هيئوا أنفسكم للجهاد الأكبر

 

 

مَن دعا إلى قوله تعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا? [آل عمران:103]، وتمسَّك بقوله: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ? [الحجرات:10]، يُعتقل ويُحبس ويُشنق حتى الدُّعاة والعلماء في بنغلادش قُتلوا في سبيل الدَّعوة إلى وحدة الأمَّة الإسلاميَّة، فجرمهم الوحيد هو عَمَلُهم بكل جَهدهم وجُهدهم لعدم انشقاق بنغلادش عن باكستان، ومع هذا القتل والحبس والشَّنق قالوا في وجه حكَّامهم: افعلوا ما تشاؤون، فلو لم يبقَ في عروقنا إلَّا قَطرة دمٍ واحدةٍ فسوف نهرقها في سبيل وحدة الأمَّة الإسلاميَّة. 

السَّلام على من قضى نحبه ومنهم من ينتظر

نقرأ عليهم السَّلام ونقرأ على شباب المسلمين السَّلام في أنحاء العالم الإسلاميِّ على اختيارهم الشَّهادة في سبيل الله وببيعهم أنفسهم لله عزَّ وجلَّ: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ? [البقرة:207]. 

ونقرأ السَّلام على الآباء الذين شاهدوا موت أولادهم أمام أعينهم جائعين في سبيل ألَّا يَسبُّوا الشَّيخين أبا بكرٍ وعمر وعثمان رضي الله عنهم، واقفين في وجه حزب اللَّات الشَّيطاني ورافضين الخضوع له بكلِّ ما آتاهم الله من قوَّةٍ وصبرٍ وعزيمةٍ.

ونقرأ السَّلام على ذلك الشَّاب المصري الذي طلب قُبيل وفاته وهو على حمَّالة الإسعاف أيَّ شيءٍ ليكتب عليه شهادته لعدم استطاعته النُّطق بها لكثرة جراحه، فأعطاه الممرِّض عُلْبَة دواءٍ ليكتب عليها شهادته "أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله". 

ونقرأ السَّلام على تلك الفتاة التي رضيت لنفسها الموت على ألَّا تكشف وجهها أمام أعين القردة والخنازير الصَّهاينة المحتلين، فاستشهدت وهي محافظةٌ على حجابها وشرفها وإسلامها. 

ونقرأ السَّلام على مَن زُّجَّ خلف القضبان في سجون مصر؛ لأنَّه أراد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين ظلموا هي السُّفلى. 

ونقرأ السَّلام على مَن قال: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" من المغرب إلى شرق تركستان المحتلة، رافعًا بها صوته في وجه جميع أشكال الظُّلم والقهر الموجود في هذا العالم.

الطريق إلى تحرير الأقصى

إن ننتسب إلى هذه المدرسة المحمديَّة لا نتخلَّص من أيدي الطُّغاة فحسبُ بل ننقذ البشريَّة جمعاء، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بشَّر أمَّته بنصرٍ مبينٍ وفتحٍ عظيمٍ في يوم كان يصعب على الإنسان الذي لم ينتسب لهذه المدرسة المحمديَّة أن يصدِّق هذه البشارة: «لَمَّا كَانَ حِينَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ، لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ " وَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ، فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ " ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي السَّاعَةَ» [البداية والنهاية:6/30].

في إحدى غزوات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قام سعد بن أبي وقاصٍ أمام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كالجبل الرَّاسخ للدِّفاع عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والنَّبيُّ يقول له: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»، أيقن سعد بما وعد به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وخرج على رأس جيش المسلمين تُجاه بلاد فارس، آملًا من الله أن تتحقق بشارة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على يديه حيث قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا كِسْرَى بَعْدَ كِسْرَى، وَلَا قَيْصَرَ بَعْدَ قَيْصَرَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَيُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» [أخرجه أحمد في مسنده برقم 7478من حديث أبي هريرة].

في معركة القادسيَّة التي اجتمع فيها من طرف المسلمين ثلاثون ألفًا من المجاهدين، كلُّهم جاؤوا متطوِّعين متعطِّشين؛ لتحقيق بشارة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قال: «لَا كِسْرَى بَعْدَ كِسْرَى، وَلَا قَيْصَرَ بَعْدَ قَيْصَرَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَيُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ»، وهم لا يملكون ما يتزوَّدون به من طعامٍ وشرابٍ، فلربَّـما بقي أحدهم على التَّمرة أو التَّمرتين لا يثنيه ذلك في سبيل تحقيق بشارة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلا جوع ولا مرض ولا إرهاق يوقف جهادهم، وأمَّا جيش كسرى فقد بلغ عدد جنده مائةً وعشرين ألفًا، وهو جيشٌ نظاميٌّ فيه الطَّعام والشَّراب واللِّباس والسِّلاح، ولكنَّ المسلمين معهم الله سبحانه وتعالى ومن كان الله معه فهو حسبه ونعم النَّصير.

التَّسلح بالصَّبر والإقدام

طلبت القيادة الفارسيَّة المتمثِّلة بقائد الجيش رُسْتُم، أن يُرسَل إليهم وفدٌ ليروا ما هي مطالب المسلمين، فأرسل سعدٌ إليهم المغيرة بنَ شعبة، وذهب المغيرة بنُ شعبة بثيابه المرقَّعة ونعله البالية إلى معسكرهم، فشاهد الخيام الفاخرة، والقادةَ العظماء كيف تزيَّنوا بأجمل زينةٍ، والجندَ كيف تسلَّحوا بأقوى الأسلحة، فلمَّا وصل المغيرة بن شعبة إلى مركز المعسكر، نظر إليه رُسْتُم وهو يتفكَّر بحال العرب قبل الإسلام كيف كانوا يَقْبَلُون بكسرى ملكًا لهم، وأنَّهم لا يأتون إليه إلَّا لطلب الرِّزق أو سؤال الحاجة، لكنَّه لم يُدرك أن سيِّدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم قد غيَّر هؤلاء من حالٍ إلى حالٍ، فلا يخافون شيئًا ولا تخدعهم الدَّنانير ولا الدَّراهم، ولم يُدرك أيضًا أنَّه قد طهَّر قلوبهم من حبِّ الدُّنيا، وزيَّنهم بالشَّجاعة وسلَّحهم بالصَّبر والإقدام. 

قال له رُسْتُم: إنَّا نعلم سوء حالكم وفقركم وفقر بلادكم، وإنَّكم كنتم تأتوننا سائلين راغبين في قضاء حوائجكم، وإنَّني سأعطي كلَّ واحدٍ منكم حِمل بعيره قمحًا وتمرًا، وسوف أعفو عن جرأتكم هذه. 

 

أي شيء تغير بالإسلام؟

قال المغيرة: لقد كنَّا على شرٍّ مـمَّا ذكرت، وكنَّا نأكل من الجوع الحشرات والهوام، وكان أحدنا يقتل ابن عمه ليَسلب ماله، وكنَّا أهل جاهليَّةٍ وضلالٍ، ولكنَّ الله مَنَّ علينا إذ بعث فينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فأرشدنا لطريق الهدى، وأخذ بأيدينا إلى أبواب الخير، فألَّف الله به بين قلوبنا وأنار به عقولنا ورفع به هممنا، أمَّا الآن يا رُسْتُم إمَّا الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاستشاط رُسْتُم غضبًا لـمَّا سمع بكلمة الجزية، وعتى واستكبر وقال: لولا أنَّك رسولٌ لقتلتك، لكن إنَّ غدًا لناظره قريبٌ، سأمحوكم عن وجه الأرض محوًا.

ها نحن أتينا يا شيمون بيرز

إن ندخل في مدرسة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونجعله معلمنا الأكبر وقدوتنا الأولى ننشأ فيها كما نشأ فيها سعد بن أبي وقاصٍ والمغيرة بن شعبة، وندافع عنه كما دافع عنه سعد، ونؤمن بوعده كما آمن سعد بالرَّغم من استهزاء المنافقين واليهود يوم الخندق منهم، وتجتمع هذه الأمَّة إمَّا بقيادة سعدٍ وإمَّا بقيادة خالدٍ، وتذهب إلى فلسطين المحتلة وتقول: ها نحن أتينا يا شيمون بيرز؛ لنسأل عن دماء أبناء هذه الأمَّة، ونهدمَ دولتكم الفاجرة تحقيقًا لبشارات نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.

إن نكن مثل سعدٍ والمغيرة تتجلَّى آية الرحمن هذه فينا: ?كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ? [البقرة:249]، ويقول المسلمون: بُشرى لك يا دمشق، بُشرى لك يا بغداد، بُشرى لك يا قدس، بُشرى لك يا قاهرة، بُشرى لك يا بورما، بُشرى لك يا شرق تركستان، بُشرى لنا نحن معشرَ المسلمين ها هو جيش محمدٍ قد ظهر ليحرر المسلمين. 

 

سفينة الإسلام

لا تخافوا من غرق هذه السَّفينة؛ لأنَّ أعداء الإسلام لا يستطيعون إغراق سفينة الإسلام، لأنَّها تحمل خليفة الله في الأرض، ولا تجزعوا من تزلزل هذه السَّفينة بالعاصفة والأمواج العاتية، فجريان هذه السَّفينة بهدوءٍ مربوطٌ بجريان الأمور فيها وِفقًا للشَّريعة المحمديَّة، إن نطبق الآيات المنزَّلةَ فيها يحوِّل ربُّنا تبارك وتعالى الهزيمة نصرًا والتَّزلزل ثباتًا. 

تعالوا ننظِّم عبادتنا ومعاملاتنا تحت ظلال القرآن والسُّنة، ألم يقل ربُّنا تبارك وتعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ? [الصف:14]، إن نكن أنصارًا لله وللمهاجرين وننفق عليهم نكن نحن حزب الله، وحزبُ الله هم المفلحون.    

إن نكن مستحقِّين لنصر الله فمن يمنعنا ومن يوقف جريان سفينتا: ?إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ? [آل عمران:160].

إذا نظرنا في تاريخ هذه الأمَّة الإسلاميِّة هل نجد في عصرٍ من عصورها تزلزل هذه السَّفينة، فهل تزلزلت في عصر أبي بكرٍ وعمرَ، أم في عصر عمرَ بن عبد العزيز، أم في عصر السلطان محمد الفاتح، أم في عصر السلطان الغازي سليم؟

قيسوا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم بالمدارس الأخرى

عمر بن عُبيد الله بن مَعْمَر مرَّ بِزَنجيٍّ يأكل عند حائطٍ، وبين يديه كلبٌ إذا أكل لُقمةً طرح له لُقمةً. 

فقال له: أهذا الكلب كلبك؟. 

قال: لا. 

قال: فلم تُطعِمُه مثل ما تأكل؟.

قال: إنِّي أستحيي من ذي عينين ينظرُ إليَّ أن أستبِدَّ بمأكولٍ دونه. 

قال: أحرٌّ أنت أم عبدٌ؟. 

قال: عبدٌ لبعض بني عاصم. 

فأتى عمر ناديهم فاشتراه واشترى الحائط ثمَّ جاءه فقال: أشعرت أن الله قد أعتقك؟ 

قال: الحمد لله وحده، ولمن اعتقني بعده. 

قال: وهذا الحائطُ لك. 

قال: أُشهِدُك أنَّه وقفٌ على فقراء المدينة. 

قال: ويحك! تفعل هذا مع حاجتك؟ 

قال: إني أستحي من الله أن يَجودَ لي بشيءٍ فأبخل به عليه. [فضل العطاء على العسر: 23].

هذا العبد في أيِّ مدرسةٍ نشأ؟ ومن علَّمه أن يُقسِّم الطَّعام بينه وبين الكلب الذي يقف أمامه؟ مدرسته أرقى أم المدرسة التي تخرَّج منها السِّياسيُّون الأوربيُّون الذين سرقوا طعام الجائعين في إفريقيا وجنوب آسيا؟.

نشأ هؤلاء الأوربيُّون في المدارس التي علَّمت طلابها أن يجمعوا المال فحسب بدون النَّظر من أين يكتسبوه أو ما هي الطَّريقة الشَّريفة الصَّالحة لكسبه، هل هي من طريق السَّرقة أو أكل أموال النَّاس بالباطل؟ فالسرقة وأكل الأموال بالباطل كلُّها سواءٌ عندهم فالرذيلة فضيلة بتعاليمهم.

هؤلاء الذين تقاسموا الطَّعام يوم محنتهم نشأوا في حلْقة محمد صلى الله عليه وسلم، إمَّا آخذين أسس التَّربوية من فمه المبارك أو من أفواه طلابه {وآخرين منهم لما الآية. 

فسوف أذكر لكم شيئًا من تعاليم هذا النَّبيِّ الأمين الذي نادى الناس حتى لرعاية حقوق الحيوانات منذ 1400 عام قبل هؤلاء الذين يتنطعون بأفواههم وأفعالهم مخالفة لأقوالهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» [أخرجه البخاري في صحيحه برقم 2363 من حديث أبي هريرة]، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» [أخرجه البخاري في صحيحه برقم 3318 من حديث ابن عمر].

هذا العبد نشأ في مدرسةٍ عظيمةٍ تعلَّم فيها أن الرَّجل يدخل الجنَّة بسبب سقيه الماء للكلب والمرأة َتدخل النَّار بهرَّة حبستها لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». 

هل تفهمون لماذا يجب هدم هذه النُّظم الحاكمة الفاجرة، وتأسيسُ الشَّريعة الإسلاميَّة مكانها؟!. 

ألم يشاهد النَّاس في لندن وموسكو وباريس جثث الأطفال على شواطئ بحر إيجة؟!. 

ألم يشاهدوا ويسمعوا بكاء المسلمين من الأطفال والثَّكالى والعجائز في مضايا "إنَّا جائعون إنَّا جائعون"؟!. 

إن يُدبر الدُّينا السياسيون الذين تخرَّجوا من مدارس الكنسية تشاهدوا جثث الأطفال ملقاةً على شواطئ بحر إيجة، الذين غادروا بيوتهم راجين العيش مع أسرهم في أوربا، والصَّغارَ الذين ماتوا من الجوع في مضايا وسائر سوريا، ولكن إن يحكم العالم من تخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى تشاهدوا الرجال الذين يقاسمون ما ملكوا مع الحيوانات فضلًا عن الجائعين من البشر؛ لأنَّهم تعلَّموا هذا في مدرسة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، لأجل هذا لا تخافوا من غرق هذه السَّفينة؛ لأنَّ استمرار حياة البشر مربوطٌ بوجودها واستقرارها. 

ولو بشق تمرة بينوا صفكم

عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ? [النساء: 1] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ?إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1] وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: ?اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ? [الحشر: 18] «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» [أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1017 من حديث جابر].

جاءت مضر بالملابس البالية، والبطون الجائعة، فَتَمَعَّرَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة، بدون السؤال عن دينهم، أولًا أتى إلى بيته وسأل ثم رجع وصلَّى وعرض عجزه إلى ربه في صلاته، ثم خطب ودعا أصحابه إلى المساعدة، وقال لهم تصدقوا لا من المال فحسب بل من القلب أيضًا، فتصدقوا رضوان الله عليهم حتى بدَّلوا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التَّهلل والبشر. 

من يرد أن يُسرَّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليسع جاهدًا إلى مساعدة إخواننا في سوريا والعراق، تعالوا نعلن حالة استعدادٍ كاملةٍ لمساعدتهم أو نساعد من أعلن مساعدتهم، وكلٌّ على حسب استطاعته، بعضهم يرسل أربعمائة شاحنةٍ وبعضهم يُرسل شِقَّ تمرةٍ، كلاهما مقبولٌ بَذْلُه عند الله ومحوِّلٌ لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التَّهلل والبشر.

يا من يشاهد إلى إخوانه كيف يقتلون في سوريا والعراق وبنغلادش وشرق تركستان، ويشاهد كيف يُسجن المؤمنون في مصر، قم لمساعدتهم وتقديم يد العون لهم فأنت من أحفاد العثمانيين، فالمشاهدة والبكاء من أعمال النِّساء.

لما اشتكت ألمانيا من فرنسا، طلبت من السُّلطان سليمان القانوني ورجت منه أن يرسل لها جيشًا ليساعدها على فرنسا، فأرسل السُّلطان سليمان القانوني لباس عساكر الدَّولة العثمانيَّة، وأمر إمبراطورها أن يُلبس جنده هذه الملابس ثم ليخرج بهم لمواجهة فرنسا، فما كانت النَّتيجة؟ كانت النَّتيجة أن فرَّ الجيش الفرنسيُّ يجرُّ أذيال الخيبة والذل.

لما اقتدينا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم استخدمنا ربُّنا تبارك وتعالى لعزِّ الإسلام وأهله، وقذف الرُّعب بقلوب أعدائنا، هلُّموا بنا لنرجع إلى تلك الأيام التَّليدة العظيمة التي شهدت بها الأمَّة والإنسانيَّة جمعاء عزًّا عامًّا ورحمةً واسعةً ومحبَّةً كبيرةً.

قوموا وسووا الصُّفوف

قال لي أحد مسلمي نيجريا عند زيارتي له: تعالوا إلينا فالأمَّة أنظارها معلقةٌ بكم، فقلت له: كم عدد المواطنين في نيجريا؟ قال لي: حوالي 170 مليونًا، قلت له: نيجريا أكثر عددًا من تركيا فلماذا تنتظرون المساعدة من تركيا؟ قال لي: هل رأيت أحدًا من المسلمين في إفريقيا أو في بنغلادش أو في شرق تركستان أو في بغداد أو في دمشق؟ يقول: يأتي المسلمون من نيجيريا ويساعدوننا ينقذوننا بجيشٍ عظيمٍ "لا"، ولكنَّ المستضعفين في هذه البلاد وفي كلِّ البلاد الإسلاميَّة يعلِّقون آمالهم عليكم وينتظرون الجيش العظيم الذي تشكَّل من أحفاد العثمانيين ومن المسلمين تحت راية الإسلام، اتركوا هذه الحسابات الصَّغيرة وارجعوا إلى وظيفتكم الأصليَّة، ولا تكتفوا بقراءة السَّلام على المظلومين بل قوموا وسووا الصُّفوف وهيئوا أنفسكم للجهاد الأكبر يا أحفاد العثمانيين.

المصدر : مجلة الحميدية الجزء الأول

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين