أهل الرحمة في القرآن العظيم (2)

 

من الصفات التي قرنها القرآن برحمة الله عز وجل صفة الطاعة لله ولرسوله، يقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة كما قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وهي آية دالة على حسن الاتباع والانقياد لله عز وجل، ولها اختبارات تدل عليها كما قال الله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}.. إذ كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي..

 ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير الإسلام، ودينه المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم.. فكان الاختبار الأول الذي يدل على خلوصهم لله من عدمه. 

أمروا أن يغيروا قبلتهم الدينية التاريخية، بل كأنهم نزعوا منها نزعاً، واختار لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى، ليظهر من يتبع الرسول اتباعاً مجرداً من كل إيحاء آخر، اتباع طاعة تقود إلى رحمة الله تعالى واثقة راضية مستسلمة، وهنا حقت الرحمة لمن تجاوز العقبة وجعل من طاعة الله وطاعة رسوله هدفاً يسمو على النزعات البشرية والتطلعات الفطرية.

{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إن تعليق الرحمة بهذه الطاعة العامة. لأمر جد خطير، مرادها أنه لا طاعة لله وللرسول في مجتمع يقوم على مخالفته، وإن زعم اتباعه، لا طاعة لله وللرسول في قلب من يتركون سنته ويتغنون بحبه {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. وهذه هي القاعدة التي يرجع إليها الأمر كله. 

لقد ورد الحث على طاعة الله وطاعة رسوله مرات متعددة، وبصيغ منذرة تارة، ومرغبة أخرى، ففي سورة آل عمران يقول الله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }132. وفي سورة المائدة: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} 92. وفي مطلع سورة الأنفال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}1. 

وفيها أيضاً: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}46. 

وفي سورة المجادلة: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}13. وفي سورة التغابن {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }112. وبمجموع الآيات وقراءتها في نسقها الموضوعي يتبين أن طاعة الله وطاعة الرسول هي التي لا تبقي مع المسلم طاعة أخرى، إنها الطاعة المطلقة لله وللرسول.. والحذر من المخالفة، والتهديد من عثراتها واضح في قوله {فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين }.

اللهم اجعلنا من الطائعين لك ولنبيك، المقدمين لأمره على كل من عداه، واحشرنا معه في جنات عدن، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين