حوار مع فضيلة العلامة القدوة الشيخ ملا رمضان البوطي -

بسم الله الرحمن الرحيم
حوار مع فضيلة العلامة القدوة الشيخ ملا رمضان البوطي
رحمه الله تعالى


هذا الحوار الذي نعرضه أمام القراء الكرام اليوم هو ثمرة من ثمار تلك الزيارات المباركة التي دأب الشيخ عبد الكريم الرفاعي عليها , إذ كان يصحب طلابه بين الحين و الآخر لزيارة علماء دمشق و سوريا , فيعرف طلابه على العلماء و الصالحين و يحضهم على الأخذ عنهم و الإفادة منهم و ملازمة مجالسهم , و هذا الحوار الذي بين أيدينا هو ثمرة جلسة مباركة - كان الشيخ عبد الكريم فيها بصحبة بعض كبار طلابه - مع فضيلة الشيخ ملا رمضان البوطي - أحد كبار علماء دمشق و صلحائها - و كانت هذه الجلسة قبل ظهر الخميس في 10/8/1967
س1: كيف نقوي مراقبة الله تعالى في نفوسنا؟
سئل سيدنا علي كرم الله وجهه عن أسباب الكفر فقال: الجفاء – الجهل – الشك – الغفلة.
الجفاء: جفاء القلوب وقسوتها. ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات , ألا فتعرضوا لها , فقلب المؤمن منفتح دائما إذا كان مع الله.
الشك: يجب أن لا يبقى في قلب المرء شك في دين الإسلام, ويزول الشك بالأدلة وكثرة الذكر, والثانية ( كثرة الذكر) أقوى من الأدلة؛ لأنك مهما تعلمت فهناك من هو أعلم منك، لذا فالذكر أقوى.
الغفلة: فالعالم يغفل؛ لأنّ العلم لوحده لا يعطي التنبّه إلا أن يكون في القلب نور الله , لأنّ الله سبحانه وتعالى له غيرة عظيمة , ولا يرفع الحجاب بينه وبين العبد حتى يمزّق العبد نفسه تحت الأقدام في طريق الوصول إلى الله، فينقدح عندها نور الإيمان في قلبه وتذهب الغفلة.
وسبب الغفلة: الشهوات، فلذائذ الدنيا تعطي الغفلة عن الله وعن التمييز بين الحق والباطل, فمثلا نظر النسوة إلى سيدنا يوسف أغفلهنّ عن الألم وقطّعن أيديهنّ, كذلك شباب اليوم يقرؤون للمستشرقين فيعلقون بالكفر لأنّ شهواتهم تغفلهم عن الحق. فالعلم واسطة لمعرفة الله, فإذا لم يستعمل فيما خلق له فلا يستفيد العالم من علمه شيئا بل يتضرر من علمه.
والمقصود من العلم. معرفة الله, ومعرفة العبودية في نفس المتعلم, ولا حول ولا قوة إلا بالله من حال كثير من أهل الدين الذين ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب.
س2: كيف نقوي رابطتنا بالله سبحانه وتعالى؟
إنك تذهب إلى الطبيب لطلب الدواء فيقدم لك دواء مركبا من 30 جزءاً ومن جملة الأدوية:
-مخالطة الصالحين وبكثرة , ( جالس الكبراء , سائل العلماء, خالط الحكماء )
-- تقرأ القرآن مع كثرة التفكر والتدبر.
-- أن يكون لك ورد خاص ولو عشر دقائق في كل 24 ساعة تتفكر في مصنوعات الله , في ذنوبك , في الموت والحشر.
-أن تقوم في وقت السحر فتستغفر وتتضرع وتبكي.
-أن لا تكون دائما شبعان، لأنّ الشبع يعطي قساوة في القلب, بل قسم للنَّفَس وآخر للماء وآخر للطعام.
-أن تقلل أو تبطل زيارة الظالمين الفجار الضائعين عن الطريق, وأن لا تنظر إليهم.
-أن ترى نفسك بعد هذا كله شر الناس. يقول سيدنا علي: ( كن خير الناس عند الله وشر الناس عند نفسك(.
أما كيف تحقيق ذلك في النفس: ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) . هذا هو بلعام بن باعوراء الذي كان عنده الاسم الأعظم ،وكان دعاؤه لا يرد ، فهذا شاهد يدل على أنه لا اعتبار بالمناظر بل بالآثار والأعمال، (إنما يتقبل الله من المتقين ) لأننا لا نعلم سر قبول هذا العمل، فإن نظر الإنسان إلى نفسه بهذا المنظار يعد نفسه شر الناس.
يقول شيخ الطريقة النقشبندية: ( والله إني لا أعد نفسي أحسن من الكافر ) لأنه ربما يهديه الله سبحانه إلى الإيمان ويضلني, هذا بالنسبة للعاقبة لا بالنسبة للحال, لأنّ نظر الصالحين في العاقبة لا في الشيء الحالي؛ لأنّ توفيق الإنسان للأعمال شيء ظني , ولذا كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما : (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) . وكان سيدنا عبد القادر الجيلاني يقول: يا رب إن كنت تريد أن تكرمني يوم القيامة فاجعلني أعمى حتى لا أخجل ممن يحسنون الظن بي.
إنّ أقرب الناس إلى الله أخوف الناس من الله. فأناس نظرهم في سر القضاء والقدر وناس نظرهم إلى الخاتمة.
س3: هل تذكرون لنا أعمالاً تكون سبباً في حفظ الإيمان؟
من أسباب حفظ الإيمان:
• من قرأ بعد الوضوء : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.... كتب في رق ( لوح ) لا ينكسر أبدا إلى يوم القيامة: أي لا يحبط هذا العمل.
يقول الفقهاء: فيه بشارة أنّ من يواظب على هذا الدعاء يموت على الإيمان.
• وهناك حديث أن يصلي ركعتين بعد سنة المغرب ينوي بهما نية الأوابين وحفظ الإيمان يقرأ في كل منهما 6 مرات سورة الإخلاص والمعوذتين ثم يدعو بعد الانتهاء: اللهم إني أستودعك إيماني في حياتي وبعد مماتي ومماتي. قال الشعراني: مما مّن الله عليّ به أنني كنت أواظب على أسباب حفظ الإيمان.
• قراءة سورة ( عـمّ ) بعد صلاة العصر.
إن وفّّق العبد لمثل هذه الأعمال فهذا دليل على الحفظ ؛ ولكن إذا كان قضاء الله غير ذلك فلا يوفق إلى مثل هذه الأسباب.
• وأن نحافظ على آداب الصلاة.
س4-: هل تتفضلون بذكر هذه الآداب؟
للمصلي أربعة أحوال من الآداب:
1-يشكر الله على أن وفقه لأداء هذه الفريضة.
2-الحياء: بأن يستحيي من الله ؛ وذلك أنّه العبد الضعيف المذنب المخطئ ومع ذلك فهو واقف بين يدي العظيم.
ومهما أثنينا على الله وحمدناه فهو أكبر من ذلك، ولا نصل إلى أدنى درجات الثناء. يجب أن تخجل من الله كأنما حضرت وعرض عليك ذنوبك.
قال بعضهم: " أذن لي ودعاني لعبادته فيناجيني أفلا أخجل".
3-الهيبة: تدخل إلى الصلاة وكأنك ترى ربك بعيني رأسك.
4-تتفكر بعد التسليم وتكون خائفا هل قبلت الصلاة أم لا؟ ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) , حينما نزلت هذه الآية قالت السيدة عائشة: يا رسول الله أبعد أن يأتوا المعصية يخافون؟ قال:(لا، بل بعد أن يأتوا بالطاعة يخافون).
س5-: هل من نصيحة تنصحوننا بها؟
إن مصيبتنا في ديننا أعظم مصيبة فما فهمنا من ديننا شيئا مع كثرة العلوم.
إنّ المؤمن يلزمه جناحان: جناح الرغبة وجناح الرهبة, فلا يجوز أن نكتفي بحسن الظن وهو الرجاء بل يجب أن نعيش بين الرجاء والخوف. (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) و( إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
حسن الظن بالله أن تقول: إنّ الله غفور رحيم لكل أحد ، وإنّ رحمة الله قريب من المحسنين. ولكن إذا لم تتعرض لنفحات الله فالذنب ذنبك، حالنا تماما مثل الغني الذي يلقي علينا الذهب ونحن لا نمد أيدينا لنلتقطه، فما ذنب الغني؟؟
إنّ أولياء هذا الزمن أحسن حالاً لأنهم ينالون من رحمة الله أكثر من الأولياء الأولين، فالله سبحانه يرسل رحمته على العباد كلهم فتأتي إلى القلوب المغلقة فلا تدخل وتعود أسهمها إلى قلوب الأولياء المتفتحة لأنّ الله لا يردّ كرمه.
إنّ كل ما يعطيه الله جل جلاله هو رحمة للعباد، فعبد الله بن عمر يقول: ( إنّ الله يعطي الإيمان والأعمال بحسب استعداد الأشخاص) . وكذلك قال مثلها الشيخ محي الدين بن عربي، وأشار سيدنا علي إلى الغفلة والجهل اللذين يكونان سبب عدم الاستعداد.
فنحن نحسن الظن بالله ونسيء الظن بأنفسنا ، إنّ الله يعطي ولكنّ العبد لا يلتفت إليه. أليست الصلاة رحمة؟ والمؤمن يسحب إلى الجنة بالسلاسل ( التكاليف ) فنحن مقادون إلى الصلاة مجبرين, ولو لم يجبرنا على ذلك لما دخلنا الجنة.
والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين