وجاء دور المناهج

 

         لقد شهدنا في العَقدين الأخيرين حروبًا ممنهجةً ضدَّ الإسلام على كلِّ الأصعدة تحت ذريعة تجفيف منابع الإرهاب، فأُغلقت عشراتُ الجمعيات الخيرية التي كانت تنشرُ الخيرَ والهدايةَ في العالم، وجُمِّدت ملياراتُ الدولارات التي رُصِدَت للمشاريع الخيرية والدعوية، وأوقِفَ آلافُ العلماء والدعاة عن أنشطتهم المختلفة بالسَّجن أو بالمنع، وشُنَّت حروبٌ استئصاليةٌ على شعوبٍ مسلمةٍ فقُتِل وهجِّرَ الملايين منهم. 

 

   فرضوا على الأنظمة الحاكمة التوقيع المُذِلِّ على القبول باتفاقية الخزي والعار الموسومة بـ"سيداو".

 

    تدخَّلوا في مُقدَّرات الأمة وأضعفوا اقتصادها لكي تفقدَ إرادتها، وسلَّطوا أداةَ ابتزازهم العصريةَ المسماةَ بـ(صندوق النقد الدولي) ليفرضَ شروطه الإقراضيةَ على مؤسسات الدولة ومنشآتها بما يزيدها وهنًا على وهن.

  

   دعموا القوى المعاديةَ للإسلام الموجودةَ في المجتمع بالرغم من محدودية وجودها وقلة أتباعها، وحصَّنوها بواجهاتٍ مؤسسيةٍ رسميةٍ داخلَ البلاد لتعملَ بأريحيةٍ تحت غطائها. 

 

   صنعوا كياناتٍ متطرفةً من سفهاء الأحلام كانت خناجرَ مسمومةً في خاصرةِ الأمةِ، وهم يُمسِكون بها ويحرِّكونها لمصلحتهم بطريقةٍ خفيةٍ عاليةِ الاحترافية. 

 

   ومما يزيدُ حَنَقَ الأعداءِ وغيظَهم أنهم أنفقوا في الصدِّ عن سبيل الله مبالغَ هائلةً، ومع هذا كله فحركةُ الناس في العودة إلى الالتزام الديني في ازدياد، ومستوى الوعي والنضج في الأمة يُشيرُ إلى ارتفاعٍ كميٍّ ونوعيّ.

 

     أخيرًا وليس آخراً، وبعد أن لانت لهم قنواتُ الإعلام والصحافة وأمسكوا بزمامها، ووظفوا أزلامهم في إدارتها تسللوا بخبثٍ ومكرٍ إلى مناهجنا الدراسية التي تمثِّلُ نواةَ البناء الفكريِّ للأجيال فعمدوا إلى النصوص القدسية وأسماء عظماء الأمة والعبارات التي فيها نفَسٌ دينيٌّ فأغاروا عليها بالحذف والتبديل محاولين بفعلهم الشنيع هذا كسرَ آخر حلقةٍ في السلسلة التي تربط أبناءنا بدينهم وقيمهم وحضارتهم العريقة.

 

   هذه الخطوةُ ليست عفويةً كما يظنُّ سذَجةُ الناس، بل تأتي ضمنَ خطواتٍ من التصعيد المحموم في المواجهة بين الحق والباطل والتي بلغت ذروتها في كثيرٍ من الجبهات، فهي حلقة قديمة ومتجددة، بدأت منذُ زمنٍ بعيدٍ وهي مستمرةٌ بلا توقُّف، لكنها تنشطُ وتسيرُ بوتيرةٍ أسرعَ كلما سنحت لها الفرصةُ من غفلةٍ أو ضعفٍ في المسلمين. 

هذا الإدراكُ يجعلُ المسؤوليةَ على عسكر أهل الإيمان أعظم، فكلُّ فئات المسلمين اليوم مستهدفةٌ وعلى المحكِّ في هذا الصراع الذي سيستمر ولن ينتهي مرحليًا إلا بقتل الدجال.

 

  معاشرَ المستضعفين المكلومين، أبشروا فللدين ربٌّ يحميه.. 

 

  فوالله لو أنَّ دينًا محرَّفًا، أو مذهبًا فكريًا بشريًا تعرَّضَ لعُشر مِعشار ما تعرَّض له الإسلامُ من ضرَباتٍ وهجماتٍ شرسةٍ من خصومه عَبرَ التاريخ لاندثرَ وأصبح أثرًا بعد عين، غير أنَّ هذا الدينَ من ورائه ربٌّ يحميه، بيده مقاليدُ السماوات والأرض، فهو من تكفَّلَ بحفظه وظهوره، قال سبحانه: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواهم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون".

 

    لكنَّ يقينَنا هذا لا يُعفينا من تحمُّل مسؤولياتنا، وأن نرقى لنكون ندًا قويًا لخصومنا، ونُعدَّ العُدَّةَ لمقارعتهم ودحرهم وإفشال مشاريعهم.

 

وعليه؛ فالسؤالُ المطروحُ بقوةٍ من كلِّ شريفٍ وغيورٍ على دينه وأمته:  

ما الواجبُ فعلُه في هذه المرحلة؟!

 

وجوابي أجمِلُه في نقاطٍ ثلاث، يدخلُ تحتها عشرات التفاصيل:

 

1- تثقيفُ الجماهير ونشر الوعي اللازم بمشاريع الأعداء وخططهم التي تستهدف الأمة، وتبصيرها بعدوها الداخلي والخارجي. 

2 - توجُّه القيادات الحكيمة الفاعلة نحو وضع مشاريع منهجية مدروسة، واعيةٍ وراشدةٍ لمواجهةِ مشاريع الأعداء بما يناسبها، ولا تكونُ مبنيةً على ردود فعل وقتية. 

3. جاهزيةٌ جماهيريةٌ صادقةٌ للالتفاف حول تلك القيادات ودعم تلك المشاريع المناهضة للعدو، وتقديم الغالي والنفيس لإنجاحها.

 وليكُن رافعة الهمَّة في ذلك الصراع قول نبينا عليه الصلاة والسلام:

"الله مولانا ولا مولى لهم"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين