يا رجال الدعوة

إنكم تتألمون اليوم لاستغلال بعض الناس دعوة الإسلام والأخلاق، إلى جر المغانم لأنفسهم من جاه أو مال أو جرهما معاً، مما آذى سمعة الإسلام، وأضر بالدعوة إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة.

لا تتألموا من ذلك يا إخواني؛ فإن استغلال الدين واستغلال ذوي السلطان والقوة للمتظاهرين بالدعوة إلى الله، لم ينقطع في كل عصور التاريخ، وبخاصة في تاريخ الإسلام، ولقد قرأتم في تاريخ المصلحين كيف كانوا في كل عصر يقاومون في دعوتهم من قبل المستغلين للدين أكثر من أعدائه، وأنكم لتعلمون أن أولئك الذين كانوا يقاومون المصلحين كانوا أكثر قوة ونفوذاً في الجماهير، ممن يقاومون دعوتكم اليوم أو يستغلونها، حتى إنكم لتجدونهم أقزاماً بجانب أعداء الإصلاح في الماضي، ومع ذلك لقد ذهب أولئك الدجالون جميعاً إلى الجحيم، وبقي المصلحون وحدهم هم الخالدين.

يا شباب الإيمان

يا شباب الإيمان! ستفجعون في كثير ممن تعلقون عليهم الآمال، فلا تيأسوا؛ فإنما أنتم في تجربة إثر تجربة، وحسبكم قلوبكم السليمة وإخلاصكم النبيل، ولا بد أن تتمخض الليالي عن أملكم المنشود، فالله أحنى على دعوته منكم، وأكرم من أن يرد دعواتكم، وأعلم من أن لا تبلغه خفقات قلوبكم.

يا شباب الإسلام

يا شباب الإسلام! إن الإسلام لم يدخل في معركته الكبرى بعد، ولن يدخلها إلا يوم يستوثق من تنظيم صفوفكم، وكفاءة قيادتكم، وحسن طاعتكم، وجودة أسلحتكم، ومعرفتكم لأهداف معركته مع أعداء أمتكم، وتفضيلكم أن تموتوا في المعركة شهداء ترتعون في رياض الجنة، على أن ترجعوا منها أحياء يزهيكم النصر، وترتعون في مفاتن الدنيا، فلا تسألوا عن وقت المعركة؛ فذلك مرهون باستعدادكم، ولا تسألوا عن مكانها؛ فذلك علمه عند ربكم.

دعاء ومناجاة:

يا رب! إنك تعلم أن لدعوتك جنوداً كالملائكة طهراً، وكالصديقين إيماناً، وكالأسود شجاعة، وكالماء عذوبة، وكالشمس ضياء، وكالهواء صفاء، قد جمعتهم يدك على الهدى، ولملمتهم دعوتك على بعد المدى، يحاربون من هم أكثر منهم عدداً، وأقوى سلطاناً، وأعز جنداً، وأقوى فتنة، وأشد إغراء، ولكنهم لا يستكثرون بالعدد، ولا يتقوون بالسلطان، ولا يعتزون بالجند، ولا يعبأون بالفتنة، ولا يتأثرون بالإغراء، قوتهم بعبادتك، وعزتهم بجبروتك، وسلاحهم من شريعتك، وفتنتهم بجنتك، وغرامهم بوصالك، وهيامهم بجمالك.

هجروا في سبيلك المضاجع، وفارقوا من أجلك الأوطان، وتحملوا لمرضاتك العذاب والآلام، وحرموا للجهاد فيك قرب الأهل والولد، ولذيذ العيش وطيب المقام، فصنهم يا رب من بطش الظالمين، وأبعد عنهم خبث المستغلين، ودسائس المفسدين، وقيادة الجبناء والمغرورين والمراوغين.

ولا تجعل لذوي العقد النفسية عليهم سبيلاً، ولا لأصحاب العقول الآسنة المتحجرة عليهم نفوذاً، ووسع مداركهم ليفهموا مرامي الشريعة ومقاصدها الاجتماعية النبيلة، مع دراستهم لمشكلات مجتمعهم دراسة عميقة تصل إلى معرفة أسبابها وعلاجها.

واجعلهم ألسنة الشعب الناطقة بالصدق، المطالبة بحقوقه، المدافعة عن قضاياه، بروح الهداة المرشدين، والأطباء الناصحين؛ حتى يرى فيهم الشعب أكرم من حمل لواء الإصلاح، وأصدق من خدم قضايا الجماهير، وأوعى من عالج مشكلات المجتمعات.

لا يجاملون فئة على حساب فئة، ولا ينحازون إلى جماعة دون جماعة، لا كما يفعل بعض المدعين للعلم، المتصدين للتكلم باسم الإسلام وهم يدافعون عن فئة من حقها أن تحفظ حقوقها وليس من حقها أن تقر مطامعها واستئثارها، ولكنهم يهملون حقوق الجماهير، وما جاءت الشريعة إلا لرفع مستواها ورد كرامتها إليها، ولا يرفعون أصواتهم بالدفاع عن حقوقها لمهضومة، ولا يقض مضاجعهم حياتهم البائسة الكئيبة.

واجعلهم برحمتك دعاة ثورة بنّاءة هدّامة، تهدم ما في المجتمع من مظاهر التخلف والجهل والظلم، وتبني أقوى مجتمع متماسك متحاب لا تحقد فئة منه على فئة، ولا تعتدي قلة منه على حقوق الكثرة الغالبة.

اجعلهم دعاة ثورة- كثورة نبيهم وصحابته- حين حملوا إلى العالم مبادئ الحق والخير والسلام، فاضطروا إلى أن يزيحوا من طريق الشعوب أعداءها المتسلطين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم، ولا تحركهم إلا شهواتهم. اللهم اجعل محمداً صلى الله عليه وسلم مربيهم في الآخرين، كما جعلته مربي أسلافهم في الأولين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين