آذار وبحار الدم -14-

 

عفلق والبيطار يرفضان تدخل الجيش في شؤون السلطة المدنية

 

لقد كان الأمين العام للحزب ميشيل عفلق ورئيس الحكومة صلاح الدين البيطار وأنصارهما داخل الحزب يتصلبون في مواجهة تدخل العسكريين في شؤون السلطة المدنية.. وبالتالي كانوا عقبة كأداء في سبيل سيطرة الضباط الكاملة على الحكم والحزب معاً في سورية.

وهنا لابد من التنويه إلى أن العسكريين ولأول مرة في تاريخ الحزب.. قد اشتركوا في مؤتمر قومي وكونوا قوة خفية ضاغطة لا يستهان بها في سير أعمال المؤتمر ونتائجه. لهذا فإنهم أدخلوا أسلوباً ونمطاً جديداً وغريباً في العمل الحزبي. فهم يناقشون، فيما بينهم، وخارج المؤتمر، شتى القضايا المطروحة على بساط البحث، خاصة القضايا التي تخصهم بالدرجة الأولى. وبعد أن يعبر كل ضابط منهم عن رأيه ووجهة نظره بحرية كاملة، تؤخذ القرارات، بأغلبية الأصوات، وتلتزم الأقلية برأي الأكثرية. وعند حضورهم المؤتمر، فإنهم يدلون بأصواتهم ويقفون موقفاً موحداً كتكتل واحد، بغض النظر عن رأيهم ووجهات نظرهم الشخصية. وهذا يعني، بتعبير آخر، أن الضباط البعثيين السوريين كونوا عملياً حزباً خاصاً بهم داخل حزب البعث السوري يخدم أغراضه وأجندته.

بعد أن تأكد للجنة العسكرية أن هناك تأييداً قوياً للقيادة القومية من بعض العناصر المهمة، وخاصة في القيادة العراقية، أمثال اللواء أحمد حسن البكر واللواء صالح مهدي عماش، لذلك رأى أغلبية أعضاء اللجنة أنه من الضروري تعديل موقفهم العدائي للقيادة القومية والتخفيف من تشجيعهم الضمني لتكتل السعدي. غير أنهم وجدوا أن حلقة الضعف في القيادة القومية تكمن في شخص صلاح الدين البيطار فركزوا على مهاجمته. وبالفعل فقد أخفق البيطار في انتخابات القيادة القومية الجديد التي شكلت على النحو التالي: (ميشيل عفلق أميناً عاماً، وأمين الحافظ، وصلاح جديد، وحمودي الشوفي - سوريون - وعلي صالح السعدي، وحمدي عبد المجيد، ومحسن الشيخ راضي، وأحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش - عراقيون - وجبران مجدلاني، وخالد العلي - لبنانيان - ومنيف الرزاز وأسعد عكا - أردنيان. ولكن منصب الأمين العام الذي عاد وشغله عفلق اعتبر في تلك الظروف منصباً (رمزياً). يقول ميشيل عفلق في هذا الخصوص: (لم تكن لدي النية حتى قبل انعقاد المؤتمر القومي السادس في ترشيح نفسي لانتخابات القيادة القومية، لأنني سأُستغل كستار لا أكثر).

لقد أكد المؤتمر السادس عند مناقشة قضايا الحزب التنظيمية بشكل عام، على أهمية المحافظة على مبدأ القيادة الجماعية والمركزية الديمقراطية. وحدد في نفس الوقت صلاحيات القيادة القطرية والقيادة القومية وعلاقة كل منهما بالأخرى وبالحكم. 

(فالقيادة القطرية - طالما أن الحزب حاكم في القطر - هي التي تضع الخطط المرحلية التفصيلية وتشرف على تنفيذها وتنفيذ البرامج التي تقرها القيادة القومية، وتكون هي المراقبة لتصرفات الحكم، أي أن الحكم مسؤول أمامها). و(للقيادة القومية حق الإشراف والتوجيه على القيادة القطرية ولها الرأي الأول على مستوى التخطيط العام وعلى مستوى التشريع والسياسة العليا. أما في الأمور الأخرى فلا يجوز ذلك حتى لا تصبح القيادة القومية هي أيضاً قيادة القطر..).

وعليه فإن ضعف القيادة القومية وعجزها وتركيبها المتناقض أدى إلى نتيجة جعل القيادة القطرية، السلطة الفعلية والأولى في نظام البعث، ولها الكلمة الأولى في تسمية أعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة وأعضاء الحكومة. كما أعلن المؤتمر القومي السادس في بيانه أنه: (أولى عناية خاصة للتثقيف العقائدي الإيديولوجي في الجيش.. وأكد حق العناصر العسكرية في ممارسة حقوقهم السياسية كاملة.. واعتبر المؤتمر دمج الطلائع الثورية العسكرية والمدنية دمجاً عضوياً هو الوسيلة لخلق تفاعل إيديولوجي بينهما…).

نستنتج من بيان المؤتمر القومي السادس رفض مبدأ إبعاد العسكريين عن الأمور السياسية، وصادق بالتالي على تدخل الضباط رسمياً في الشؤون العامة. وهو شيء لم يكن إلا تثبيتاً لأمر واقع منذ فترة زمنية طويلة. وأن توسيع صلاحيات القيادة القطرية خاصة في سورية، سيؤدي حتماً إلى دفع وضع السلطة بين يدي الضباط وأعضاء اللجنة العسكرية. 

لقد كان المؤتمر القطري السادس مسرحاً لصراع مفتوح بين ما يسمى بالاتجاه اليساري المتطرف.. وبين ما يسمى بالاتجاه القومي الذي يخوض المعركة من مواقع دفاعية. ولكن في الحقيقة.. فإن هذه المجابهة تخفي صراعاً رهيباً من أجل الاستئثار بالحكم.. وهذا الصراع خاضه العسكريون لحسابهم الخاص. والجميع كانوا يعتقدون أن المؤتمرات الحزبية غير قادرة على حل التناقض.. وأن الحل لا يمكن أ يأتي إلا بالتآمر.. لا من وراء ظهر الجماهير فحسب بل من وراء ظهر القواعد الحزبية أيضاً. كانت مشكلة السلطة هي التي تشغل بال الطرفين. (وعلى هذا الأساس فإن القيادة القومية التي انتخبت جاءت هجينة متناقضة.. حيث لعبت التكتكة في الكواليس دوراً أساسياً في انتقاء أعضائها).

تمت في المؤتمر الموافقة على التقرير العقائدي الذي قدمه ياسين الحافظ لذلك لابد لنا أن نلقي الضوء على النقاط الرئيسية في هذا التقرير. وهو ينقسم إلى ثلاثة فصول كبيرة تتعلق بالوحدة العربية والديمقراطية الشعبية والاشتراكية.

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين