مفخرة مدينة حماة وقاضيها الإمام هبة الله بن عبد الرحيم البارزي

 

عندما كنت صغيراً كان والدي رحمه الله يضعنا في الصيف في مدرسة تسمى :  ( مدرسة البارزي ) ، وعندما كبرت قرأت عن هذه العائلة الكريمة وما كان فيها من علماء أجلاء : توارثوا العلم ، وتولوا القضاء ، وكان أشهرهم : هبة الله البارزي الذي يقال عنه : قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها .

وعرفت من خلال دراسة ترجمة هذا العالم الجليل كيف يكون العلم سبباً لرفعة الإنسان وعلو شأن البلدة التي يعيش فيها ، فلقد كانت حماة موئل العلماء وطلاب العلم ليتدراسوا العلم على يديه ، بل إن الإمام النووي رحمه الله على جلالة قدره يقرّ بمكانته العلمية الرفيعة ويرسل من دمشق لحماة بعض كتبه ليراجعها له ويبدي رأيه فيها ، قال العلامة اليافعي في كتابه "مرآة الجنان" في حوادث سنة [738هـ]:

(وفيها مات في حماة قاضيها  ابن البارزي عن (93) سنة ،  وقد بلغني أن الشيخ الإمام محيي الدين النووي رحمه الله تعالى مدحه، وقال: "ما في البلاد أفقه من هذا الشاب، أو نحو ذلك لما رآه"، وبلغني أيضاً : أن الشيخ محيي الدين المذكور كان يعرض عليه ما يكتبه في كتاب "الروضة"، حال اختصاره كتاب الإمام أبي القاسم الرافعي، أعني "العزيز" في شرح "الوجيز"..). 

بل إن العلامة الإسنوي وهو في مصر أرسل للإمام البارزي في حماة أسئلة فقهية من عيون مسائل الفقه الشافعي ، وأجابه عليها في رسالة مستقلة سميت بـ : ( المسائل الحموية ) وقد حققها أخونا الدكتور محمد سرحان التمر ، وحصل بها شهادة الدكتوراه .

وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني : 

( كان الشيخ جمال الدينالإسنوي جهز إليه أسئلة فأجابه عنها ، وأذن له ، وهي أجوبة مشهورة قد ذكر الشيخ جمال الدين بعضها في مصنفاته ) .

#لمحة مختصرة عن الإمام شرف الدين بن البارزي:

#اسمه ونسبه:

هو هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله، الجهني، قاضي القضاة، شرف الدين بن البارزي 

#ولادته ووفاته:

ولد في خامس رمضان سنة 645 هـ بحماه، وتوفي بمدينة حماه أيضا في وسط ذي القعدة سنة 738 هـ.

#شيوخه:

سمع من أبيه وجده، والشيخ عز الدين الفاروثي، والشيخ جمال الدين بن مالك، وغيرهم.

وأجازه الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، والشيخ نجم الدين البادرائي، والحافظ رشيد الدين العطار، وأبو شامة المقدسي، وغيرهم.

#منزلته ومكانته:

انتهت إليه مشيخة المذهب الشافعي ببلاد الشام، وقصد من الأطراف، وكان إماما عارفا بالمذهب، وفنون كثيرة.

#ثناء العلماء عليه:

1- قال الحافظ الذهبي رحمه الله : "كان عديم النظير، له خبرة تامة بمتون الأحاديث، 

وبرع في الفقه وشارك في الفضائل وانتهت إليه الإمامة في زمانه ،  وانتهت إليه رياسة المذهب ، ورحل إليه وكان من بحور العلم قوي الذكاء مكباً على الطلب لا يمل مع التصون والديانة والفضل والرزانة وكان خيراً متواضعاً عرياً عن الكبر جم المحاسن كثير الزيارة للصالحين والخضوع لهم حسن المعتقد ) .

2- وقال العلامة الإسنوي في طبقات الفقهاء : (  كان إماماً راسخاً في العلم صالحاً خيراً محباً للعلم ونشره محسناً إلى الطلبة له المصنفات العديدة المفيدة وصارت إليه الرحلة ) .

3- وقال التاج السبكي كان محباً للعلم حافظاً للفقه محسناً للطلبة ) .

4- قال الحافظ ابن حجر : ( وعظم قدره جداً حتى كان برهان الدين ابن الفركاح يقول :  "اشتهي أن أروح إلى حماة وأقرأ التنبيه على القاضي شرف الدين" ، وكان لا يرى الخوض في الصفات ويثني على الطائفتين ، وكان عنده من الكتب ما لا يحصى كثرة وإذا سمع بتصنيف لأحد من أهل عصره جهز الدراهم واستحثه واستنسخه ، وباشر قضاء حماة بغير معلوم وما اتخذ درة ولا عزر أحداً قط ، وعين لقضاء الديار المصرية فلم يوافق ، وكان عظيم القدر والجلالة ببلده إلى الغاية مع التواضع المفرط ولما مات أغلقت أبواب حماة لمشهده  ) .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين