الحلقة العاشرة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة -
نتابع في هذه الحلقة العاشرة الحوار مع فضيلة العلامة المحدث الشيخ محمود ميرة، وفيها يحدثنا عن ذكرياته في الدراسة بمصر، كيف استطاع أن يتابع دراسته العليا، وأن يحصل على الماجستير، ثم الدكتوراه وما لقي من تعنت وتعقيدات في القبول والمناقشة.
الدراسة في مصر
متى ذهبتم للدراسة في مصر؟
بعد اكتمال الدراسة الشرعيَّة في دمشق، كان الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ مصاباً بالشلل، حيث أصيب به سنة 1958 إثر الانتخابات التي جرت بينه وبين رياض المالكي، وخطب في الطلاب المتخرجين في السنة التي تخرجنا فيها، وقال: يا أبنائي هذه مرحلة من مراحل التعليم ولا أريد أن تقفوا عندها، بل تابعوا دراستكم بأيِّ وسيلة وأنا على علم بظروفكم المالية والعائلية الصعبة، لكن يجب أن تتغلبوا على العقبات.
وفعلاً تغلبنا فأنا ـ عقب تخرجي في كلية الشريعة، وانتهائي من الدبلوم في كلية التربية ـ أرسلت أوراقي للشيخ أحمد مهدي الحداد في مصر كي يسجلنا ، والرجل ذو مروءة ونية طيبة، فلم يتيسر له ذلك، ثم أكملنا التسجيل عن طريق الشيخ محمد مصطفى الخطيب، لكن لم نتمكن من المجيء إلى مصر، حيث إنها تصادف أيام الاختبارات عندنا إذ لم يكن لدينا أيامها فرصة للدوام.
فمثلاً الشيخ عبد الستار أبو غدة كان منتسباً لكلية الشريعة، وأخذ شهادة الفقه، وقدم على كلية الحديث ، حيث يجوز الجمع عندهم بين كليتين.
الشيخ عبد الستار خريج كلية الشريعة بدمشق أما الدكتوراه فقد حصل عليها من الأزهر بمصر.
ـ هل الشيخ عبد الستار أصغر منك؟!
ـ نعم أصغر هو والشيخ محمد عوامة، لكن سبب لقائنا في الدراسة بمصر هو تأخري عن الدراسة وانقطاعي عنها فترة.
ولم نستطع العمل بنصيحة الشيخ السباعي، حتى عام 1965، لما جئت إلى المملكة، ففي عام 1966 توجَّهنا للأزهر أنا والشيخ محمود الطحان ، والشيخ حسين قاسم وآخر من دمشق من آل كحيل من طلاب الشيخ حسن حبنكة، وهو طالب جيد.
ـ هل كان الشيخ حسين قاسم معكم؟
ـ كان بعدنا. أنا والطحان كنا أول من ذهب لإتمام الدراسة العليا بمصر، وكان معنا أيضاً محمود عبيدات من الأردن ، له رسالة عن الإمام مالك، وهذا كان معنا في كلية الشريعة بدمشق، ثم جاء مصر، لكن جاء متأخِّراً حيث انتدب انتداباً من الأردن ، لكن مناقشة الرسالتين ـ رسالتي ورسالته ـ قُرِّرا في وقت واحد، وكان في المناقشة بيننا يوم واحد فقط، والحاصل كنا أنا والشيخ محمود طحان ندرِّس في الجامعة الإسلامية. وفي الإجازة نذهب إلى مصر، وأثناء وجودنا هناك كان لا بدَّ من الدوام.
ففي عام 1966 ذهبنا للاختبار فلم نتمكَّن وقالوا: يجب أن تُجرى لكم مقابلة، فقبلنا، ثم ذهبنا عام 1967 وحصلت الحرب في حزيران، وأُجلت الاختبارات، وعُطِّلت المدارس، وقاسينا كثيراً في إتمام المقابلة والتسجيل.
وأيامها كان الشيخ الصادق عرجون عميد الكلية، ووقف مشكلة في طريقنا وما كنا ندرك كثرة تعقيداته.
ـ أولاً جئنا فقال: أنتم ما عندكم دوام لأنكم لم تداوموا ، فإذا لم تلتزموا بالدوام فلا يمكن قبولكم. وفعلاً لم نستطع التقديم وعطَّلنا سنةً كاملة، وكان قد أَخرجنا من الاختبار بعد أن دخلنا الاختبار وأمضينا ساعة كاملة ونحن نكتب ، ثم دخل ورآنا فأخرجنا.
ثم جاء الشيخ محمود عبد الغفار ـ رحمه الله تعالى ـ ، وقال للشيخ العرجون: هؤلاء طلبة علم فلا تحرمهم من العلم فهذا حرام.
قال: النظام فوق طلبة العلم فلا تكلِّمني بهم!!
ثم تابعنا الدراسة، وكان الشيخ عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ يساعدنا، حيث كانت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة تعطل كل سنة شهرين: عشرين يوماً في رمضان، وعشرين في الحج، وعشرين يوماً قبل الاختبار. فكنا نداوم هذه الأيام في مصر فيسمح لنا الشيخ بالخروج، ولا نحضر اختبار الطلاب في الجامعة الإسلامية.
فكنا نكتب الأسئلة والأجوبة لهم، ويكلف الشيخ ابن باز أساتذةً آخرين بتصحيح الأوراق، ونذهب أنا والطحان لمتابعة الدراسة في الأزهر.
فكان الانتساب للماجستير سنة 1967، والماجستير كانت سنتان: سنة دبلوم دراسة فقط، وسنة فيها كتابة موضوع ، وكان من المدرسين في تلك السنين :
ـ مصطفى التازي ، طه الساكت، محمد السماحي، عبد الوهاب عبد اللطيف، سيد صقر، سيد الحكيم.
وشيخ الأزهر يومها: فترة محمد الطيب النجار، وفترة لشيخ آخر لا أذكره الآن.
ـ وساعدنا الأستاذ أحمد حسن الباقوري بعد تعقيد الشيخ الصادق عرجون بالتسجيل.
هل تم حصولكم على الماجستير بعد ذلك؟:
ـ بعدها ابتلينا بمحمود أبو الروس، وهو شيخ صعب جداً، حاول أن يأخر مناقشتنا في الرسالة كثيراً، والماجستير كان يومها ـ كما ذكرت ـ سنتان دراسة، درسنا فيها قراءة حديثية ، وكان قد درَّسنا الكتب الستة، ستة أساتذة ، فكان الشيخ طه الساكت يدرسنا سنن أبي داود، ويشرح لنا بعض الأحاديث، ثم اطلعت عليها بعد ذلك مكتوبة في مجلة الأزهر.
وقد تغلبنا على هذه العقبات، وقدمنا الامتحان، وكانت السنَة الأولى والثانية دبلومين يعادلان درجة الماجستير، وفي السنَة الثانية تكتب بحثاً لا يقل عن مئة صحيفة في موضوع كامل مستقل.
ما هو موضوع رسالة الماجستير؟:
كان موضوع رسالتي جمع طرق حديث:« يا أبا عمير ما فعل النغير».
و تحقيق رسالة ابن القاص وفيها تعليق على ما يستفاد من الحديث، وإضافات ابن حجر، وقدمت هذه الرسالة بعنوان: نموذج من مُزاح رسول الله ^.
هل لديك منها نسخة؟:
ليس عندي منها الآن نسخة، وقد ذهبت هناك، وليس معي إلا نسخة ، فإذا بي أفاجأ بطلب ثلاث نسخ، فكتبت أخرى على الكربون وقدمتها.
وفي الحوار القادم يحدثنا الشيخ عن كيفية الامتحان التحريري والشفهي وعن متابعة دراسته في مرحلة الدكتوراه وهي الحلقة الأخيرة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة لننتقل بعدها بعون الله تعالى لتسجيل حوار معه في مرحلة إقامته بالمدينة المنورة التي استمرت لمدة 21 سنة .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين