هل السبحة بدعة أو لا؟

نص الاستشارة :

هل السبحة بدعة أو لا؟

الاجابة

 

 

الجواب: السبحة – بضم السين المهملة وسكون الباء الموحدة - هي الخرز المنظوم والتي يعدُّ بها الذكر والتسبيح، قيل: إنها عربية وتجمع على (سُبَح) بضم السين، وقيل: إنها مولدة أي: غير عربية.

وإحصاء الذكر بالسبحة من اختراع الهند ثم تسرَّب إلى البلاد والأديان الأخرى، والإسلام قد أمر بذكر الله تعالى كما أمر بسائر الطاعات، وإذا كان الأمر به قد ورد مطلقاً بدون تقييد بعدد معين أو حالة خاصَّة في مثل قوله تعالى:[الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ] {آل عمران:191} وقوله سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] {الأحزاب:41-42}. فقد وردت أحاديث تحدد عدده ووقته كما في ختام الصلاة بثلاث وثلاثين تسبيحة، ومثلها تحميدة ومثلها تكبيرة وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وكما جاء في نصوص أخرى في فضل الذكر عشر مرات أو مائة مرة، وهنا يحتاج الذاكر إلى ضبط العدد.

وليس في الإسلام وسيلة معينة لذلك والأمر متروك لعرف الناس، والمأثور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده كما رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأرشد أصحابه إلى الاستعانة بالأنامل عند ذلك، فقد روى أبو داود والترمذي والحاكم عن بسرة رضي الله عنها – وكانت من المهاجرات – أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين التوحيد، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات).

والأمر بالعد بالأصابع ليس على سبيل الحصر فلا يمنع العد بغيرها، بل أقره النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره من أدلة المشروعية.

أخرج الترمذي والحاكم والطبراني عن صفية رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديَّ أربعة آلاف نواة أسبح بهن فقال: (ما هذا يا بنت حيي؟ قلت: أسبح بهن، ولم ينكر عليها ذلك... بل دلها على ذكر ينتج أكثر.

واتخذ عدد من الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم النوى والحصا وعقد الخيط وغيرها وسيلة لضبط العدد في التسبيح ولم يثبت إنكار بعضهم على بعض، ففي مسند أحمد أن أبا حطبة رضي الله عنه – وهو من الصحابة – كان يسبح بالحصا.

وروى أبو داود أن أبا هريرة رضي الله عنه كان له كيس فيه حصا أو نوى يسبح بها، وأخرج أحمد أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان له نوى من العجوة في كيس يسبح بهن، وجاء في كتاب: (المناهل المسلسلة لعبد الباقي: أن فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهم كان لها خيط تسبح به).

والسبحة لم تكن معروفة عند المسيحيين حتى أوائل القرن الثاني الهجري، ولما شاعت بينهم استعملها العامة من المشتغلين بالعبادة ولم يستحسنها بعضهم، روي أنها كانت في يد الجنيد في القرن الثالث الهجري وقال عنها: طريق وصلت به إلى ربي لا أفارقه (الرسالة القشيرية).

ولم يصحَّ في مدح السبحة خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من عد الذكر بالسبحة، وقد سئل بعضهم وهو يعد بالتسبيح: أتعد على الله؟ فقال: لا، ولكن أعد له. (انظر الحاوي للفتاوى للسيوطي، نيل الأوطار للشوكاني).

والخلاصة:

أن التسبيح بالسبحة غير ممنوع، ولكن هل الأفضل هي أو الأصابع؟ أحسن ما قيل في الجواب: إن أمن الغلط كانت الأنامل أفضل وستشهد عند الله بذلك، وأنبه إلى عدم التوسع في إطلاق اسم البدعة على ما لم يكن معروفاً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، والأهم من ذلك هو الإخلاص في الذكر.

وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم.

المصدر: مجلة منبر الإسلام، السنة الأربعون، شوال 1402 - العدد 10


التعليقات