أهل الرحمة في القرآن العظيم (4)

 

من الصفات التي ذكر الله في كتابه الكريم صفة الاستماع والإنصات للذكر الحكيم والقرآن العظيم يقول تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الأعراف:20 

القرآن رسالة الله الأخيرة إلى البشرية فيها حقائق الأمور وبواطنها وفيها الطريق البين الواضح إلى النجاة من أغبار وأغيار الدنيا إذا تعاملنا معه بما أمرنا الله ورسوله، الاستماع والإنصات للقرآن طريقة موصلة لنيل الرحمة، وحصانة وحماية من نزغ الشيطان، الاستماع له إذا قرئ ، والإنصات مدة القراءة يقول العلامة رشيد رضا: ( والاستماع أبلغ من السمع، لأنه إنما يكون بقصد ونية وتوجيه الحاسة إلى الكلام لإدراكه، والسمع ما يحصل ولو بغير قصد، والإنصات: السكوت لأجل الاستماع حتى لا يكون شاغلاً عن الإحاطة بكل ما يقرأ . 

فمن استمع وأنصت كان جديراً بأن يفهم ويتدبر، وهو الذي يرجى أن يرحم، وتختلف الروايات المأثورة في موضع هذا الأمر بالاستماع والإنصات إذا قرئ القرآن، بعضهم يرى أن موضع هذا الأمر هو الصلاة المكتوبة، حين يجهر الإمام بالقرآن؛ فيجب أن يستمع المأموم وينصت، ولا يقرأ هو مع قراءة الإمام الجهرية، ولا ينازع الإمام القرآن! وذلك كالذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وصححه أبو حاتم الرازي، من حديث الزهري عن أبي أكثمة الليثي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراء، فقال: «هل قرأ أحد منكم معي آنفاً به « قال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن» فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

وكالذي رواه ابن جرير في التفسير: حدثنا أبو كريب، حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن بشير بن جابر قال: صلى ابن مسعود، فسمع ناساً يقرأون مع الإمام، فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا؛ أما آن لكم أن تعقلوا: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} كما أمركم الله! وبعضهم يرى أن هذا كان توجيهاً للمسلمين أن لا يكونوا كالمشركين الذين كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى، فيقول بعضهم لبعض بمكة: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون}. 

وبعيداً عن هذا الخلاف نقول إن التدبر للقرآن بالاستماع له والإنصات مقصد شرعي، وصاحب الظلال له كلمة بارعة حين يقول: «الناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن، وإن الآية الواحدة لتصنع أحياناً في النفس، حين تستمع لها وتنصت، أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة والتكيف والرؤية والإدراك، والطمأنينة والراحة، والنقلة البعيدة في المعرفة الواعية المستنيرة، مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه! وإن العكوف على هذا القرآن، في وعي وتدبر لا مجرد التلاوة والترنم، لينشئ في القلب والعقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة ومن الحرارة والحيوية والانطلاق ومن الإيجابية والعزم والتصميم؛ ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين