الحلقة الخامسة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة

هذه الحلقة الخامسة من الحوار مع فضيلة الدكتور الشيخ محمود أحمد ميرة حفظه الله تعالى وفيها يتابع حديثه الممتع عن المشايخ الذين تأثر بهم وانتفع بصحبتهم فيذكر من هؤلاء الشيخ : حامد هلال، والشيخ أحمد القلاش،والشيخ محمد الملاح، وعند حديثه عن صحبته للشيخ محمد ملاح ودراسته عليه يذكر المشكلة التي تسببت بانقطاعه عنه . ثم ينتقل للحديث عما جرى من خلاف بين الطلاب وبين الشيخ عبد الله سلطان رحمه الله تعالى في الثانوية الشرعية .

ومن المشايخ الذين تأثرت بهم الشيخ : حامد هلال الذي درسنا «شرح الألفية » وكان صاحب خلق وهدوء ولم تر عيني مثله،وكان يباسط الطلاب ويحفزهم على متابعة العلم. وكان الشيخ يدرس البنات في ثانوية معاوية، وكان محترماً من قبلهنَّ حتى أنه حدَّثني مرة أن الطالبات لشدة احترامهنَّ له كتبنَ عنه في مجلة الحائط : «شيخ وقور، علمه موفور، ....»وعدد من السجعات، ثم قلن: احذرن من هو؟ ثم قال لي: «يعنوني أنا»

ولم يرزق الشيخ بالأولاد فكفل ولدً وربَّاه وعلمه وابتعثه لدراسة الطب في تركيا وتخرج الطالب سنة وفاة الشيخ وحضر تشييعه معنا، وذلك في حدود سنة 1955 .

ومن الشيوخ الذين لهم الأثر الشيخ : أحمد القلاش حفظه الله، حيث درسنا الفقه الشافعي فابتدأ «بتنوير القلوب» ووصل إلى شرح ابن القاسم مع حاشية الباجوري، ثم حاشية البجيرمي على الخطيب. فكل سنة يقرر قسماً من هذه الكتب. كما درسنا الشيخ البلاغة في إحدى السنوات، وقرأنا عليه في مسجده في حي المشاطية أنا وعمر العطار شرح الألفية لابن عقيل في 17 يوماً، لأننا كنا نجلس من الصباح إلى الظهر.

ومن الشيوخ ذوي الفضل عليَّ : الشيخ محمد الملاح رحمه الله تعالى، ولكنه كان ذا أحوال عجيبة. كنت إماماً في المدرسة البهائية وكان هو شيخ هذه المدرسة ولي فيها غرفة وله غرفة، وفي هذه الأثناء قرأ لي كتب كثيرة كحاشية الباجوري بكاملها، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل بكامله، وكان له جَلَد على القراءة، وكان ذا دقة في قراءة العبارة وفهمها. لكن عنده اعتداد بنفسه واعتقاده بانفراده في الفهم. وعادته أن من يقرأ عليه لا يجوز أن يقرأ على غيره من الشيوخ.

وكانت له غرفة في الجامع الأموي الكبير يقرأ لنا فيها في الصيف من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر في حاشية ابن عابدين، وبعد العشاء في الشتاء يقرأ في الحجازية .

وكان يدرس تفسير البغوي في الجامع الكبير ويجيد التفسير وله أثر كبير، وكان يحبني، ولكن جرت حادثة طردني من أجلها من الدرس بسبب موقفي في تأييد الشيخ أبو الخير عندما نقل من وظيفته في التدريس ليكون مديراً لأوقاف المعرة؟ .

_ لماذا عُيِّن الشيخ أبو الخير زين العابدين مديراً لأوقاف المعرة ؟

_ نقل الشيخُ أبو الخير من التدريس إلى إدارة أوقاف معرة النعمان عقوبة له لأنه يتكلَّم في موضوعات تمسُّ زعيم الانقلاب الذي صار فيما بعد رئيساً للدولة؛ وكان الشيخ خطيب الشعبانية – معهد العلوم الشرعية - فجاء أمرٌ بتحويله من أستاذ في المدارس الشرعية إلى مدير لأوقاف المعرة ، فتظاهر الطلاب المؤيِّدون له وكتبوا عريضة ووقّعوا عليها وبعثوها بالبريد إلى المسؤلين ، فاطّلع الشيخ الملاح على اسمي مكتوباً في العريضة ، فلما رأى اسمي قال : كيف وقّعت بدون إذني؟ ونحن ما ظننا أن تصله أسماؤنا، لأننا نعرف عقليَّته ، لكن ماندري كيف وصله الخبر، فجئنا بعد العشاء فطردني مع العطّارين (عمر ومحمد ربيع)، ولم يعد يقرأ لنا ، ومن يومها صرت أُسلِّم عليه فلا يردُّ السلام ، مع كونه أستاذاً لنا وشيخنا في الدراسة، وهو شيخ المدرسة البهائية يقيم فيها لأنه لم يكن حينذاك متزوجاً .

_ هل درستم في المدرسة البهائية ، أنتم درستم في الشعبانية فقط أليس كذلك ؟

_ لا نحن لم ندرس في البهائية لأنَّ الدراسة اقتصرت على المدرسة الشعبانية ، لكني كنت إماماً فيها ومؤذناً، وكانت لي غرفة فيها، وكانت للشيخ أيضاً غرفة خاصَّة به، وكان الشيخ يقرأ لنا فيها، وكان تدريسه لنا مقسماً بين البهائية والجامع الأموي فله فيه أيضاً غرفة خاصة به .

_ أين تقع المدرسة البهائية ؟

_ المدرسة البهائية تقع أمام خان الكتّان ، خلف مديرية التربية والتعليم أيامها الواقعة حول القلعة . والمدرسة تقع على اليد اليسرى لباب سوق الزُّرب وعلى اليد اليمنى يقع خان الجورة، وأمام الباب يقع خان الكتان، وهذه كلها معروفة في المنطقة .

_ هل بقي الشيخ الملاح مزعوجاً منكم ؟

_ استمرَّ انزعاج الشيخ بعدها، وقاطعنا واقتصر لقاؤنا به في دروسه النظامية في المعهد . حاولت قبل قدومي للتدريس في المملكة العربية السعودية زيارته لأستسمحه لكني صادفته في حي الفرافرة أمام دار الزعيم رشدي الكيخيا فسلَّمت عليه فلم يرد وحاولت راجياً أن يقبل عذري ويسامحني لكنه أبى عليَّ ذلك، ومع هذا سلَّمت عليه وودعته وانصرفت، ثم سافرت ولم ألتق به بعد ذلك رحمه الله وغفر له.

_ وكل هذا لأجل وقوفكم مع الشيخ أبي الخير فقط ؟

_ نعم .

_ وبعدها هل نقل الشيخ أبو الخير؟

_ كلا ، لم يُنقل.

_ ما مشكلة المدرسة الشرعية التي وقعت بين الطلاب وبين الشيخ عبد الله سلطان هل كنتم حاضرين فيها ؟

_ نعم كنت طالباً وقتها ، وكان مديراً للمعهد الشرعي ، وسبب المشكلة بُعْده عن الطلاب وعدم المساعدة في حل مشكلاتهم .

_ هل كان لكم صلة بالشيخ النبهان في هذه الفترة ؟

_ ليست لي صلة خاصة به ، وكنت في هذه الفترة منصرفاً إلى التحصيل والجد وتأمين المعيشة ، لكنني كنت أعلم أخباره عن طريق بعض أساتذتنا من طلابه مثل شيخنا الشيخ محمد أديب حسون والشيخ نزار لبنيّه وأمثالهما .

_ هل درسكم الشيخ محمد أديب حسون ؟

_ نعم درسنا الفقه الشافعي ، وكتاب "موعظة المؤمنين" للقاسمي .

_ في أيِّ سنة درَّسكم ؟

_ في السنة الثالثة والرابعة من المعهد ، وكان معنا ابنه عبد الباسط سلَّمه الله ، وهو من زملائي الطيبين الأتقياء الصالحين ، وكنت وإياه كفرسي رهان نتنافس في طلب العلم والجد، وكنت أنا الأول وهو يتلوني في الترتيب .

_ نفهم من كلامكم أنكم كنتم تأخذون أخبار الشيخ النبهاني من طريق الشيخ محمد أديب حسون باعتباره تلميذه؟

_ نعم ، وكان الشيخ محمد أديب حسون حريصاً على النفع في دروسه، ويغلف دروسه بالتوجيه الخلقي ويهتم بذلك كثيراً .

وإلى الحلقة القادمة السادسة وفيها يحدثنا الشيخ حفظه الله تعالى عن تفصيلات تلك المشكلة وعن آثارها كما يحدثنا عن مشايخه الآخرين الذين درس عليهم .

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين