ماذا بعد استفتاء كردستان العراق؟ (2-2)

على خلاف إيران فإن تركيا لا تطمع بالعراق ولا بكردستان، وهذه حقيقة أثبتتها الوقائع منذ الغزو الأميركي الذي رفضت تركيا التعامل معه، أو التمدد تحت مظلته، رغم طلب الأميركان منها ذلك، باعتبارها جزءاً من حلف الناتو، وكانت النتيجة استحواذ إيران على العراق عبر ميليشياتها وأحزابها التي أنشأتها على عينها جهاراً نهاراً، بينما خرجت تركيا صفر اليدين، حتى تأثيرها على السنّة ومنهم التركمان انحسر إلى حد كبير في بعض المواقف السياسية والإنسانية المحدودة، وهذا كله يؤكد أن تركيا لم تخطط ليكون لها شأن فاعل في القرار العراقي، بل حلمت أن ترى بجوارها عراقاً موحداً سيّد نفسه تتعامل معه وفق المصالح المشتركة وقواعد حسن الجوار. 

من هذا المنطلق كان تعاملها مع إقليم كردستان في غاية الإيجابية، وكانت العلاقة بين أردوغان ومسعود علاقة صداقة وشراكة إلى اليوم الذي أعلن فيه مسعود عزمه على إجراء الاستفتاء، حيث رأى فيه أردوغان أنه «طعنة في الظهر»، خاصة بعد أن حمل بعض الأكراد المؤيدين للانفصال الأعلام الإسرائيلية، ورددوا كلمات تنال من العرب والأتراك. 

الحقيقة أن حملة الأعلام الإسرائيلية هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، فالشعب الكردي معروف بتدينه وتمسكه الشديد بالإسلام، وهم بلا شك ممتعضون من هذا التصرف أكثر من غيرهم، لكن تخوف الأتراك إنما هو من انتقال العدوى إلى أكراد تركيا، وهنا لا بد من وقفة وهي في غاية الخطورة، ولا بد أن يتنبه لها الأتراك قبل غيرهم أن البديل المتوقع على المدى المتوسط والبعيد في حالة بقاء الأمور على هذه الموازنات أن تكون كردستان العراق تحت هيمنة «حشد المرجعية» والنفوذ الإيراني المباشر، وهؤلاء بلا شك أقدر على تحريك الداخل التركي من مسعود وممّن سيأتي بعد مسعود، ذاك أن إيران قادرØ © على تحريك العلويين أيضاً، إضافة إلى الكرد، وبإمكانيات أكبر مئات المرّات من إمكانيات مسعود. 

إن الحل لا يكون أبداً بإضعاف أو استئصال المشروع الكردي وفسح المجال للمشروع الإيراني بالتمدد مكانه، فهذه ستكون كارثة أخرى تضاف إلى كوارث العراق وسوريا ولبنان واليمن، وستكون تركيا نفسها أكبر المتضررين. 

إن الحل الجذري إنما يكون بالعمل على إعادة بناء دولة العراق وفق أسس وطنية رصينة تشعر جميع المكونات فيه بالاطمئنان على وجودها ومستقبلها، وبخلافه فإنه ليس الكرد وحدهم بل كل المكونات الأخرى، وحتى المحافظات ذات الأغلبية الشيعية كالبصرة مثلاً، والتي تتململ اليوم نتيجة لشعورها بمرارة الظلم، لكن الكرد سبقوا غيرهم بحكم استعدادهم الأولي، ووجود قيادة جامعة وراية واحدة يستظلون بها. 

ربما يرى الكرد أن من مصلحتهم في هذه المرحلة تشجيع العرب السنة والتركمان على تكوين إطار جامع معهم، وهذه أفضل طريقة للنأي عن النزعة القومية أو العنصرية التي أصبحت مرفوضة إلى حد كبير في الأعراف الدولية، كما إنها كفيلة بالتخفيف من مخاوف الجانب التركي. 

وهنا ينبغي أن لا نغفل الدور الأميركي فهو الأقدر بلا شك على رسم الصورة بالطريقة التي يريد، خاصة أنه يمتلك قوات ليست بالقليلة على الأرض، وأخشى ما نخشاه أن يخططوا لتوسيع دائرة الأرض المحروقة والفوضى الخلاقة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين