ولا غيره إنما بالعمل، العمل الذي يوزع المسؤولية على الفرد والأمة.

فالأمة تقدم المساندة وتبذل الوسع لإنشاء جيلٍ واع قادر على أن يقودها بما يمتلك من صفاتٍ تؤهله لذلك وعلى الفرد أن يسعى جاهداً لأن يخرج من إطار ذاته ويوسع اهتماماتِه ويمدّ في أفق وعيه ليكون سنداً لأمته.

فأي مصلح لا يقوى على الإصلاح ما لم تسانده بطانة تحب الحق وتبحث عن العزة، وكذلك فإن أي مفسد ودجال لا يقوى على التخريب ما لم تتبنّه أمة تهوى العبودية وتركن للذل والهوان وتحيد عن الحق وتستهجنه.

المصدر: موقع حبر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين