وداعاً غرناطة (1)

رجال ومواقف

وداعاً غرناطة (1)


(1)

خادمان في قصر الحمراء بغرناطة

الأول: وعلامَ هذا الاهتمام الشديد بنظافة قصر الحمراء، كأني به بين عشية وضحاها مسكن لفرديناند وإيزابيلا.

الثاني: ويحك يا رجل، إن حديثك هذا مرعب، بالله عليك إلا ما تركته.

الأول: أنت مخلوق طيب، لكنك تهرب من الحقائق، "بصوت حزين" إن قبضة حصار الإسبان لغرناطة تشتد يوماً بعد يوم.

الثاني: لكن سلطاننا عازمٌ على الدفاع مهما كانت الخسائر.

الأول: "هازئاً" مَنْ؟ أبو عبد الله؟ ذلك السلطان الخائن الجبان؟ واهاً عليكِ يا غرناطة!.. لقد كان مبعوثو الإسبان ينتظرون الأيام ليؤذن لهم بدخول حمرائك العظيمة. أما اليوم "متنهداً محزوناً" فإن العدو على وشك اقتحام أسوارك الشمّاء، لنصير نحن فيها غرباء أذلاء.

الثاني: اللهم فرِّج عنا ما نحن فيه من شدةٍ وكربٍ وضيق، "بعد صمتٍ قصير" ترى ما فعل موسى بن أبي الغسان؟

الأول: كالعهد به، بطل هذه الجولة الأخيرة وفارسها المعلم لكن، وا حسرتاه ما الذي يملك أن يفعله إزاء هذا الطوفان من جيوش الإسبان!؟

 (2)

السلطان – القاضي – أبو القاسم – الحاجب – موسى – المبعوث الإسباني

السلطان: أنتم وجوه غرناطة، وما أحببت أن أنفرد دونكم بأمر في هذا الوقت العصيب.

القاضي: بارك الله فيك أيها السلطان وجزاك خيراً.

السلطان: ما الذي يقوله أبو القاسم عبد الملك حاكم المدينة؟

أبو القاسم: أما الغوث فلا أمل فيه، وإخواننا في إفريقيا مشغولون عنا، وأسطول فرديناند يسد علينا الثغور ليقطع عنا المؤن والذخائر. أما الأقوات في المدينة فقد نفدت حتى بعض الناس ليهلكون من الجوع.

القاضي: حسبنا الله ونعم الوكيل.

السلطان: هل ترون شيئاً غير تسليم غرناطة لفرديناند؟

          "أصوات متداخلة" هو ذاك، لا حيلة لنا في الأمر، عسى أن نُوَفَّقَ إلى شروط كريمة. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

السلطان: "في صوت حزين مرتفع" الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا رادَّ لِقضاء الله، إن الله قد كتب عليَّ أن أكون شقياً وأن يزول سلطان الإسلام في الأندلس على يدي.

"فترة صمت ثم صوت خطوات يدخل بعدها الحاجب"

الحاجب: مولاي السلطان، بالباب موسى بن أبي الغسان.. ونعيم بن رضوان ومحمد بن زائدة.

السلطان: فليدخلوا. "صوت أقدام، صوت جلوسهم على المقاعد، صوت قعقعة سلاح"

السلطان: مرحباً بقيادة جيشنا الصابر.

موسى: هل اتفقتم على شيء؟

السلطان: أرجو ألا يغلبك الغضب يا موسى، ليس من التسليم بُد.

موسى: "في صوت غاضب عنيف" ماذا، أتُسلِّمونَ وفيكم بقية من حياة؟

السلطان: فلنكن حكماء يا موسى.

موسى: "في صوته العنيف" ما أتعس ما يفعل الناس إذ يسمون الجبن والخنوع فطنة وحكمة!.. ويحكم أيها القوم!.. أين يُذهَبُ بكم!؟ أتعتقدون أن الإسبان يحفظون عهودهم، وأن يكون لهذا الملك الظافر من الشهادة والكرم مثل ما لهُ من التوفيق!؟ إنهم جميعاً ظمأى إلى دمائنا والموت خيرٌ ما نلقى منهم "صمت قصير" إن ما ينتظركم شر الإهانات والانتهاك والرق. ينتظركم نهب منازلكم، واغتصاب نسائكم وبناتكم، وتدنيس مساجدكم. ينتظركم الجور والإرهاق، تنتظركم المحارق الملتهبة لتجعل منكم حطاماً هشيماً.

السلطان: ويحك يا موسى!.. إنك والله بطل شجاع، ولكن هل لنا من خيار!؟

موسى: "في صوت هادر" ربما يعجز الليث عن الغلبة، لكنه لن يكون طعاماً للذؤبان وهو حيٌّ بعد.

السلطان: وماذا عسانا نفعل يا موسى!؟

موسى: إن عجزنا عن طرد الإسبان فلنختر لنا ميتةً تليق بأحفاد الفاتحين من أبناء الإسلام.

السلطان: أوَ نلقي بأنفسنا إلى التهلكة!؟

موسى: التهلكة هي ما أنتم عازمون عليه من التسليم لهذه الطاغية الإسباني.

السلطان: وعلامَ عوَّلتَ؟

موسى: أن أُحصَى بين مَنْ ماتوا شهداء أكرم لي من أن أُحصى بين من شهدوا تسليم غرناطة. "فترة صمت – وقع أقدام داخلة"

الحاجب: بالباب مبعوث فرديناند يا مولاي السلطان.

السلطان: فلْيدخل. "أصوات أقدام داخلة"

المبعوث: هل أجمعتم على رأي أنقله إلى سيدي فرديناند؟

موسى: "بصوتٍ سريع غاضب" قل لسيدك: إن المسلم قد وُلِدَ للجواد والرمح، فإذا طمح إلى سيوفنا فليكسبها وليكسبها غالية، أما أنا فخيرٌ لي قبرٌ تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموتُ مُدافعاً فيه، من أفخم قصور نكسبها بالخضوع لأعداء الدين.

المبعوث: لكن هذا سيكلف غرناطة الثمن الفادح.

موسى: "غاضباً" أنت مبعوث فحسب، ودع عنك هذا!.. والله لولا أن للرسل حرمة لجعلتك نكالاً. قل لسيدك: إنْ عجزنا عن انتزاع نصرٍ كريم، فلن نعجز عن اختيار موتٍ لائق.

السلطان: لكننا قد قبلنا التسليم، أبلغ سيدك فرديناند بذلك.

موسى: أنت وما اخترت، وأنا وما أختار.

السلطان: "يبكي" أما إني لتعيس!..

موسى: خيرٌ من هذه الدموع، دماءٌ نغسل بها عار ما فرّطنا وأضعنا. وداعاً أيها السلطان الضائع.. أنت قد اخترت.. وأنا قد اخترت. هيا يا سيفي الحبيب!.. إن لنا اليوم لَموعداً لا ينبغي أن يُنسى.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين