الموصل واستراتيجية التدمير (1-2)

 

دخلت داعش الموصل، خرجت داعش من الموصل، ليس هناك من جديد ولا خروج عن المألوف، فداعش لم تدخل إلا لتخرج، هكذا هي منذ نشأتها في سلسلة متواصلة في كل المدن التي دخلتها في العراق وسوريا، والصور التي تنقلها وسائل الإعلام في كل هذه المدن متشابهة أيضاً، خراب شامل، وإزالة للمعالم والآثار، وخسائر غير منظورة ولكنها في غاية الخطورة، مثال على ذلك حالة الشعور بالإحباط وانسداد الآفاق لدى عامة الناس في هذه المناطق، لأن داعش في العادة لا تدخل إلا مع وجود مشروع تحرري يلتف حوله الناس، حتى إذا تعلقت آمال الناس به جاءت داعش لتدميره، هكذا كان مشروع المقاومة العراقية ا لذي فتح آمالاً واسعة للعراق والأمة، ثم كان مشروع الحراك الذي شكل منعطفاً آخر يبشّر بالانعتاق من الهيمنة الإيرانية والتغولات الطائفية، وفي سوريا كان هناك مشروع التحرر الفعلي الذي قارب على قطف الثمرة، هذه المشاريع كلها أحبطت بفضل داعش، وإن نظرة واحدة في توقيتات دخول داعش إلى كل هذه المدن بأرتالها وأعلامها وبلا عوائق دليلٌ كافٍ على أن هناك شيئاً ما غير طبيعي يحرك هذا المشهد ويرتّب أوراقه وفق خطة محكمة ودقيقة ومتسلسلة. 

السؤال إذاً ليس عن داعش وما عملت وخرّبت، السؤال عن هذه الاستراتيجية التي لم تعد خافية على أحد. 

لقد كانت تكلفة القضاء على داعش حينما كانت مختبئة في الصحراء أقل بما لا يقاس بتكلفتها بعد احتلالها لهذه المحافظات، وعلى الأقل كان يمكن منعها من احتلال هذه المدن كما منعوها من احتلال مدن أخرى مثل ديالى وسامراء، إضافة للمدن «الشيعية» التي لم تفكر داعش بالاقتراب منها! علماً أن كثيراً من هذه المدن ذات الأغلبية الشيعية لم تكن فيها قوّة عسكرية كتلك القوة التي كانت موجودة في الموصل. 

إننا نتكلم هنا -إلى جانب التوقيتات المريبة- عن حدود على الأرض مرسومة بدقة أيضاً، وهي المحافظات والمدن السنّية حصراً، ولقد كنت أتابع تحرك داعش في مناطق محدودة جداً خارج هذه الخارطة المرسومة مثل اقترابها من مخمور وسد الموصل وسد حديثة وبعض قرى ديالى وأطراف سامراء -وهي كلها مناطق سنّية أيضاً لكن لها وضعها الخاص والمعروف- آنذاك فقط يسارع الطيران الأميركي للتدخل، فتفهم داعش الرسالة وتتراجع، بينما حينما تتحرك لأخذ الرمادي والفلوجة والموصل وغيرها لم تتحرك طائرة أميركية واحدة لمنعها أو تنبيهها على الأقل! بل هناك تقرير مصوّر بثته قناة الجزيرة عن الطريق الاستراتيجي الذي يربط الموصل بالرقة والذي كانت داعش تستخدمه لنقل جنودها وسلاحها ومؤنها بعلم الأميركيين، وحينما سأل المراسل أحد المقاتلين الكرد عن ذلك، أجاب بكل صراحة أنهم لو قطعوا هذا الطريق على داعش لضربهم الأميركيين، علماً أنهم كانوا على رابية مرتفعة ومطلة على الطريق، فلا هم يتعرضون لداعش ولا داعش تتعرض لهم إذا فهم كل طرف حدوده بالضبط! هذا التقرير له شواهد كثيرة يعرفها الناس العاديون في سوريا والعراق، وحركة الميليشيات الطائفية بتقدمها أو تراجعها أكثر وضوحاً في التعبير عن هذه الاستراتيجية، إنهم جميعاً أدوات مختلفة لمشروع واحد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين