ماذا بعد استفتاء كردستان العراق؟ (1-2)

لم تضف نتائج الاستفتاء معلومة جديدة بالنسبة للخيار المصيري للكرد، والمنسجم مع تطلعاتهم وثقافتهم التي نشأ عليها الصغير وشاب عليها الكبير؛ فالكرد يشعرون بالمظلومية التي حرمتهم من حقهم الطبيعي في قيام دولتهم القومية، بعد أن تقاسمت القوميات الأخرى تركة الدولة العثمانية في مطلع القرن الماضي، وتم توزيعهم وفق اتفاقية سايكس بيكو بين إيران وتركيا والعراق وسوريا.

هذا الحلم الذي دفع الكرد على طريقه، ودفعت المنطقة كلها، أثماناً باهظة عبر صراعات دموية مع كل الحكومات المركزية في بغداد، يراه الكرد قد بات أقرب للتحقق؛ نتيجةً لضعف حكومة بغداد وانهيار مؤسساتها العسكرية والأمنية، وشيوع فوضى المليشيات والمرجعيات، والفساد الحكومي الذي وصل إلى الحد الذي ينذر بضياع العراق كله.

لقد أثبت الكرد في هذه المرحلة قدرتهم على إدارة أنفسهم بشكل لافت؛ حيث نأوا بكردستان عن تلك الفوضى التي تعصف بكل المحافظات العراقية، بل راحوا يمدون يد العون للحكومة المركزية والتحالف الدولي في الحرب المعلنة على «داعش»، واستقبلوا كذلك مئات الآلاف من اللاجئين والمهجّرين العرب، الذين عجزت حكومة بغداد عن استيعابهم بل عاملتهم معاملة الأجانب ووضعت العراقيل المتعسفة لمرورهم وانتقالهم!

لقد أضاف السيد مسعود البرزاني مبرراً آخر لمشروع الانفصال أو الاستقلال بخطابه الأخير، أن العراق قد أصبح دولة دينية مذهبية لا تقبل بمبدأ الشراكة، مما يعني أن بقاءهم في ظل هذه الدولة يعني ذوبان شخصيتهم أو الدخول في صراع دموي آخر لا حدود له، والمسألة مسألة وقت لا أكثر، فإذا كانت حكومة بغداد لا تملك الآن جيشاً قوياً تفرض به رؤيتها الدينية والمذهبية على الكرد، فإن ما تقوم به مليشياتها في المحافظات العربية السنية يؤكد أنها ماضية في بسط رؤيتها هذه وجعلها أمراً واقعاً.

لكل هذه المعطيات يبدو أن الطريق باتت ممهدة جداً لتكوين القناعة الكافية لدى كل كردي أن الانفصال بات ضرورة بكل المقاييس، وهي ضرورة لا تحتمل التأخير أو التسويف، إلا أن الذي يعترض هذا المشروع إنما هو الموقف الإقليمي المتمثل تحديداً بتركيا وإيران، والذي يظهر -إلى حد الآن- أن الرياح فيه لا تجري بما تشتهيه سفينة الكرد.

بالنسبة لإيران؛ فإن المسألة تبدو أكثر تعقيداً وأكثر قلقاً، فإيران فيها شعب كردي كبير متعاطف جداً مع أكراد العراق، وقد خرجوا بمظاهرات معبّرين عن فرحتهم بالاستفتاء. كما أن أول تجربة انفصالية لدولة كردية كانت في إيران تحت اسم «مهاباد»، وفوق كل هذا أن إيران تشعر أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من ابتلاع العراق كله بما فيه إقليم كردستان، ولذلك فستحاول إيران بكل ثقلها أن تمنع قيام هذه التجربة الجديدة، ولا يبعد أنها ستدخل بقواتها تحت راية الحشد الشعبي أو «حشد المرجعية» في أي صراع محتمل بين إقليم كردستان وحكومة بغداد؛ لأن المعركة الآن معركتها.. وإن اتخذت من الناحية الشكلية صورة أخرى. ويكفي للتأكيد والتذكير التدخل الإيراني العسكري في الساحة السورية، ولا شك أن العراق أولى بالنسبة لإيران من سوريا.

أما تركيا فلها وضع آخر، سنتناوله في الحلقة القادمة إن شاء الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين