حدث في الثاني عشر من شوال
 في الثاني عشر من شوال من سنة 703 توفي في بلاد قزوين، عن 33 عاماً، القان إيل معز الدين غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنكزخان، وحمل إلى تربته وقبته التي أنشأها خارج تبريز، ومات بعد أن شملت مملكته أذربيجان وخراسان وفارس والعراق والأناضول والجزيرة الفراتية.
نشأ غازان -  وتسميه بعض المصادر قازان – في رعاية جده أَبَـغا الذي حكم 18 عاماً، وكانوا جميعاً على الديانة البوذية، ولما تولى والده أرغون الحكم سنة 683عينه - وهو في الثالثة عشر - نائباً له في بلاد قزوين في شمالي شرقي إيران، وأقام بها عشر سنوات في ظل والده واستطاع حمايتها من هجمات القبائل المغولية المنافسة ومن تمرد نائبه نوروز، ولما مات والده سنة 690 اتفق الخانات وكبراء الأمراء على إقامة كيخاتو أخيه، فأقاموه في المملكة ورتبوه في السلطنة، فلما استقر أمره ونفذ حكمه، أساء السيرة، فمالت طائفة إلى ابن عمه بيدو فملكوه، وقوي أمره وملك العراق وخراسان وقاد الجيوش وجبى الأموال.
وكان غازان في خراسان، فلما بلغه ملك بيدو، جمع بمساعدة نائبه نوروز، من أطاعه من المغول وأهل تلك البلاد، وسار إلى قتال بيدو، وتغلب عليه بعد نزاع دام أشهراً، وأعلن نفسه ملكاً - دون منازع - في سنة 694.
وكان هولاكو ومن بعده يعدون أنفسهم نوابا لإمبراطور الصين، فلما استقر لغازان الحكم تسمى بالقان، وقطع ما كان يُحمل إليهم، وضرب النقود باسمه وطرد نائبهم، وقال: أنا أخذت البلاد بسيفي لا بغيري.
و كان نائبه نوروز مسلما خيِّراً صحيح الإسلام، يحفظ كثيرا من القرآن والرقائق والأذكار، فأقنع غازان أن يتحول إلى الإسلام، فأعلن إسلامه في سنة 694، ونثر بهذه المناسبة الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس، وفشا الإسلام بإسلامه في ممالك التتار، وأظهر العدل وتسمى بمحمود وتلقب بمعز الدين.
وكان إسلام غازان، وسنه 24 عاماً، على يد الشيخ الزاهد المحدث صدر الدين الجويني، إبراهيم بن سعد الله بن حمويه المتوفى سنة 722 عن 78 عاماً، وكان يوم إسلامه يوما عظيما، اغتسل وجمع مجلسا وشهد شهادة الحق في الملأ العام، ولقنه نوروز شيئا من القرآن وعلمه الصلاة وصام رمضان تلك السنة.
ولم يكن هو أول من أسلم من المغول، فقد أسلم قبله سنة 681 عمُّ والده تكودر وتسمّى بأحمد، وبقي تكودر خاناً بعد أبغا لمدة تقارب السنتين قبل أن يثور ضده ابن أخيه أرغون - والد غازان - ويقتله ويتولى الحكم وينقض كل إصلاحاته الإسلامية.
وكان أرغون بوذياً شديد التمسك ببوذيته، وعين يهودياً معادياً للمسلمين في منصب الوزير هو سعد الدولة، واستولى سعد الدولة على أرغون يصرّفه كيف أراد وتحكم في دولته تحكماً زائداً، فحمل له المغول في نفوسهم أمراً عظيماً، ولما مات أرغون أشيع أن وزيره سعد الدولة قد سقاه سُمَّاً، فقتل المغول سعد الدولة وسلبوا جميع أمواله، ومالوا على اليهود قتلاً ونهباً.
وفي سنة 695 تركت مجموعة كبيرة من المغول تعرف بالأويراتية أراضيها وحضرت إلى مصر والشام، والتجأوا إلى الملك العادل كتبغا، وكانوا زهاء ثمانية عشر ألف بيتا، وكان سبب هربهم أن رئيسهم طرغاي، زوج ابنة هولاكو، كان من أنصار بيدو، فلما صار الملك إلى غازان خافه طرغاي على نفسه، فهرب هو وجماعته والتجأوا إلى السلطان المملوكي كتبغا الذي يعود أصله إليهم.
وجاء أمراؤهم إلى القاهرة فتلقاهم النائب والأمراء وبالغ السلطان في إكرامهم والإحسان إليهم، وأمَّرَ عدة منهم، وبقوا على كفرهم، ودخل شهر رمضان فلم يصم منهم أحد، وصاروا يأكلون الخيل من غير ذبحها، وعادتهم في ذلك أن يشقوا صدرها ويقطعوا قلبها، فأنف الأمراء من جلوسهم معهم، فشق ذلك على الناس، وبُلوا مع ذلك منهم بأنواع من البلاء لسوء أخلاقهم ونفرة نفوسهم وشدّة جبروتهم، وكان إذا ذاك بالقاهرة ومصر غلاء كبير وفناء عظيم، فتضاعفت المضرّة واشتدّ الأمر على الناس، وقال في ذلك الأديب شمس الدين محمد بن دينار:
ربنا اكشف عنا العذابَ فإنّا ... قد تلفنا في الدولة الـمُغلية
جاءنا الـمُغل والغلا فانسلقنا ... وانطبخنا في الدولة الـمَغلية
وأما بقية الأويراتية فأنزلوا من أراضي عثليث في فلسطين ممتدين في بلاد الساحل، و لم يُمَكَّن أحدٌ منهم أن يدخل مدينة دمشق، وأخذ الأمراء أولادهم الشباب للخدمة، وتزوج الناس ببناتهم لجمالهم، ثم انغمس من بقي منهم في العساكر، فتفرقوا في الممالك، ودخلوا في الإسلام واختلطوا بأهل البلاد.
وفي سنة 696 أمر السلطان المملوكي المنصور حسامُ الدين لاجين واليَّ حلب بالإغارة على ماردين لثأر قديم بينه وبين صاحبها الملك غازي بن قرا أرسلان الأرتقي، وصادف ذلك هوى لدى والي حلب لوجود خصومة بينه وبين صاحب ماردين، فجهز مجموعة من الفرسان أغارت على ماردين في الثاني من رمضان، وأفسدت فيها فسادا عظيما، وسفكت دماء كثيرة، حتى نهبت جامعها، وتحصن صاحب ماردين بقلعتها، حتى إذ انتهت الغارة ركب على فوره إلى غازان، فلما وصل إليه قربه غازان وأكرمه، وكان الأرتقيون من حلفاء المغول، وعرَّفه صاحب ماردين ما جرى عليه من سلطان مصر وعسكر حلب، وما صنعوه في بلاده، وبكى بين يديه، فتوجع له غازان وأكابر المغول، وصار غازان يكرر ويقول: هذا فعلوه في شهر رمضان؟ وأين الإسلام مع هؤلاء القوم؟ وأخذ يتعجب من فعلهم فإنه كان قريب العهد بالإسلام.
وطلب غازان القضاة والعلماء بتبريز وعرفهم بما صنعوا هؤلاء من الفسق وشرب الخمر في شهر رمضان، وسألهم أن يفتوه في أمر قتالهم أو الغارة على بلاد الشام، فأجابوا أن مثل هذا لا يثبت بكلام فرد شخص، وربما يكون لهم تبرير في ذلك، واتفق رأيهم أن يسيروا رسلاً إلى صاحب مصر يذكرون له ما وقع، ويطلبون منه تفسير ما حدث، وعاد صاحب ماردين إلى بلده وقد اطمأن إلى دعم غازان له، وكانت هذه الغارة من أسباب تحرك غازان إلى بلاد الشام.
وفي سنة 697 قتل غازان أتابكه نوروز وسبب ذلك أن نوروز أحسَّ بما أضمر له غازان من قتله، فكاتب الملك المنصور لاجين، والتمس منه أن يجرد عسكرا ليساعده على الحضور إلى أبوابه، فوقعت الرسائل في يد غازان، فأحضره وقتله، وعيَّن قطلوشا نائباً له  عوضا عن نوروز.
وفي سنة 698 وقعت بين أمراء المماليك دسائس ومكايد - وما أكثرها في دولة المماليك - التجأ على إثرها إلى غازان، لكونه مسلماً، جماعة من نواب السلطان وأمراء المماليك وهم: الأمير سيف الدين قفجاق نائب الشام - وهو من أصل مغولي -  والأمير فارس الدين ألبكي الساقي نائب المملكة الصفدية، فبالغ في إكرامهم وزوَّج الأميرَ فارس الدين ألبكي بأخته.
وشجع هؤلاء الأمراء المنشقين غازان على قصد البلاد الشامية، فأرسل جيشاً بقياد ابن عمه سلامش إلى سيس في كيليكا - جنوبي وسط تركيا - ليستولي عليها ثم يتوجه بعد ذلك إلى الشام من جهة بلاد سيس ويجيء غازان من ديار بكر، ويكون اجتماعهم على مدينة حلب.
ولكن سلامش لما توجه من عند غازان ودخل إلى كيليكا طمع بالملك، وخلع طاعة غازان، وتصدى على الفور غازان لهذا التمرد وأرسل الجيوش لقمعه، وانفض من كان حول سلامش من المغول، وانضموا إلى جيوش غازان، وقُتِل سلامش وقُضي على تمرده.
وفي سنة 699 توجه غازان بعساكره ومن انضم إليه من الكرج والأرمن وصحبته الأمراء والنواب المماليك الذين التحقوا به حتى انتهى إلى وادي الخزندار بالقرب من حمص، وجاء السلطان الملك الناصر قلاوون بعساكره والتقوا في 28 ربيع الأول، واقتتلوا قتالا شديدا، وثبت السلطان - وكان عمره 15 عاماً – ومن معه ثباتاً شديداً، فانهزمت ميمنة المغول ثم عادوا وحملوا على جيش الملك الناصر فانهزم، وعاد الملك الناصر إلى مصر، وكانت القتلى من جيش غازان أضعاف من قتل من جيش الملك الناصر، والنصر لهم.
ولما بلغ أهل دمشق وغيرها خبر الهزيمة عظم الضجيج والبكاء، وخرجت المخدرات حاسرات لا يعرفن أين يذهبن والأطفال بأيديهن، وصار كل واحد في شغل عن صاحبه، إلى أن ورد عليهم الخبر أن الملك غازان مسلم وأن غالب جيشه على ملة الإسلام، وأنهم لم يتبعوا المنهزمين، وأنهم بعد المعركة لم يقتلوا أحداً ممن وجدوه، وإنما يأخذون سلاحه ومركوبه ويطلقونه، فسكن بذلك روع أهل دمشق قليلاً.
ثم سار غازان إلى حمص فتسلمها وأمَّن أهلها، ورحل إلى دمشق فدخلها وخُطِبَ له على المنبر، وتعرض من في عسكره من الأرمن إلى المدارس والمساجد، وعانى أهل الشام ما لا يوصف من العذاب والجوع والمصادرة، وحاصر قلعتها فلم يستطع الاستيلاء عليها بتدبير وصمود أميرها علم الدين سنجر أرجواش المنصوري.
وكان هيتوم صاحب سيس الأرمني في جيش غازان، وفي قلبه حزازات من فعل المسلمين في بلاده التي أخذت منه، وضياعه التي أخربت، ورجاله الذين قُتلوا، والغارات التي كانت تتواتر على بلاده من جهة المسلمين، فطلب من غازان أن يمكنه ليدخل من الباب الشرقي ويخرج من باب الجابية، ويضع السيف بين البابين ويشتفي من المسلمين ويقدم ألف ألف دينار، فتصدى له الأمير المنشق سيف الدين قفجاق وقال لغازان: قد أصبحتَ مَلك هذه البلاد، وهي في يدك، والمال الذي تحمَّله هذا، تأخذه من أهل الشام من غير سفك دم. وما زال به حتى طرد صاحب سيس عن مراده.
وكتب غازان إلى سائر نواب القلاع والحصون الشامية والساحلية بتسليمها، فما أجابه أحد إلى تسليم ما بيده، وأرسل من عسكره عشرين ألف فارس لشن الغارات، فهاجموا القدس ونابلس ووصلوا حتى غزة، ورحل غازان عائدا إلى الشرق، وعاد السلطان الملك الناصر إلى مصر، وشرع في الاهتمام بالعسكر وأنفق في ذلك الأموال.
وما أن رحلت جيوش غازان عن دمشق حتى تسلمها الأمير أرجواش المنصوري وعادت إلى السلطنة المملوكية هي وغيرها من مدن الشام، وعوقب المتعاونون مع غازان في دمشق عقوبة شديدة، ثم أُرسلت في سنة 705 حملات لتأديب سكان الجرد وكسروان الذين انقضوا بالقتل والسلب والأذى على جيش الملك الناصر لما انهزم في حمص سنة 699، بل وباعوا بعض أسراهم للإفرنج.
ثم عاد غازان في سنة 700 إلى الشام فأوقع ببلاد حلب أشهرا، ونزل بين حلب وبين حماه، فخرج السلطان الناصر بعساكره وأقام  بالعريش قرب غزة، ثم جاءت على غازان وعساكره أمطارٌ وثلوج استمرت واحداً وأربعين يوماً، فهلك منهم عالم كثير، ورجع غازان بعساكره إلى بلادهم وقد تلفت خيولهم وهلك أكثرها، وعاد الملك الناصر إلى مصر من غير قتال.
وعقب ذلك رغب غازان في أن يتصالح مع الملك الناصر، وأرسل قاضيَ الموصل كمال الدين الأربلي، موسى بن محمد المتوفى سنة 715، برسالة إلى الملك الناصر يشير فيها للغارة التي تمت على ماردين قبل أربع سنوات، وأن هجومه كان قِصاصاً  من هذا العدوان، ثم يدعوه للصلح ويرغِّبه فيه ويبين له تضرر التجار بسبب حالة الحرب، ومسؤولية الحاكم عن تعطل معايش المحكوم، وكان التبادل التجاري الحر من أركان السياسة المغولية، ومما جاء في الرسالة:
إن الله عز وجل جعلنا وإياكم أهل ملة واحدة، وشرفنا بدين الإسلام وأيدنا، وندبنا لإقامة مناره وسددنا؛ وكان بيننا وبينكم ما كان بقضاء الله وقدره، وما كان ذلك إلا بما كسبت أيديكم، وما الله بظلام للعبيد.
وسبب ذلك أن بعض عساكركم أغاروا على ماردين وبلادها في شهر رمضان المعظم قدره، الذي لم تزل الأمم يعظمونه في سائر الأقطار، فطرقوا البلاد على حين غفلة من أهلها، وقتلوا وسبوا وفسقوا وهتكوا محارم الله بسرعة من غير مهلة، وفعلوا ما لم تفعله عباد الأصنام.
فأتانا أهل ماردين صارخين مسارعين ملهوفين مستغيثين بالأطفال والحريم، وقد استولى عليهم الشقاء بعد النعيم؛ فلاذوا بجنابنا وتعلقوا بأسبابنا، ووقفوا موقف المستجير الخائف ببابنا؛ فهزتنا نخوة الكرام، وحركتنا حمية الإسلام، فركبنا على الفور بمن كان معنا ولم يسعنا بعدَ هذا المقام، والله تعالى لا يرضى لعباده أن يسعوا في الأرض فساداً والله لا يحب الفساد، وأنه يغضب لهتك الحريم وسبي الأولاد، فما كان إلا أن لقيناكم بنية صادقة، وقلوب على الحمية للدين موافقة، فمزقناكم كل ممزق، والذي ساقنا إليكم، هو الذي نصَرَنا عليكم.
فوليتم الأدبار، واعتصمتم من سيوفنا بالفرار، فعفونا عنكم بعد اقتدار، ورفعنا عنكم حكم السيف البتار؛ وتقدمنا إلى جيوشنا ألا يَسْعَوا في الأرض كما سعيتم، وأن ينشروا من العفو والعفاف ما طويتم، ولو قدرتم ما عفوتم ولا عففتم؛ ولم نقلدكم منة بذلك، بل حكم الإسلام في قتال البغاة كذلك.
والآن فإنا وإياكم لم نزل على كلمة الإسلام مجتمعين، وما بيننا ما يفرق كلمتنا إلا ما كان من فعلكم بأهل ماردين؛ وقد أخذنا منكم القصاص، وهو جزاء كل عاص؛ فنرجع الآن في إصلاح الرعايا، ونجتهد نحن وإياكم على العدل في سائر القضايا؛ فقد تضررت بيننا وبينكم حال البلاد وسكانها، ومنعها الخوفُ من القرار في أوطانها؛ وتعذر سفر التجار، وتوقف حال المعايش لانقطاع البضائع والأسفار؛ ونحن نعلم أننا نُسأل عن ذلك ونحاسب عليه، وأن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن جميع ما كان وما يكون في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
وأنت تعلم أيها الملك الجليل، أنني وأنت مطالبون بالحقير والجليل؛ وأننا مسؤولون عما جناه أقل من وليناه، وأن مصيرنا إلى الله؛ وإنا معتقدون الإسلام قولاً وعملاً ونية، عاملون بفروضه في كل وصية.
وقد حملنا قاضي القضاة علامة الوقت حجة الإسلام بقية السلف كمال الدين موسى بن محمد أبا عبد الله، أعزه الله تعالى، مشافهة يعيدها على سمع الملك والعمدة عليها، فإذا عاد من الملك الجواب فليسير لنا هدية الديار المصرية، لنعلم بإرسالها أن قد حصل منكم في إجابتنا للصلح صدق النية؛ ونهدي إليكم من بلادنا ما يليق أن نهديه إليكم، والسلام الطيب منا عليكم. إن شاء الله تعالى.
وطلب الملكُ الناصر والأمراءُ قاضيَ الموصل الذي حمل الرسالة، وقالوا له: أنت من أكابر العلماء وخيار المسلمين، وتعلم ما يجب عليك من حقوق الإسلام والنصيحة للدين؛ فنحن ما نتقاتل إلا لقيام الدين؛ فإن كان هذا الأمر قد فعلوه حيلة ودهاء فنحن نحلف لك أن ما يطلع على هذا القول أحد من خلق الله تعالى، ورغبوه غاية الرغبة؛ فحلف لهم بما يعتقده أنه ما يعلم من غازان وخواصه غير الصلح وحقن الدماء ورواج التجار ومجيئهم وإصلاح الرعية.
ثم إنه قال لهم: والمصلحة أنكم تتفقون وتبقون على ما أنتم عليه من الاهتمام بعدوكم – يعني الصليبين-  وأنتم لكم عادة في كل سنة تخرجون إلى أطراف بلادكم لأجل حفظها فتخرجون على عادتكم؛ فإن كان هذا الأمر خديعة فيظهر لكم فتكونون مستيقظين، وإن كان الأمر صحيحاً فتكونون قريبين منهم فينتظم الصلح وتحقن الدماء فيما بينكم.
لكن الملك الناصر أجاب غازان برسالة يبرر فيها الغارة لكونها استمراراً للغارات المتبادلة من قديم، ويتنصل فيها من أفعال المغيرين، ويعيب عليه أن يكون في جيشه غير المسلمين، ومما ورد في الرسالة:
فالملك يعلم أن غارتنا ما برحت في بلادكم، مستمرة من عهد آبائكم وأجدادكم؛ وأن من فعل ما فعل من الفساد، لم يكن برأينا ولا من أمرائنا ولا الأجناد، بل من الأطراف الطامعة ممن لا يؤبه إليه، ولا يعول في فعل ولا قول عليه؛ وأن معظم جيشنا كان في تلك الغارة إذا لم يجدوا ما يشترونه للقوت صاموا لئلا يأكلوا ما فيه شبهة أو حرام، وأنهم أكثر ليلهم سجد ونهارهم صيام.
 ونحن تحققنا أن الملك بقي عامين يجمع الجموع، وحشد وجمع من كل بلد واعتضد بالنصارى والكرج والأرمن، ثم إنه لما رأى أنه ليس له بجيشنا قِبَلٌ في المجال، عاد إلى قول الزور والمحال، والخديعة والاحتيال؛ وتظاهر بدين الإسلام، والباطن بخلاف ذلك، حتى ظن جيوشُنا وأبطالُنا أن الأمر كذلك؛ فلما التقينا معه، كان معظم جيشنا يمتنع من قتاله، ويقول: لا يجوز لنا قتال المسلمين، ولا يحل قتل من يتظاهر بهذا الدين!؛ فلهذا حصل منهم الفشل، وإن كنت نُصِرتَ مرة فقد كُسِرَتْ آباؤك مراراً، وإن كان جيشك قد داس أرضنا مرة فبلادكم لغارتنا مقام ولجيوشنا قرار؛ وكما تدين تدان.
وأما قول الملك: إنه ومن معه اعتقدوا الإسلام قولاً وفعلاً وعملاً ونية، فإن الذي جرى بظاهر دمشق وجبل الصالحية ليس بخفي عنك ولا مكتوم، وليس هذا هو فعل المسلمين، ولا من هو متمسك بهذا الدين! فإن كان هذا عن علمك ورضاك، فواخيبتك في دنياك وأخراك؛ وإن كنت لم تعلم بذلك فقد أعلمناك، فاستدرك ما فات فليس مطلوباً به سواك.
وأما ما تحمله قاضي القضاة من المشافهة، فإنا سمعناه ووعيناه؛ ونحن نعلم علمه ونسكه ودينه وفضله المشهور، ولكن قاضي القضاة غريب عنكم بعيد منكم، لم يطلع على بواطن قضاياكم وأموركم، فإن كنتم تريدون الصلح والإصلاح، وأنت أيها الملك طالب الصلح على التحقيق، وليس في قولك مين ولا يشوبه تنميق؛ نقلدك سيف البغي، ومن سل سيف البغي قتل به، ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله؛ فيرسل إلينا من خواص دولتك رجل يكون منكم ممن إذا قطع بأمر وقفتم عنده، وهو فيما يعول عليه ثقة أمين؛ لنتكلم معه فيما فيه الصلاح لذات البين، وإن لم يكن كذلك عاد بخفي حنين.
وتذكر الموسوعة البريطانية أن غازان أرسل في هذه الفترة رسالة الى البابا بونفاشا الثامن يشير فيها إلى خطة مفصلة كان قد اقترحها من قبل إلى أمراء أوروبا ويقول: إننا ماضون في استعداداتنا وفقاً لتلك الخطة وعليكم تجهيز جيوشكم وإعلام حكام الأمم الأوربية، فما لنا هدف غير الإطاحة بالمماليك. 
وينبغي لفهم هذه الرسالة أن نلاحظ أن غازان رغم تحوله إلى الإسلام حافظ على سياسات أسلافه في محاولة السيطرة على المشرق العربي بعد أن سيطروا على إيران والعراق والجزيرة الفراتية، وأنه عقد تحالفاً مع أرمينيا الصغرى كما سبق ذكره، وأخيراً أن آخر معقل للصليبين كان قد سقط قبل 10 سنوات، ولعله ظن أن أحلام العودة لدى الصليبين ستحفزهم على مناصرته ومهاجمة المماليك من جهتي البر والبحر.
وفي سنة 702  بقي غازان في العراق وأرسل قائده قطلوشاه إلى الشام ليغير على حلب وأطرافها، وأمره أن لا يجاوز حمص، فلما جاء قطلوشاه إلى البلاد وجد عساكرها قد تقهقرت قدامه، والبلاد خالية، وليس للجيوش ولا للسلطان في الشام خبر، فظن أن معركة حمص قد كسرتهم وأطاحت بشوكتهم، وطمع في الاستيلاء على دمشق ومن بعدها مصر، فتقدم إلى أن وصل إلى دمشق، دون أن يعلم أن الجيوش المملوكية من مصر في طريقها إلى الشام، والتقى الجيشان الكبيران في شقحب في 2 رمضان، وانجلت المعركة عن هزيمة المغول وهربهم أثناء المعركة وبعد الهزيمة، ولم تقم لهم قائمة بعدها في بلاد الشام، وإن بقيت دولتهم- الإسلامية - في العراق وإيران وغيرها من البلاد.
ولما رجع قطلوشا كاد غازان أن يقتله لولا شفاعات كبار قومه ونساؤه، وضربه وأوقفه يوماً في الشمس، ويزعم المؤرخون أن هذه الهزيمة أثرت على نفسية غازان، فلم تتطاول به الأيام حتى مات بعدها بسنة في قزوين ودفن في تربة في ظاهر تبريز.
قال المؤرخون: لما ملك غازان أخذ نفسه بطريق جنكزخان، وأقام الياسا المغولية، ورتب أن يلزم كل أحد قدره، ولا يتعدى طوره، وصرف همته وعزيمته إلى إقامة العساكر وسد الثغور، وقَصَدَ الأعداء في الأطراف ونفذ الأحكام بعمارة البلاد والكف عن سفك الدماء وتوفير أهل كل صنعة على عملها ليكثروا وتعمر البلاد كما كانت في أيام الخلفاء - رضوان الله عليهم - والملوك الخوارزمية وغيرهم، وكانت بياناته ورسائله تبتدئ بالبسملة وتستمد القوة من الله تعالى وميامين الملة المحمدية، ويظهر فيها شعائر الإسلام واتباع السنة، ولكن أفعاله تناقض أفعاله لأنه رضى بما فعله الأرمن من الفساد. وقال الإمام الذهبي عنه: كان شابا عاقلا شجاعا مهيبا.
وكان غازان يتكلم بالتركية والمغولية والفارسية، ويفهم أكثر ما يقال أمامه بالعربية، وله حكمة وتدبير في الأمور، كان يقول: آفة العقل الغضب، ولا يصلح للملك أن يكون في عقله آفة، والغضب إذا خزنته ازداد، وإذا صرفته تصرف.
وكان يقول: الملك بلا رجال، شجرة بلا أغصان، والملك بلا مال، شجرة بلا ثمر، والملك بلا سلاح، شجرة بلا ورق، والملك بلا إحسان، شجرة بلا فيء.
وتولى الحكم بعده أخوه أولجاتيو خدابند - وتعني عبد الله - وتلقب بغياث الدين، وكان حسن الإسلام، أرسل كتاباً للسلطان الناصر قلاوون بعد توليه الحكم خاطبه فيه بالأخوة، وسأل إخماد الفتن، وطلب الصلح، وقال في آخره: عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه. وتوفي سنة 716  عن 37 عاماً ودام حكمه 12 عاماً.
وتمكن الإسلام في صفوف هذه الطائفة من المغول التي استمرت في حكم العراق وإيران وجنوبي تركيا، وفي سنة 723 قامت عمة غازان يلقطلو بأداء فريضة الحج وكانت موضع ترحيب من السلطان المملوكي، لأنها كانت تراسل نائب السلطان في دمشق بأخبار المغول وتنصح له، ويصفها المؤرخون المسلمون بأنها امرأة ديّنة صيّنة تقيّة نقيّة، محبّة للخير وأهله، جليلة القدر نبيهة الذكر بين المغول، وافرة الحُرمة، مسموعة الكلمة، ذات شهامة وفروسية، وكانت متزوّجة في عرب طي، ومنازلها لا تبعد من أطراف بلاد الإسلام، وقُتِل زوجها فركبت بنفسها وقتلت قاتله وقطعت رأسه وعلّقته في قلادة فرسها، وبقي الرأس على هذا زماناً طويلاً حتى كُلّمت فيه فألقته، ولم تتزوج بعده.
ورغب في الزواج  منها الأمير آقش الأفرم نائب السلطان بدمشق، وأرسل إليها في ذلك مع توصية من السلطان إليها فيه، وبذل لها حمص وبلادها صداقاً عنه فنهرت رسله وردّتهم بالخيبة، وقالت: أنا أنصحُ أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ما أنصح فلاناً وفلاناً وفلان! فإن كانت مناصحاتي للمسلمين هي التي أطمعت الإفرم فيّ فما بقيتُ أناصحهم! وكيف تجاسر الأفرم عليّ، ومن هو الأفرم؟ وأنا أقل كوتلجي عند مثل الأفرم.
قال القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله: وكنت حاجّاً في تلك السنة فكنت أرى منها امرأة تعد برجال حزماً وعزماً وكرماً، وعليها سيماء الجلالة ووسامة الملك، وتصدقت بأموال كثيرة، قيل إنها تصدقت في الحرمين بثلاثين ألف دينار، وكانت تركب في الطريق محفة، وتركب الخيل، وتشدّ في وسطها التركاش- الجعبة - ويُشال عليها مظلة السلطنة، وكانت تضرب حلقات صيد وتتصيد طول الطريق. وكانت بحر كرم وغاية إحسان، ولما قدمت دمشق خرج الأمير سيف الدين تنكز للقيّها ولاطفها حتى دخلت دمشق دون أن تحمل مظلة السلطنة على رأسها

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين