يا أيّها الظالمون

 

لا، لا تحسبوا أني أعني الوزراء والرؤساء والأمراء والسلاطين. لا أخاطب الحكّام بل أخاطب المحكومين، فإن ما يقع بين أفراد الناس مِن تَظالم لَيفوق ألفَ مرة ما نشكو منه من ظلم ظَلَمة السلاطين، وإن ظلم الناس بعضهم بعضاً لو جُمع ثم ألقي في الأرض لأضَّتْ منه الأرضُ، ولو أنه جُمع ثم نُشر في السماء لضَجَّت منه السماء.

 

إني لأعجب كلما رأيت الناس كيف يتعاشرون في هذه الدنيا، فلا أكاد أجدهم إلا واحداً من اثنين: ظالم ومظلوم أو آكل ومأكول؛ يظلم كلُّ قوي كلَّ ضعيف، إلا مَن عصمه الله بالتقوى، وقليلٌ هم المتقون.

 

ويلٌ للظالمين، أما يظنّون أنهم يَرِدون على الله؟ أليس الله الذي خلقهم قد حرّم الظلمَ على نفسه وحرّمه عليهم فقال (في الحديث القدسي العظيم): "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تَظالموا". أليس الظلم ظلمات يوم القيامة؟ مَن يحبّ أن يُمضي في ظلمة حالكة يوماً من أيامه أو يومين أو ثلاثة، ظلمة ظلماء لا يخفّف منها ضوءُ شمعة في الأرض ولا ضوءُ نجم في السماء؟ فكيف يرضى هذا الظالم لنفسه أن يُمضي في الظلمة يوماً طوله ألف سنة أو يزيد؟

 

يا أيها الظالمون: توبوا من فوركم وأقلعوا عن الظلم. ليقلع كلُّ قوي عن ظلم كل ضعيف؛ الزوج عن ظلم زوجته، وزوجة الأب عن ظلم أولاد زوجها، والوالدون القساة عن ظلم الأولاد، والأولاد العاقّون عن ظلم الوالدِين، والمؤجّرون الجشعون عن ظلم المستأجرين، وأصحاب الشركات ومديرو المؤسسات عن ظلم العمال والموظفين...

 

يا أيها الظالمون: توبوا وأقلعوا عن الظلم، أو استعدوا ليومٍ يُكشَف فيه عن ساق وتقفون فيه بين يدي الجبار القهار، يومٍ يأخذ الجبّارُ فيه سماواته وأرضه بيده ثم يقول: أنا الجبار، أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ يومٍ يهتف فيه المنادي: لمن الملك اليوم؟ ماذا ستقول يومئذ؟ هل ستقول: أنا الجبار؟ أيّ شيء سيبقى لك من جبروتك وأنت في حضرة ملك الملوك؟ هل ستقول: أنا القوي؟ أي شيء يبقى لك من قوتك وأنت واقف أمام مالك وخالق الأرض والسماء؟

 يا أيها الظالمون: أقلعوا عن الظلم وتوبوا إلى الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين