الحلقة الثامنة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة

 

في هذه الحلقة الثامنة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة حفظه الله تعالى ، يحدثنا فيها عن انتسابه إلى معهد الجمعية الغراء بدمشق بعد رفض قبوله في الثانوية الشرعية بحلب، وعن فترة إقامته بدمشق،وعن تدريسه في مدرسة الغزالي بحلب، وانتسابه إلى كلية الشريعة بدمشق، وأهم الشيوخ الذين استفاد منهم وتلقى عنهم أثناء دراسته بدمشق.

_ كيف تم انتسابكم إلى معهد الجمعية الغراء بدمشق بعد رفض قبولكم في الخسروية بحلب؟.

تقدَّمت بطلب إلى الكلية الشرعية في حلب، وكان مديرهاـ كما ذكرت ـ آنذاك الشخ طاهر خير الله رحمه الله فرفض الطلب بحجَّة أن سني كبير ، مع أن الشيخ عبد الفتاح توسَّط لنا ، ولكن لم ينجح، وكدتُ أيأس أنا لأن الأمور قد انسدَّت أمامي ، لكن الله قيَّض لي الشيخ عبد الرحمن كرّام رحمه الله، وكان يَدْرُسُ في الغرَّاء بدمشق وخرج من حلب مهاجراً وقُبِل في الغراء وأتم دراسته فيها، ثم تابع دراسته في الجامعة فكانت له بالغراء والمشرفين على إدارتها معرفة وحَظْوة، واستطاع أن يقنع والدي بالسفر وإتمام الدراسة في الغراء وحلَّ لي ماكان يعترض سفري إلى دمشق.

كان أمامي مشكلتان : الأولى: أنني متزوّج وعندي أولاد ، والثانية: مشكلة أن أترك البيت وأذهب إلى الشام ، ووالدي لا يتحمَّل مفارقتي خمس دقائق ، فقال لي : لك كلُّ شيء إلا الذهاب إلى الشام ، لكن الشيخ عبد الرحمن كرام رحمه الله وغفر له صار يَغْدو ويروح مُكرراً ذلك على والدي ليقنعه ، وكانت له طريقة جيِّدة في الحوار ، وهو هادئ وطويل البال ، صار يقول له : فليذهب شهراً ، فإذا لم يُعجبه الوضع يرجع ويترك المدرسة ، وأصرَّ مُلحّاً على الوالد حتى أقنعه أن أسافر إلى الشام، والوالد ـ كما قلت ـ ليس عنده استعداد أن أغادر حلب إلى الشام ولا خمس دقائق ،لأنني وحيده، فسافرت إلى الشام برفقة ورعاية الشيخ عبد الرحمن كرام رحمه الله .

_ هل أخذتم زوجتكم والأولاد معكم أو تركتموهم في حلب ؟

_ لا ، تركتهم في حلب ، تركتهم عند والدي ، وكان عندي آنذاك ولدان وهما : أحمد ومحمد ، فوصلنا الشام، وتمَّ إجراء مقابلتي مع المسؤولين في الغرَّاء، وقال الشيخ أحمد الدقر : سَنُجري له اختبارا ، فاختبرني فنجحتُ ، فقال : هذا الطالب جيد نقبله ، هكذا قال الشيخ أحمد ابن الشيخ علي الدقر ، وقال للشيخ خالد الجباوي ـ وكان هو المسؤول عن المدرسة ـ قال له : هذا الطالب يُقبل في السنة الأخيرة. وفعلاً تمَّ إجراء قبولي داخلياً فهيأوا لي مكاناً في مطعمهم ومهجعهم ، مكثتُ ثلاثة أيَّام عندهم فما ارتحت فيها ، فالمهجع ينام فيه أكثر من 200 شخص ، هم أشكال وألوان ، فما انسجمتُ معهم ، فمن عادتي أني أنام مبكراً وهم ينامون في وقت غير منظَّم ، وعدا ذلك كلّه كان هناك إشراف قاس على الطلاب وتنظيم لهم في عبادتهم ومنامهم ودوامهم وأكلهم وشربهم ، فانتقلت إلى غرفة الشيخ عبد الرحمن كرام في جامع باب المصلَّى في الميدان، وكان يقيم فيها ثلاثة: الشيخ عبد الرحمن ، وحسن بكار ابن الشيخ محمد ، وحسن عبد الحميد، وهؤلاء الثلاثة كانوا يدرسون في الجامعة في كليَّة الشريعة، وأنا واحد من الغراء جئت إليهم .

_ من حسن بكار ؟

ابن الشيخ محمد، وهو موجود على قيد الحياة إلى الآن، فجئتُ فرأيت الغرفة فوضى فقمت بترتيبها وشحذت همَّتهم لضبطها وتنظيفها، فأمّنوا لي فراشاً، وأكملت دراستي في الغرَّاء أدرس البكالوريا الشرعية فيها، وانتهى العام ودخلت الاختبار فنجحت إلا في مادتين: الرياضيات والفيزياء، فأعدتهما في التكميلي ونجحت فيهما والحمد لله، ثم تقدمت للجامعة فقُبلت وداومت في كلية الشريعة.

_ متى كانت الإجازات للسفر إلى حلب ؟

_ كل شهر كانت هناك إجازة أنزل فيها إلى حلب، أرى الوالد والوالدة والأهل والأصدقاء، وكنتُ أشتري بعض الكتب النادرة من دمشق وأسْتَصْحبها معي إلى حلب.

_ من أيِّ سنة إلى أيِّ سنة كانت إقامتكم في دمشق ؟

_ من عام 1955 م إلى عام 1960 م ، لكن داومت في كلية الشريعة بشكل جيّد في السنوات الثلاث الأولى، وهي : 1955 و56 و57 ، وفي نصف عام 1957 شُغرت حصص تدريس في ثانوية الغزالي التي كان يدريها الأستاذ عادل كنعان، فاقترح شيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة إحضاري من دمشق لاستلامها والقيام بتدريسها.

_كم مدَّة إقامتكم الكاملة في دمشق من متى إلى متى بالضبط ؟

_ عام 1955 و1956 ونصف عام 1957 كنت أداوم دواما فعلياً، وفي منتصف عام 1957 جمعت بين التدريس والدراسة إلى سنة 1960، وهذه أول مرة أمارس فيها التدريس، وكنت أجمع بين التدريس في حلب والانتساب إلى كلية الشريعة، واستطعت أن أقوم بتدريس 42 حصة نهاراً وليلاً في عدَّة مدارس.

_ نرجو إعادة تفصيل الـ 42 حصة التي قمتم بالتدريس فيها؟

16حصة في الثانوية العلمية، التي كان يديرها الأستاذ أحمد كرزون، و12حصة في ثانوية الغزالي، و12حصة في الإعدادية الجديدة، للبنات، وكانت مديرتها سناء الوفائي، وكانت امرأة أديبة عاقلة، وحصتان في معهد العلوم الشرعية قبل الدوام الذي أصبح بإدارة الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله

_ هل تذكرون بعض شيوخكم في كلية الشريعة في تلك الآونة ؟

من شيوخنا الذين أذكرهم: الشيخ مصطفى الخن، والدكتور صالح الأشتر، والشيخ الدكتور معروف الدواليـبي، والشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور منير العجلاني ، والدكتور أحمد الدهمان، والدكتور أحمد السمان، والدكتور فاخر العاقل، والدكتور مصطفى زيد، والشيخ الدكتور أبو اليسر عابدين درّسنا النحو من مغني اللبيب، والشيخ علي الطنطاوي درَّسنا السيرة النبوية ، وكان ناجحا جداً في تدريسه لكنه لايلتزم بوحدة الموضوع ، بل يخرج من موضوع إلى موضوع لأدنى مناسبة، وكله مفيد، والشيخ سعيد الأفغاني درّسنا النحو ، والشيخ عمر الحكيم درّسنا التاريخ ، وكان جيداً وجريئاً، والشيخ الدكتور أمين المصري درسنا الحديث، وكانت لي صلة خاصة به جداً وأنا أحبه وهو رجل عالم ومربٍّ وتوثقت صلتي به يوم التقينا في التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والشيخ الدكتور يوسف العش درّسنا التاريخ ( تاريخ سقوط الدولة الأموية ) لفلهاوزن، ومن أساتذتنا في كلية التربية: الدكتور سامي الدروبي.

_ وماذا درَّسكم الدكتور : سامي الدروبي؟

_ درَّسَنا في كلية التربية مادة مقاييس الذكاء، وكان مدرساً ناجحاً يجيد اللغة العربية ويلتزمها أثناء تدريسه.

_ هل كنتم تدرسون في كلية الشريعة وفي كلية التربية في آنٍ واحد؟

_ كلا: انتهيت من كلية الشريعة، ثم تابعت الدراسة في كلية التربية.

ومن درَّسَكم في كلية الشريعة أيضاً؟

_ الشيخ فوزي فيض الله درَّسنا الفقه في السنة الثانية من كلية الشريعة، وكان مُدرِّساً ناجحاً متقناً ولغته العربية قوية قويمة يلتزمها في تدريسه، وكان تقسيمه للدرس وتلخيصه رائعاً، وكان منظَّماً في درسه وشكله وملبسه، وكان يُجبر الطلاب على قراءة العبارة من الكتاب المقرَّر في المادة في نهاية الدرس ، و درَّسنا الدكتور مصطفى السباعي درّسنا شرح قانون الأحوال الشخصية على المذاهب الأربعة، وهو شرحٌ كبير من تأليفه، ودرّسنا أيضاً مختصر الطحاوي في الفقه الحنفي.

_ هل لكم هناك ذكريات مع السباعي أو قصص ما، وكيف كانت صلتكم به ؟

_ الشيخ السباعي صلتي به من ناحية التدريس فقط، كنا نحضر دروسه ومحاضراته ، وله مواقف كثيرة، وكان رحمه الله داعية ومصلحاً وخطيباً مفوّهاً وقائداً محنّكاً ومدرِّساً ناجحاً، وله اليد الطولى مع بعض إخوانه من الأساتذة في تأسيس كلية الشريعة بجامعة دمشق.

_ هل درَّسكم في كلية الشريعة الشيخ أحمد فهمي أبو سنة ؟

_ نعم درسنا في كلية الشريعة في السنة الثالثة، مادة أصول الفقه، وكانت ابنته تُرافقه وتساعده وكان عالماً متمكِّناً موفَّقاً.

_ هل كان لكم صلات ببعض مشايخ الشام خاصة غير هؤلاء ؟

_ نعم كان لي بالشيخ حسن حبنكة الميداني، صلةٌ خاصَّة قوية جداً، وكان يقرأ في بيته بعد العشاء شرح صحيح مسلم، وكنت أحضر درسه مع بعض الطلاب.

_ طبعاً تعرفتم على تلاميذه أليس كذلك ؟

نعم ، تعرفت على بعضهم، وبعضهم رافقتهم في السفر منهم: الشيخ مصطفى التركماني، والشيخ كريِّم راجح وهو شيخ القراء الآن، وكان يدرس معنا في كلية الشريعة وكان من تلاميذ الشيخ الكبار ، وهو نشيط وجريء، ومنهم الشيخ حسين خطاب شيخ قراء دمشق.

_ الشيخ محمد الحموي الذي كان من تلاميذ الشيخ وأرسله ليكون مدير الثانوية الشرعية بحلب هل تعرفه ؟

لا أعرفه في دمشق، لكن تعرفت عليه في حلب، وتوفي في حادث سيارة أثناء عودته من مهمة علمية مهنية في سيارة الشيخ إبراهيم السلقيني، وكان بيني وبينه صداقة دائمة في حلب ، وكان يحضر دائماً إلى بيت شيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكان بينهما صداقة ووفاء ومشاركة في تأليف بعض كتب التربية الإسلامية، ويوم وفاته ألقى الشيخ كلمة في تأبينه.

_ وحكى لنا الشيخ محمد عوامة : أنَّ الشيخ عبد الفتاح ظلَّ أياماً بعد وفاته لا يستطيع أن يقف في خطبة الجمعة يجلس على الكرسي أثناء الخطبة من حزنه وأسفه عليه.

وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة ، يحدثنا فيها الشيخ حفظه الله تعالى عن تدريسه في ثانوية الغزالي وفي الثانوية العلمية ومعهد العلوم الشرعية .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين