إدارة الأوقاف في سورية- الواقع المشكل وخطط مقترحة للإصلاح/ جامعة حلب
شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في (الندوة الدولية عن الأوقاف) التي أقامتها مديرية أوقاف حلب بالتعاون مع جامعة حلب وجامعة غازي عنتاب في الفترة من 21-24/12/2009 على مدرج إيبلا في كلية الآداب.
وقد قدم الدكتور عكام ورقة بعنوان: (إدارة الأوقاف في سورية- الواقع المشكل وخطط مقترحة للإصلاح) ألقاها في الجلسة الأولى يوم الخميس 24/12/2009 بالنيابة عن سماحته الدكتور محمد ماهر قدسي من كلية الشريعة بجامعة حلب، وفيما يلي نص الورقة:

إدارة الأوقاف في سورية- الواقع المشكل وخطط مقترحة للإصلاح

إشكالية الأوقاف وزارةً ومديريات

1 - لعل جمع الاستثمار المالي والشؤون الدينية معاً في مهمة وزارة الأوقاف يؤدي إلى انفصام في الوجهة، فالوزير أو المدير - وهو غالباً ما يكون رجل علم شرعي - سيتولى رعاية ما ليس له به خبرة، وهو الأراضي والبناء والاستثمار ومن أجل الحرص عليه فستغلب رعايته على مهمة الوزارة أو المديرية الأولى، ألا وهي تنظيم الشؤون الدينية في القطر، وهذا ما يحدث، ... هذا أولاً.
2 - إن العاملين الدينيين من أئمة وخطباء ومؤذنين وخدّام ليس لهم صفةٌ وظيفية قانونية، فهم لا يخضعون لقانون الموظفين ولا لقانون العاملين الموحّد، وهم - وحسب معرفتي - أصحاب جِهة، هكذا وردت تسميتهم في نظام الأوقاف، وهذا ما يُشعرهم بالغربة عن سائر الموظفين والعاملين في الدولة، وكذلك عن الدولة ذاتها.
3 - أما خُطب الجمعة: فليس لها مرجعية في وزارة الأوقاف، وبالتالي فالخطباء يعملون كلٌّ على شاكلته، ومرجعهم الوحيد في الوضع الراهن هو المفتشŒ في المديريات، والمفتش غير قادر بمفرده على إدارة دفّة خطبة الجمعة في مدينة كبيرة كدمشق أو حلب أو حمص، ولاحتى في مدينة صغيرة، لأنه وفي نفس الوقت مسؤول عن الأئمة والمؤذنين والخدّام.
ولهذا ترى كل خطيب أو إمام يتصرف بهدي وبوحي من نفسه وذاته، أو من شيخه إن كان له شيخ، أو من جماعته إن كان له جماعة، أو من وحي أصدقائه في الدولة من رجال أمن أو حزب أو...، الذين يدعمونه بحق أو بغير حق لدى الوزارة المعنية أومديرياتها، والأمثلة على ذلك وفيرة كثيرة...
وكل خطيب أيضاً يتناول الموضوع الذي يرتأي، وقد يعالجه معالجة سيئة فيسيء من حيث يدري أو لا يدري إلى الأوقاف أو الدين، ولو أن خطبة الجمعة باعتبارها - المظهر العلمي الديني الفكري للبلد - وُجِّهت لها العناية لكوَّنت رأياً وتياراً زاخماً، كان له دوره في المناسبات كافة. ولكن الحال القائم يشير إلى أن كُلاً يغني على ليلاه، وليلى ذاك تختلف عن ليلى هذا !.
4 - بعض الخطباء، وكذلك الأئمة، غدوا نتيجة استمرارهم في نفس المسجد أوالجامع عدداً كبيراً من السنين، أصحاباً لهذه المساجد أو الجوامع أو بالأحرى غدت مساجدهم وجوامعهم ممالك، يتصرفون وكأنهم الأسياد المطلقون فيها، وربما حرصوا على توريثها لأولادهم، وهذا ما يجعل الحي الحاوي لهذا المسجد أو لذاك الجامع موسوماً بسمة الشيخ الإمام أو الخطيب، وأضحت البلد - جغرافياً - بناء على ذلك تكتلات مشيخية، وأصاب التكتلات من الوهن والضعف ما أصاب التكتلات العربية بشكل عامّ.

خطة إصلاحية مقترحة لوزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية
 مدخل: المديريات التي تتكون منها الوزارة:
1 - مديرية الأملاك: وهي الممتلكات الوقفية المنقولة وغير المنقولة.
2 - مديرية الشؤون الدينية.
3 - مديرية شؤون الحج والعمرة.
الباب الأول - مديرية الأملاك الوقفية:
وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الإفادة في التنظيم والإدارة من بعض المؤسسات والإدارات الوقفية في عالمنا العربي والإسلامي اليوم، والتي أثبتت نجاحاً اجتماعياً واقتصادياً ملحوظاً، ونذكر من هذه المؤسسات على سبيل المثال "الأمانة العامة للأوقاف في الكويت"، فهي واحدة من جملة مؤسسات وقفية تستحق الإشادة بنشاطاتها وجهودها وآثارها الطيبة.
ولعلَّ أهم ما يجب لحظه هنا: أن تكون الأوقاف من حيث الموازنة المالية والنظام الإداري مستقلة عن "الدولة"، لأنها - أعني الأوقاف - في أصلها فعلٌ إنساني خيري يتجه في مسار خاص وبعزل عن مسار الدولة العام، وهي أشبهُ - اليوم - بما عليه الجمعيات الخيرية من حيث دافع التأسيس والنظام الداخلي والأغراض والغايات.
ولقد حدث ما حدث للأوقاف من سوء يوم أضحت إدارةً من إدارات الدولة، وطبقت عليها قوانين الدولة المالية والإدارية، ولم تعد تعتبر شروط الواقف التي هي بمثابة حكم الشارع.
وها نحن أولاء هنا نضع المنطلقات العامة لنظام وقف يتكفل برصف تفاصيله أكفاء، وتعتمده الوزارة بعد أن يُقر مرسوماً أو قانوناً من قبل أولي الأمر.

أما المنطلقات فهي:
1- جميع أعمال هذه المديرية (مديرية الأملاك الوقفية)، تخضع لرقابة وضوابط وتدقيق شرعي وإداري ومالي.
2- المحافظة على الأصول الوقفية واستثمارها وتنميتها وفق سياسات مأمونة العواقب تحقيقاً لعوائد استثمارية متنامية.
3- الالتزام بتنمية الدور الأهلي للوقف فكراً وممارسة.
4- الأخذ بما هو حديث ومتطور من التطبيقات الإدارية والتقنية.
5- التعاون مع جهات العمل الخيري لتنسيق جهود الخير في دعم تنمية المجتمع.
6- العمل على استقطاب الواقفين بالحكمة والموعظة الحسنة والعلاقة الأخوية، عبر مكتب يسمى مكتب العلاقات الاجتماعية.
7- المراجعة الدورية للمنطلقات لمراعاة المستجدات.

الباب الثاني - مديرية الشؤون الدينية، وفيها:
1 - الأئمة والخطباء والمدرِّسون.   
2 - المؤذنون والمنشدون والمقرئون.
3 - العاملون.
الفصل الأول - الأئمة والخطباء والمدرسون:
الفرع الأول - شروط الأئمة:
1 - أن يكون الإمام حافظاً لكتاب الله حفظاً متقناً، ومجازاً بالإقراء، ويمتَحن من أجل ذلك، ويمكن أن يُتساهل في هذا الشرط ليكون حافظاً لعشرة أجزاء على الأقل مع الإتقان.
2 - أن يكون حائزاً على شهادة مرحلة التعليم الأساسي على الأقل.
3 - يخضع المرشح لمسابقة انتقاء من أجل التعيين.
4 - أن لا تقل سنُّه عن العشرين، وأن لا يكون متجاوزاً الستين إبان التعيين.
5- تعد وظيفة الإمامة وظيفة رسمية في الدولة، وينطبق عليها كل صفات الوظيفة القانونية... من حيث الراتب والتقاعد والتأمينات المختلفة وسواها.
الفرع الثاني - شروط الخطباء:
1 - أن يكون الخطيب حافظاً لخمسة أجزاء من القرآن الكريم على الأقل.
2 - أن يكون حائزاً على شهادة الثانوية الشرعية على الأقل، أو على شهادة كلية الشريعة إن كان ذا شهادة ثانوية عامة.
3 - يخضع لمسابقة كمسابقة انتقاء المدرسين من أجل التعيين.
4 - أن لا تقل سنُّه عن العشرين وأن لا تزيد على الستين إبان التعيين.
5- تعد وظيفة الخطابة وظيفة رسمية في الدولة لها ما لكل الوظائف، وعليها ماعلى كل الوظائف كذلك.
الفرع الثالث - المدرسون:
1 - ومهمتهم التدريس في مساجد القطر في أوقات مختلفة، لتوعية الناس وحثهم على التزامهم بقواعد الدين والأخلاق والفضيلة ورعاية الوطن.
2 - ويشترط في المدرس:
أ - أن يكون حاصلاً على شهادة الإجازة في الشريعة، أو ما يماثلها من أصول الدين ودراسات إسلامية.
ب - أن يخضع لامتحان انتقاء مدرسين، ضمن مسابقة تعلن عنها وزارة الأوقاف.
3 - وتشكل لجنة لوضع منهاج عام سنوي للمدرسين يلتزمون به التزاماً دقيقاً، وهذه اللجنة تضم مختصين في الشريعة والقانون والتربية والطب، وإذا ما شكّلت فسنقدِّم لها مقترحات منهاجية في حينها.
الفرع الرابع - معاهد التأهيل للأئمة والخطباء:
1 - تؤسس وزارةُ الأوقاف (مديريةُ شؤون الأئمة والخطباء والمدرسين) معاهدَ تقوية وتدعيم تأهيل للأئمة والخطباء والمدرسين، ومدارس لحفظ القرآن الكريم (معاهد الأسد).
2 - تؤسَّس معاهد تقوية وتدعيم تأهيل للأئمة والخطباء والمدرسين في مختلف المحافظات والمناطق والنواحي، وتوضع لها مناهج من قبل لجان تشكّلها وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة التربية ووزارة التعليم العالي ووزارة العدل.
3 - والمهم أنّ هذه المناهج يجب أن تتسم: بروح العصر، ونور الذكر، وسعة الصدر، وقوة الفكر، والتزام الوطن بالوفاء والطهر.
4 - ودورة التأهيل مدتها ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر.
5- تشكل لجنة مركزية، ولجان فرعية في سائر المحافظات للإشراف ومتابعة الخطباء علمياً وفكرياً ووطنياً، وهذه اللجان مخولة بكتابة التقارير الإيجابية والسلبية، ليصار إلى اعتمادها ورقة عمل في معاهد التأهيل والتدعيم، وكذلك من أجل صلاحية استمرار الخطيب أو عدم صلاحيته.
الفصل الثاني - المؤذنون والمنشدون والمقرئون:
يتولى مسؤولية هذا القطاع مختصون شرعيون، وحفظة لكتاب الله المجيد متقنون، وفنَّانون.
الفرع الأول - شروط المؤذنين:
ويُعيَّن المؤذنون وفق الشروط التالية:
1 - أن يكون حاصلاً على شهادة متوسطة.
2 - أن يكون ذا صوت حسن، يُوثِّق ذلك ذوو الاختصاص الفني.
3 - أن يكون ملماً بأصول النغم إلماماً عاماً.
الفرع الثاني - ما يخصُّ المنشدين:
1 - تشكّل للمنشدين روابط وتتقدم الرابطة بطلب الترخيص لتعمل في هذا الميدان، وتسجَّل لدى قسم المؤذنين والمنشدين والمقرئين في وزارة الأوقاف، وتخضع للقوانين الناظمة، وتتقيد بالتعليمات التي تصدرها الوزارة في هذا الشأن.
2 - وعلى كل رابطة في كل حفلة تحييها أن تستصدر إذناً من مديرية الأوقاف في البلد الذي تجري فيها الحفلة، بالإضافة إلى الإجراءات الأخرى المعمول بها سابقاً بالنسبة للموافقات السياسية وسواها.
3 - ويتراوح عدد المنشدين في كل رابطة من خمسة إلى عشرة.
الفرع الثالث - أعمال المقرئين:
وهي في ثلاث شعب:
الشعبة الأولى: قراء المساجد.
القراءة في المساجد في أوقات محددة، كـ: قبل صلاة الجمعة، وبعد بعض الصلوات في سائر أيام الأسبوع، وهؤلاء يسمون بقسم قرَّاء المساجد، ويشترط في هؤلاء ما يلي:
1 - أن يكون حافظاً لكتاب الله متقناً مجازاً.
2 - أن يكون ذا صوت حسن.
3 - أن يكون حاصلاً على شهادة التعليم الأساسي على الأقل.
الشعبة الثانية: القراء في التعازي.
وهؤلاء ينطبق عليهم شروط الروابط الإنشادية، من حيث الترخيص والإذن ومراعاة الظروف وسواها.
الشعبة الثالثة: القراء المعلِّمون.
الذين يقومون بالتعليم في مدارس الحفاظ المذكورة لاحقاً، ويشترط فيمن يتولى التعليم في مدارس الحفاظ:
1 - أن يكون حافظاً على القراءات.
2 - أن يكون حاملاً لشهادة ثانوية على الأقل.
3 - أن يخضع لامتحان قبول من قبل لجنة تشكل في حينها.
الفرع الرابع - مدارس الحفاظ:
1 - تنشأ وتحدث في كل مدينة من المدن السورية مدرسة لحفظ القرآن الكريم أو معهد، تتولى مديرية أوقاف المدينة الإشراف عليه إشرافاً كلياً من حيث البناء والمال والتعيين والترتيب، وهناك نظام داخلي قديم في مديريات الأوقاف يعمل به؛ فهو نظام جيد، ويحتاج إلى تعديل بسيط يتناسب وتطور القوانين العامة في سورية.
2 - وأهم ما نلحظه في هذه المعاهد أن تخرِّج أناساً حفّاظاً لكتاب الله، وقارئين متقنين له، ودوام هذه المعاهد شتاءً وصيفاً وصباحاً ومساءً.
3 - وترفد هذه المدارس أو المعاهد المساجدَ بالأئمة، وكذلك القرّاء في المساجد ووسائل الإعلام، وكذلك قراء التعازي أو روابط القرّاء في التعازي.
4 - وحبّذا لو كانت الدراسة في هذه المعاهد مأجورة أو ممنوحة، بحيث يتقاضى الدارس منحة دراسية رمزية تشجيعاً للناس على حفظ القرآن الكريم وتعلمه.
الباب الثالث - مديرية شؤون الحج والعمرة:
أولاً - هي صلة الوصل بين المواطن وبين وزارة الداخلية (الهجرة والجوازات). فالراغب من المواطنين بالحج يتقدم بطلباته إلى المديرية المذكورة، وليس له من علاقة من أجل الحج إلا معها، وهي التي تتولى استصدار الجوازات بكل المستلزمات القانونية التي تختص بها وزارة الداخلية. هذا أولاً.
ثانياً: تتولى مديرية شؤون الحج:
1 - تنظيم القوافل: والإشراف عليها، واختيار رؤوسائها ومرشديها، وهي التي تحدد الأجور من خلال استشارات ولجان تشكل لهذا الغرض.
2 - تنظم دورات علمية عملية عن الحج كل سنة للمواطنين الذين سجَّلوا وقبلوا لدى الدولة لأداء فريضة الحج، وتجري هذه الدورات بالتعاون مع مدرسي المساجد، وتكون في الثانويات الشرعية، أو في معاهد تأهيل الأئمة والخطباء والمدرسين.
3 - يمنح الخاضع للدورة شهادة (علمية خُلقية) في آخر الدورة، ويمكن على ضوء هذه الدورة أن يُستثنى بعضهم من القبول إن لم يثبت في الدورة جدارةً وأهلية علمية وأخلاقية... وعلى كلٍّ فالأمر مرتهن بالقائمين على الدورة أو الدورات التأهيلية للحج والعمرة.
4 - يكون لمديرية شؤون الحج والعمرة ممثلون دائمون في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أي مكتب لمتابعة الحجاج السوريين والمعتمرين هناك، والإشراف عليهم، وتيسير قضاء حاجاتهم.
5- وهذه الممثلية تضم مندوبين آخرين من وزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة العدل، وهي التي تحل محل البعثة السورية، وبعبارة أخرى فهذا إعادة تشكيل لها، أي للبعثة السورية للحج.
6 - تتولى مديرية شؤون الحج والعمرة إصدار رسائل علمية عن الحج والعمرة، أو اعتماد بعض الكتب الصادرة في هذا الموضوع.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين