حوار مع فضيلة الشيخ عبد الله سالم -
يعتبر مشروع إصدار الموسوعة الفقهية من الإنجازات التي تحتسب لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، حيث أخذت على عاتقها إصدار تلك الموسوعة في عدة أجزاء وإخراجها الى النور ليستفيد منها الباحثون والمتخصصون ولتكون مرجعا وعلما علميا بين باقي موسوعات العصر الحديث ولتسليط الضوء على هذا الإنجاز كان لموقع الوزارة هذا الحوار مع الشيخ عبد الله نجيب سالم الباحث العلمي في الموسوعة الفقهية
تاريخ الموسوعة الفقهية
قال الباحث العلمي في الموسوعة الفقهية بالكويت الشيخ عبد الله نجيب سالم إن " الموسوعات في علم الفقه الإسلامي بدأ التفكير بها في العصر الحديث، ومن قبل كانت هناك في مجال الفقه الإسلامي أعمال تشبه الموسوعات وليست بموسوعات، وإنما يمكن أن نسميها أعمالا شمولية تتسم بالضخامة، وهي في الفقه موجودة في كل مذهب، ككتاب المغني لابن قدامة، وكتاب المجموع للنووي وغيرهما، لكنها ليست على نسق ما هو متعارف عليه حاليا من نظام الموسوعات المتقيد بقواعد علمية وضوابط واضحة بينة ".
وقد بدأت الدعوة لإنشاء الموسوعة الفقهية منذ أكثر من خمسين عاما في مؤتمر الفقه الإسلامي في باريس عام 1952م، حيث ظهرت أول دعوة جادة ومُلحَّة لإعادة صياغة الفقه الإسلامي بأسلوب حديث، وبدأت تتحرك الجهات الإسلامية العلمية منذ ذلك الحين من أجل تنفيذ ذلك، لإعادة صياغة الفقه الاسلامي وترتيبه وتنظيمه، ليكون شامل الاستيعاب سهل التناول قريب المأخذ لمتوسطي الثقافة والأخوة القانونيين والحقوقيين.
وقد لاقت هذه الدعوة الواعية صدىً طيباً في عدد من البلدان الاسلامية وأول أصدائها ترددت في سوريا عندما تحركت كلية الشريعة بجامعة دمشق في الخطوات الأولى لإصدار الموسوعة الفقهية وأصدرت تمهيدا لها فهرس كتاب فقه كبير، وهو كتاب المحلى لابن حزم، وفهرساً آخر لحاشية ابن عابدين، ومسرداً للمصطلحات الفقهية الأساسية التي تضمُّ شتات المسائل الفقهية، وبدأت الأفكار تنضج رويداً رويداً، ولما تمَّت الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م انتقلت الموسوعة الفقهية من سورية إلى مصر لثقلها العلمي وإمكاناتها الكبيرة، وبالتعاون مع شقيقتها سوريا بدأت في مصر خطوات عملية في إصدار موسوعة فقهية، ولا تزال هذه الموسوعة التي تصدرها الشقيقة مصر ماضية حتى وقتنا هذا، ولكن لها منهج متوسع جداً، وفيه شئ من التريث والتأني، وهي معروفة باسم موسوعة جمال عبد الناصر".
وبعد الانفصال بين مصر وسوريا في عام 1965م، وتوقف التعاون السوري المصري في مجال الموسوعة الفقهية، تبنَّت دولة الكويت فكرة إصدار الموسوعة الفقهية، وبدأت بوضع القواعد والأسس لها، و اختير لها في عام 1967م الشيخ مصطفى الزرقا أميناً عاماً وهو من أعلام الفقه الاسلامي في العصر الحديث رحمة الله عليه، فقام بجمع كوكبة من العلماء ليشكلوا كادرا علميا قويا جدا، ومن ثم اعتمدت القواعد وأسست اللجان، وضعت الخطوات الأولى في عمل الأبحاث التجريبية للموسوعة الفقهية ونشر مايقرب من ثمانية أبحاث تجريبية وزعت على العالم الاسلامي كله. وطلب من المتخصصين والمهتمين والمتابعين أن يُدلوا بآرائهم وأفكارهم لتنقيح العمل وتجديده، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الفترة الأولي من عمر الموسوعة الفقهية، لأن هذا العمل توقف 1971 للمراجعة والتقاط الأنفاس ورصد أصداء العمل الذي تم منذ عام1967 إلى 1971م.
وفي عام 1973 أعيد العمل في مشروع الموسوعة لدورة جديدة، وصدر الجزء الأول منها، وبدأت تتوالى الأجزاء واحداً تلو الآخر إلى أن وصلت الى ماهى عليه هذه الأيام.
أهداف الموسوعة الفقهية
وعن الأهداف التي من أجلها أنشئت الموسوعة الفقهية ذكر الشيخ سالم أن "أول أهداف الموسوعة الفقهية هو " تبسيط الفقه الإسلامي الذي تختزنه أمهات المراجع الفقهية، فالفقه وصل في مراحله الأخيرة إلى مرحلة من الترهل والتعقيد، فأصبح مغلق العبارة لايفقهه إلا المتخصصون الذين يحارون في بعض عباراته وكان في بنيته وتركيبه يتكون من المتون والشروح والحواشي وحواشي الحواشي والتعليقات، وكادت لغة الفقه أن تبتعد عن لغة عامة الناس والمثقفين وهذا ما أحدث فجوة، فقامت الموسوعة الفقهية بعملية حفظ للفقه الإسلامي وإحياء له عن طريق تذليل عباراته وتنسيق أفكاره وإعادة صياغته.
وأضاف أن " الهدف الثاني يتمثل في تسهيل سبل الأخذ والاستعانة بالفقه للحقوقيين ومتوسطي الثقافة إذا ارادوا أن يرجعوا إلى أحكام دينهم وبالتالي يسهل عليهم صياغة أحكام الشريعة الإسلامية بأسلوب عصري يخضع للمصطلحات والنظريات والمواد العامة، فدور الموسوعة هو إحلال منهج الفقه الإسلامي محل منهج الفقه المعاصر ليكون الفقه الإسلامي هو البديل والمقصد الذي نسعى إليه حتى لا تبقى حجة ولا عذر لمن يريد أن يطبق الشريعة الإسلامية بأن الفقه بأسلوبه ومفاهيمه بعيد جدا عن الواقع، فرتبت الموسوعة الفقهية الفقه الإسلامي ترتيبا أبجديا، وجعلت فيه فقرات داخل كل مصطلح وصاغته صياغة مبسطة جدا، ووحدت آراء المذاهب ضمن توجهات عامة تسهل نقلها الى مواد تشبه المواد القانونية ".
والهدف الثالث من أهداف الموسوعة: " أن لكل عصر لغة، والموسوعات الشاملة هى لغة المعرفة في العصر الحالي، فهناك موسوعة المعارف البريطانية والموسوعة العربية وغيرهما، فتأتي هذه الموسوعة الفقهية لتقف في صف الموسوعات العالمية الكبرى، ويكفي أن نستذكر الجهود الضخمة التي بذلت والأموال الكثيرة التي أنفقت والأعداد الكبيرة من الخبراء والباحثين والعلماء الذين شاركوا في إنتاج هذا العمل الحضاري الفريد الذي تفتخر به الكويت، فالموسوعة الفقهية أعظم إنجاز فقهي في العصر الحديث، وكان من نعم الله عز وجل أن تمَّ هذا العمل الإسلامي الكبير على أرضها وترابها وبإشرافها بعد أن بدأ في عدة مواطن، ولكن إرادة الله عز وجل اختصت هذا البلد الطيب دون سواه بهذا الشرف الخالد ".
المشاريع الملحقة بالموسوعة الفقهية
وقال الشيخ عبد الله سالم: إن " الموسوعة الفقهية يتبعها ويتفرع عنها أكثر من مشروع، فهي كالشجرة الأم لها فروع وأغصان، وهي مفخرة حضارية للكويت، وللعاملين فيها والمسؤولين عنها، وقد انتهت في الجزء الخامس والأربعين، طبع منها ثلاثة وأربعون مجلدا، والمجلد الرابع والأربعين تحت الطباعة، في حين سيدخل المجلد الخامس والأربعين قريباً إن شاء الله إلى المطبعة، وبذلك تتم الموسوعة الفقهية والحمد لله
وأضاف: " وفي أثناء عمل الموسوعة تولدت مشاريع علمية كثيرة، نسميها أعمالا موسوعية مساندة، وكان هناك خطط لمشاريع لاحقة، أي أن هناك مشاريع رافقت الموسوعة ومشاريع تبعت الموسوعة، مثلا من المشاريع التي رافقت الموسوعة الفقهية مشروع "فهرسة المراجع الفقهية " الذي يهدف إلى تسهيل الوصول إلى مسائل المراجع الفقهية الضخمة جداً، وهذه المراجع من الاتساع بحيث أن كثيراً من أبناء المذهب الواحد قد لا يحيطون بكتب مذهبهم فكيف لهم أن يحيطوا بكتب المذاهب الأخرى الأمر الذي يتطلب من الباحث وقتا طويلا للبحث عن مسألة فقهية معينة، وبالفهرسة نسهل على الباحث عناء إضاعة الوقت في الوصول إلى المسائل، وقد طبع من تلك الفهارس الفقهية حوالي عشرة فهارس فقهية لمراجع في مختلف المذاهب الفقهية الأربعة، ونحن الآن بصدد تطوير هذا المشروع ليكون أكثر اتساعاً وفائدة ودقة ".
ومن المشاريع التي ساندت الموسوعة الفقهية أيضاً طباعة بعض الكتب الفقهيةالتي تمس إليها الحاجة ولا يستغني عنها العمل الموسوعي، وقد تكون تلك الكتب إما نفذت طبعاتها، وإما أن أنها في الأصل مخطوطات قديمة غير مطبوعة، لذا اهتمت الموسوعة بطباعة كتب التراث التي تدعم إصدار الموسوعة الفقهية، وصدر في هذا الصدد مجموعة لا بأس بها من كتب التراث بعضها طبع لأول مرة وبعضها في طريقه للطباعة.
وقال: " من الأعمال الموسوعية المساندة التي رافقت الموسوعة تحقيق وطباعة رسائل تراثية صغيرة في موضوع معين، وهذه الرسائل خدمت الموسوعة في بعض المصطلحات التي احتاجت فيها لمثل هذا النوع من الرسائل، هذا بالإضافة إلى الجهد الكبير الخاص بتراجم علماء الفقه الذين ترد أسماؤهم في المسائل الفقهية، وقد خصص ختام كل جزء من الموسوعة الفقهية للتراجم الواردة في كل جزء، والهدف من هذا تعريف الباحثين بسيرة هؤلاء الأعلام، ولا ننس مشروع تخريج أحاديث الموسوعة الفقهية، فالموسوعة التي تكاد تكون حوت واستوعبت أحاديث الأحكام الشرعية دعت الحاجة الى تخريج هذه الأحاديث وعزوها الى مصادرها وتوضيح درجة صحتها وتبيان المروي عنهم "
ومن المشاريع الهامة أيضا: " موسوعة أصول الفقه"، فالفقه الاسلامي هو المسائل التي تبين لنا الحلال والحرام وما يفعل وما يترك، وهذه المسائل استنبطت من أدلة ونصوص ضمن قواعد وضوابط تسمى علم أصول الفقه وهو العلم الأم الذي تولد منه علم الفقه، وهذا العلم دقيق جدا، يعلم المشتغلون بالفقه أهميته الكبرى، ومن فضل الله على الكويت أن بدأت الإجراءات العملية في إصدار موسوعة أصول الفقه منذ أكثر من سنتين، فنحن ننتهي من موسوعة وندخل في موسوعة أخرى.
النشر الإلكتروني للموسوعة الفقهية
وذكر الشيخ سالم: أن من المشاريع الملحقة بالموسوعة: مشروع القرص المضغوط أو النشر الإليكتروني للموسوعة الفقهية، حيث سيتيح هذا المشروع حمل الموسوعة الفقهية بدون وزن تقريبا بينما الورق الذي طبعت فيه الموسوعة جعل الموسوعة ضخمة وثقيلة، فالهدف من النشر الألكتروني تسهيل تداول الموسوعة، بالإضافة الى تسهيل الوصول إلى المعلومة عن طريق الحاسب الآلي الذي يعتمد على قاعدة ضخمة للتحليل والترميز، كما يمكن في القرص المضغوط للموسوعة الفقهية الربط بين مراجع الموسوعة الفقهية التي ترد في الهامش وبين نصوص تلك المراجع، وقد تم قبل حوالي سنة توقيع عقد للنشر الالكتروني مع إحدى الشركات المتخصصة ويتوقع الانتهاء من المشروع في شهر يونيو من هذا العام إن شاء الله، ومن مشاريع الموسوعة الفقهية الملحقة، مشروع ترجمتها إلى لغات العالم الحية لتخدم المسلمين الناطقين بغير العربية كما تخدم غير المسلمين الراغبين في المعرفة والإطلاع، ومما يسر في هذا الصدد الانتهاء من ترجمة الموسوعة إلى لغة الأوردو، وهي من أقرب اللغات الي الفقه الإسلامي، لأنها لغة إسلامية، ولأنها لغة تستعمل الحرف العربي، ولأن عقلية المسلمين الذين يتحدثون بها وعقلية العرب متقاربة جداً، وبعد أن ترجمت الموسوعة بالكامل إلى الأردو، يجري حاليا طبع اثني عشر جزء من الموسوعة الفقهية الأردو، كخطوة أولى، وجاري التحضير قريبا لترجمة الموسوعة بلغات أخري كالفارسية والإنجليزية وغيرها من اللغات، وهناك لجان تعمل في هذا الصدد.
الموسوعة الفقهية برنامج إذاعي
وأضاف سالم " من المشاريع التي ألحقت بالموسوعة أيضا مشروع إذاعة الموسوعة حيث شكلت لذلك لجنة مهمتها تحويل المادة العلمية إلى دراما تصلح عملا فنيا يقدم في الإذاعة بعد مراقبة المادة وتدقيقها، وقد أذيع منها قرابة مائة وخمسون حلقة حتى الآن، واختير لإذاعتها وقت مناسب جدا في إذاعة دولة الكويت، والعمل مستمر متواصل،وأصبحت الموسوعة بهذا المشروع تخاطب المهتم المتخصص،والإنسان العادي البسيط، وهذا مشروع قوي ورائد.
أما عن مشروع الطبعة الشعبية الجديدة للموسوعة الفقهية، فعندما انتهينا من الموسوعة، وجدنا أن أجزاءها طبعت خلال سنين عديدة، كل جزء في السنة التي انتهى فيها من الإعداد والتأليف، وهذه الفترة الزمنية الطويلة جعلت أجزاء الموسوعة مختلفة الألوان والأحجام وحتى شكل الموسوعة العام تجده غير متناسق، فتولدت لدى المسؤولين فكرة طباعة الموسوعة في شكل جديد على أن تكون بنصف الحجم الذي صدرت به عن طريق الورق الرقيق والحرف الصغير ومن ثم إخراجها في صورة جمالية موحدة، وبالتالي تخفيض سعر الموسوعة لتكون في متناول الجميع.
وفي ختام حديثه أكد عبد الله نجيب سالم على دور وزارة الأوقاف الرائد والعظيم في إصدار الموسوعة بقوله: " الحقيقة أن وزارة الأوقاف حملت عبئا كبيرا جداً وأثبت المسؤولون فيها شهامة وإصرارا ورغبة في متابعة إصدار الموسوعة من حين نشأتها إلى اليوم، والحقيقة الواضحة أن وزارة الأوقاف هى الجهة الوحيدة التي تحملت مسؤولية كتابة الموسوعة وتنقيحها ونشر ملاحقها ومتابعة المشاريع الخاصة بها، لكن لا ينكر أن للأمانة العامة للأوقاف دور في الدعم المادي لمطبوعات أجزاء الموسوعة الفقهية ".
* * *

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين