6 سنوات مضت

 

في محاولة لقراءة شموليّة ومسحيّة للصّراع الدّائر والشّديد التّعقيد على أرض بلاد الشام، لا بدّ من الإستناد إلى مسلّمات واقعيّة وثوابت مؤثّرة في فهم دقيق لعمق هذا الصّراع وأبعاده، أوّلها وأهمّها -في نظري طبعاً- أنّ من يدير هذا الصّراع ويمسك بخيوطه التّآمريّة من ألفه إلى يائه الكيان الصّهيوني على أرض فلسطين وخارجها..

 

إنّ إدراك ذلك ضروريّ جداً لفهم أبعاد هذا الصّراع بعمقه الحضاريّ وبما يحمل من بُعد عقائديّ، بغية وضع استراتيجيّة واقعيّة وعمليّة لخارطة طريق المقاومة وإدارتها بفعاليّة وثبات، وتحديد المراحل بأقرب ما يكون إلى الدّقة وفق تطوّر الأحداث وتقلّباتها..

 

ولعلّه من الضّروري في هذا السّياق توطين النّفس والذّات على أنّ المرحلة الّتي تمرّ فيها الثّورة اليوم، وخلافاً لما يُشاع من إمكانيّة حلول قريبة وتسويات، تتطلّب أكثر من أيّ وقت مضى نَفَساً طويلاً، وتؤكّد بعد سنوات ستّ من انطلاقتها أنّ الحسم على أرض المعركة بعيد، بل بعيد جداً، نظراً لمكوّنات الصّراع وطبيعة المتصارعين والمصالح المطروحة في الميزان، وبناءً عليه، فلعلّ أصوب وأفضل استراتيجيّة ينبغي اعتمادها والعمل الدّؤوب على تطويرها ووضع الخطط لها من قِبل الثّوّار، تكمن في حرب استنزاف تعتمد النّفس الطّويل، وما يصاحبها من توزيع المهامّ والمسؤوليّات بين عناصر المقاومة وفصائلها لترتيب وتنظيم البيت الداخلي، إن صحّ التّعبير، بالتّوازي مع تهيئة بيئة حاضنة في الدّاخل والخارج تساعد وتعين على الصّمود وتحقيق أكبر قدر من النّتائج لخارطة طريق دقيقة وحسّاسة، ذات مراحل متدرّجة مترابطة ومرنة في إدارتها وطُرق تنفيذها..

 

وهنا، لا بدّ من تحقيق شرط أساسيّ لنجاح هذه المهمّة المصيريّة بعون الله ومشيئته، وهو العمل على توحيد كلمة الثوّار سياسيّاً وعلى أرض الميدان ما أمكن، من خلال وضع وصياغة وثيقة إعلان مبادئ تكون بمثابة مسودّة لصياغة دستور مرن مستقبلاً، تتوافق عليه الفصائل ويكون عامل تجمّع وتوافق ومرجعيّة لها..

 

ثمّ أنّه، ولضمان أكبر قدر لنجاح ذلك بعون الله تعالى، لا بدّ من آليّة قضاء ومحاسبة للفصل في الخلافات المتوقّعة، آليّة تتعاهد وتتّفق عليها الفصائل ابتداءً بإشراف علماء وأخصّائيين معتبرين ومعروفين بعلمهم وفكرهم الوسطيّ السّمح..

 

أخيراً، لنا في إمامنا وقائدنا وقدوتنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة، الّذي وقف يوم الأحزاب، يوم الزّلزلة، يوم حوصِر المسلمون من كلّ جانب لاستئصال شأفتهم ومحو أثرهم..وقف مع فئة قليلة من المؤمنين المستضعفين، شامخاً كالجبال، آخذاً بما أوتِيَ من الأسباب، ملتجئً ومتوكّلاً على الله، واثقاً بوعده، موقناً بنصره، حتّى سخّر الله القويّ العزيز لهم جنوداً لنصرتهم، ما يعلمها إلّا هو سبحانه..

 

وهكذا، لن ننجح بامتحان السّيف والبندقيّة ما لم ننجح بامتحان إخلاص القلوب والإيمان عن علم ووحدة الكلمة والهدف والصّبر على الشّدائد والثّبات على الحقّ، آخذين بأسباب الدّنيا ما استطعنا إلى ذلك من قوّة وسبيل..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين