الحلقة الرابعة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة

في هذه الحلقة يحدثنا الشيخ حفظه الله عن المشايخ الذين أدركهم وانتفع بصحبتهم ويذكرمنهم الشيخ أحمد أبو الذوق عطار، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ محمد نجيب سراج، ومحمد سعيد الإدلبي ،وأحمد الشماع، والشيخ عبد الله سراج الدين ، والشيخ أبو الخير زين العابدين .

 قبل أن ننتقل إلى الحديث عن مرحلة معهد الغرَّاء ، أذكر أنَّ مِنَ المشايخ المربين الذين أدركتموهم الشيخ أحمد أبو الذوق عطار فهل يمكن أن تذكروا لنا شيئاً عنه؟.

نعم كان الشيخ من أهل الحي، وكان في شبابه يعمل حجَّاراً ، وكانت له صلة بشيخنا الشيخ محمد أبي النصر الحمصي ، وكان الشيخ أحمد مُلمّاً بمباحث الفقه ، فكان يُفَقِّه مَنْ حَوْله ويرشدهم إلى التخلُّق بآداب الإسلام وتطبيقها على كل من حولهم ، واستقطب عدداً من الأشخاص منهم والدي رحمه الله ، وصار والدي يحضر جلساته قبل الذهاب إلى العمل وبعد العودة من العمل صباحاً ومساءً ، وكان لهم أذكار يداومون عليها وعند المناسبات يدعى الشيخ مع إخوانه وطلابه ليستفيد كل من حضر من توجهه وحسن أدبه ، و كان الشيخ من الصالحين الأتقياء ، وكانت له كلمة مسموعة وحبٌّ في قلوب أهل الحيّ ، وكان يقيم وحيداً في زاوية كانت مهجورة فأحياها وجعلها كخلية النحل لا تخلو من اجتماع أو توجيه أو استفتاء ، هو أحياها وصارت سكنه الخاص.

هل أدركتم دروس الشيخ عيسى البيانوني ؟

_ الشيخ عيسى رحمه الله كان يأتي كل يوم جمعة يدرس عندنا في الكلاسة ، وكان مُغْرماً ومتخصصاً بترغيب الناس بحبِّ سـيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مُدرِّساً ناجحاً ، مُوفَّقاً يتقن العرض ، ويدخُل كلامه في قلوب العوام فكانوا يحبونه كثيراً ، وقد حضرت عليه دروسا كثيرة مع صغرسني.

هل أدركتم دروس العلامة الشيخ محمد نجيب سراج الدين؟

حضرت أيضاً على علامة حلب الشيخ نجيب سراج الدين ، فكنت أحضر دروسة يوم الاثنين بعد الظهر مع الوالد في الجامع الأموي .

هل تذكرون دروسه؟

_ نعم ، أذكرها ، وأذكر شكله أيضاً وهيئته.

هل أدركتم الشيخ محمد سعيد الإدلبي ؟

نعم أدركته وحضرت عليه دروسا أيضاً ، كنت أحضر له درساً في الفقه - وكان الشيخ قارئاً فقيهاً- بعد صلاة الفجر في رمضان في الجامع الأموي .

والشيخ أحمد الشماع هل أدركتموه ؟

_ حضرت دروسه للعوام يوم الجمعة بعد العصر في جامع بانقوسا ، ودرسه في الحديث في سنن الترمذي في الجامع الذي كان يصلي فيه أمام بيته في باب قنسرين.

وماذا كان يقرأ الشيخ الشماع رحمه الله تعالى؟

_ كان الشيخ فقيهاً متمكِّناً ، وناجحاً في إيصال المعلومات إلى قلوب العوام، وكان حنفي المذهب.

وبعد موته رحمه الله لازمت درس شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين في الجامع الأموي مكان والده رحمه الله، وكنت مداوماً على درسه.

هل حضرتم دروساً عامة أخرى؟

كانت هناك دروس عامة كثيرة كنت أحضرها ، منها للشيخ عبد الوهاب سـكر (رحمه الله) عندنا في الحي يوم الجمعه بعد العصر، ثم تلقيت علم النحو عليه في المدرسة الشرعية، ثم عُيِّن مديراً لمعهد العلوم الشرعية .

ذكرتم من المشايخ الذين تأثرت بهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى ، فمن من المشايخ الآخرين الذين تأثرت بهم أيضاً؟

الشيخ الثاني ذو الأثر في نفسي هو الشيخ عبد الله سراج الدين...حيث كان له الأثر الكبير في الجانب الخلقي والعلمي والتربوي، فدرسنا التفسير وشرح الشمائل ودرسنا مواد أخرى. درسنا في التفسير جزء عم للبيضاوي. وقد كان الشيخ آية من آيات الله في الحفظ. ودرسنا التاريخ واعتمد فيها كتاب:«البداية والنهاية»لابن كثير، فقد كان ينقل منه كثيراً ويصحح بعض المفاهيم المغلوطة. وقرأ لنا بعد الدوام في المدرسة الزينبية قسماً من كتاب :«شرح الجوهرة» للشيخ محمد الحنيفي. وكان معي في هذا الدرس طالب آخر إما الشيخ محمد عوامة، أو غيره إلا أن العوامة زاملني في القراءة على الشيخ، وكان مغرماً به وذا صلة وثيقة به.

والشيخ عبد الله من الأساتذة النابهين، وترى درسه يوم الاثنين في الجامع الكبير حيث يمتلىء الجامع في الوقت الذي لم تكن فيه مكبرات الصوت، فكان يدرس من حفظه ساعة كاملة، ويجمع بين كلام ابن تيمية وابن عربي جمعاً موفقاً.

وأما الشيخ أبو الخير زين العابدين فمظهره يغري بالعلم وجلال العلماء، فكانت مشيته وهيئته ونفسيته نفسية ملك، وكان نابغة شديد الملاحظة دقيق الفهم والتعبير، وكان مدرساً وخطيباً . وشدة تأثيره في الخطابة عجيب ويحصل في بعض الأوقات أن له وجهة نظر وبعض الطلاب يخالفونه في وجهة نظره فيخطب الشيخ خطبة يُقْنع بها المخالفين ويوجههم وجهة أخرى. والخلاصة أنه كان آية في الإقناع، ساحراً في خطبه وبلاغته. وله مواقف شجاعة أيام الشيشكلي وغيره، فقد كان ينتقده نقداً صريحاً على منبر الشعبانية. ولم أحضر خطبه في جامع السبيل لأنني كنت آنذاك أحضر خطبة الشيخ عبد الفتاح في الجامع الحموي، ثم لما توجهت للخطابة حُرمت حضور خطب شيوخي.

وقد درسنا أبو الخير المنطق وكان الشيخ محمد زين العابدين الجذبة، ابتدأ بتدريسها لنا ثم اعتذر وحوَّلها إلى الشيخ أبي الخير، كما درسنا في النحو كتاب :«مغني اللبيب» ، وكان مبدعاً، وكأنه يحفظ الكافية في النحو، وكثيراً ما يستشهد بالكافية وينقل نصوصاً من حفظه، ويوضح أشياء ترتبط بالمغني.

وكان رحمه الله تعالى نابغة ويذكر عن نفسه أنه ألف كتاباً في المنطق وعمره 16 سنة. وأجازه له والده وقرظه له.

وقد كان من حيث العلم ودقة الفهم وعزة العلماء في الدرجة الأولى، وله مقدرة في التعامل مع كل الأساتذة فيصادقهم ويباسطهم.

أذكر مرة أن الشيخ أسعد العبه جي مفتي الشافعية رحمه الله كان يدرسنا الأصول والوقت آنذاك شتاء، وغرف الصفوف ضيقة والمواقد مشتعلة فجاء الشيخ في يوم ماطر شديد البرودة فدخل والصف دافئ فخلع الحذاء الذي فوق الخف وجلس فلما انتهى من درسه خرج ونسي الحذاء الذي يلبس فوق الخف، وجعل يمشي في الماء، فلما رآه الشيخ أبو الخير يمشي هكذا قال: ما هذا؟ فأجابه: أصلح الله الطلاب لم ينبهوني وأنا نسيت لبسهما ، فذهب الشيخ أبو الخير وأحضر الحذاء وألبسه إياه لشدة احترامه للعلماء حتى في تعامله مع الطلاب مع كون بعضهم من غير مشربه فهو يحترمهم.

وإلى الحلقة الخامسة التي يتابع فيها الشيخ حفظه الله ذكرياته عن بقية شيوخه الذين درسوه وانتفع بملازمتهم

* * *

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين