هل سنشهد تدخلا عسكريا تركيا وشيكا في سورية؟

 

شهدت الساحة التركية في الساعات القليلة الماضية حراكا سياسيا ونشاطا عسكريا مكثفا غير اعتيادي وغير مسبوق على أعلى المستويات كشف عن استعدادات تركية للتحرك العسكري باتجاه سورية. فقد صرح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بأن تركيا لن تسمح بقيام كيان كردي في شمال سورية، وأضاف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بأن القوات المسلحة التركية على أهبة الاستعداد لأي أوامر تأتي من القيادة السياسية.

 

أعقب ذلك تصريحات متتالية لكبار المسؤولين السياسيين في الاتجاه نفسه. ورافق ذلك حديث عن تقدم للقوات البرية باتجاه الحدود السورية إلى مسافة لا تبعد سوى عشرة كيلومترات عن الحدود البرية بين تركيا وسورية في منطقة جرابلس تحديدا. وعلى الصعيد نفسه يدور نقاش حاد ساخن بين مؤيدين لهذا التحرك ومؤمنين بضرورته ومعارضين له يجدون فيه ضررا عظيما وخطرا محدقا يهدد أمن تركيا ومستقبلها. ولعل الأكثر غرابة وجذبا للانتباه دخول السفير الايراني لدى أنقرة على خط النقاش هذا وتصريحه بأن تدخل القوات التركية في شمال سورية إنما هو مصيدة لتركيا لجرها إلى أتون الحرب السورية!. وكأن بلاده ليست طرفا رئيسيا في تلك الحرب، وكأن إيران لم تغرق حتى أعلى رأسها في وحل الأزمة السورية!.

 

قبل الدخول في الإجابة على سؤال هل ستدخل القوات التركية الأراضي السورية أم لا؟ لا بد من التنبيه إلى أن العقيدة العسكرية للدولة التركية من لدن تأسيسها مبنية على عدم تدخل الجيش التركي في الصراعات خارج تركيا، إلا في ظروف اضرارية، أو بناء على طلب دولي ومن خلال مظلة دولية، مثال الحالة الأولى التدخل العسكري في قبرص عام 1974، والحالة الثانية المشاركة في الحرب الكورية عام 1953 ضمن قوات حلف الناتو.

 

ولا يندرج في هذا السياق بعض المهام غير القتالية التي يقوم بها الجيش التركي خارج أراضيه مثل المشاركة في قوات الإيساف في أفغانستان و اليونيفيل في لبنان , إذ لا يزال الشعار الذي أطلقه مصطفى كمال أتاتورك "الصلح في الداخل والسلم في العالم" يشكل أساسا وأرضية لهذه العقيدة. غير أن هذا التوجه بات يصطدم ويتعارض مع رغبة تركيا في لعب دور سياسي نشط، وضرورة الحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية رئيسية. وإذا كان لعب هذا الدور الاقليمي من باب النوافل في السابق فقد أصبح ضرورة استراتيجية في هذه الأيام حيث يعيش العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص حالة إعادة بناء الكيانات وتشكيل الدول من جديد، ما يجعل التردد والانكفاء خيارا مستبعدا. فإما أن تجد تركيا لنفسها ساحات نفوذ خارج أراضيها تعزز وتقوي خياراتها الاستراتيجية، أو تنكفئ على ذاتها وتتفرج على قيام كيانات مجاورة تهدد أمنها الاستراتيجي.

 

لكن هل حزمت تركيا أمرها وقررت التدخل في سورية؟

 

الجواب: ليس بعد. إذ لا موقف موحداً ولا هدف واضحاً لهذا التدخل. فبينما يصرح بعض المسؤولين بأن هدف هذا التدخل هو الحيلولة دون سقوط جرابلس بيد قوات الحماية الكردية ما يعني اكتمال تلاقي الكانتونات الكردية تمهيدا للإعلان عن كيان كردي مستقل شمال سورية وهذا خط أحمر بالنسبة للدولة التركية، يذهب آخرون إلى أن التدخل سيضع حداً لاتهامات قوى في الداخل والخارج ما فتئت تتهم الحكومة التركية بتقديم الدعم لتنظيم داعش!. فيما يريد البعض من خلال فرض منطقة آمنة للمواطنين السوريين داخل أراضيهم وضع حد لتدفق المشردين السوريين باتجاه تركيا.

 

من ناحية أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، حيث يقتضي العرف السياسي ألا تقوم حكومات تصريف الأعمال بخطوات كبيرة ذات شأن إلى حين تشكيل حكومة جديدة قادرة على تحمل المسؤولية السياسية بدلا من الدخول في حرب غير واضحة المعالم، وحالة سياسية داخلية غاية في التعقيد. فلا ينتظر والحالة هذه الدخول في حملة عسكرية واسعة النطاق.

 

لكن إذا أصرت مليشيات صالح مسلم على دخول جرابلس بهدف تغيير تركيبتها السكانية وطبيعتها الديمغرافية حيث تقطنها أكثرية عربية وتركمانية كما فعلت في مدينة تل أبيض، فإن تركيا لن تقف مكتوفة اليدين مهما كانت التطمينات الأمريكية. بل ستبادر لوضع حد لهذا العدوان من خلال القيام بعملية ربما تكون محدودة يمكن أن تتسع إذا تم تأمين الغطاء الدولي حيث لا يبدو ذلك ممكنًا حالياً.

 

إذا نحن أمام اختبار جدي حقيقي لمدى تصميم تركيا على الحفاظ على أمنها الاستراتيجي الذي يلتقي ويتوازى مع تطعات الشعب السوري في وحدة وطنه، وتفويت الفرصة على من يصطادون في الماء العكر ويتحينون الفرص ويستغلون حالة الحرب الاستثنائية التي تعيشها سورية لفرض أمر واقع يهدد وحدة التراب السوري.

 

إذا هي رسائل واضحة للأمريكان بأن يحترموا خصوصية الشعوب فلا يعبثوا بالنسيج الاجتماعي بتقوية أطراف مشبوهة تريد تدمير الفيسفساء السكانية وإدخال المنطقة في أتون حرب إثنية عرقية مذهبية لا تبقي ولا تذر.

 

إذا هي رسالة واضحة لايران التي ما فتئت تصب الزيت على نار الفتنة في المنطقة بأن تركيا قادرة على القيام بعاصفة سورية شمالية لا تقل حزما عن العاصفة اليمانية الجنوبية.

 

رسائل واضحة بعثت بها القيادة التركية في اتجاهات شتى، عسى مخاطبوها يجنبون المنطقة مزيدا من ويلات الحرب وسفك الدماء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين